قضايا وآراء

الانفلات الأمني في الخرطوم: حوادث أم تهيئة مسرح؟

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(١)
هل هذه مجرد حوادث؟ مقتل الطالب عبد العزيز الصادق أمام بوابة الجامعة (١٤ آذار/ مارس ٢٠٢١م)، ومقتل بشير عبد الله، مدير محطة وقود في أم درمان (١٨ آذار/ مارس ٢٠٢١م)، لهما الرحمة والمغفرة والعتق من النار ولأهلهم الصبر والسلوان). وهل يمكن أن تغلق الملفات بالقبض على المشتبه بهم ومحاكمتهم؟

هذه وقائع وشواهد عن حالة المجتمع والدولة والبيئة العامة، تستحق الدراسة والبحث والتحقق والتقصي للأبعاد وللدلالات. هل الجرأة على غرز سكين في قلب شاب ولأجل خطف هاتفه أمر عادي وحدث فحسب؟ هل قتل رجل بعد توثيقه بالحبال في مكتبه في وضح النهار ومع حركة دائبة في المكان مجرد حالة سرقة؟ لا أعتقد ذلك، خاصة أن هناك حالات كثيرة تشهدها العاصمة السودانية الخرطوم، من اقتحام منازل وترهيب وبث للرعب، وفي جرأة ملحوظة.

وفي كثير من دول العالم، فإن وسائل الإعلام تهتم بمثل هذه الحوادث وتدير نقاشا مع الخبراء في مجال الاجتماع والاقتصاد ودراسات المجتمع والإعلام والشرطة، ليس لمحاصرة الظاهرة بالإجراءات الإدارية والضبط، وإنما مناقشة الجذور والمسببات والدوافع. وكما يقول علماء النفس: "لا ينبغي النظر إليها كظواهر غير طبيعية فحسب، بل بالعكس؛ فإنها نتيجة حتمية للبنية المجتمعية والعلاقات الإنسانية".

وبالتأكيد فإن مجتمعنا شهد تحولات عميقة، وبعض الجرائم المحدودة وفي أحياء محددة، كانت تسمى "أوكار الجريمة"، أصبحت اليوم أكثر تمددا وبروزا، وشهدنا حالات الخطف والنهب والتهديد بالسلاح في أغلب الطرقات الرئيسية في العاصمة الخرطوم وفي أغلب الأحياء، وبعنف أكثر وقسوة لا تتناسب مع حجم السرقة، أي الطعن القاتل مقابل سرقة هاتف، أو نهب أموال. هذا أمر يستوجب ناقوس خطر.

(٢)
حدد علماء النفس سياقات كثيرة، وربما نستطيع أن نرد الأمر لمسببات ظاهرة للعيان، منها:

- البيئة السياسية العامة، وحالة الضعف وغياب هيبة الدولة، مع زيادة الركود الاقتصادي والعطالة، مما أدى للبحث عن كسب سريع ومجزٍ.

- السيولة الأمنية، في ظل توسع الظاهرة وضعف تطبيق القانون وتراجع الحسم الأمني، مع تحييد أجهزة الشرطة من خلال إضعاف سلطاتها وتجريدها من صلاحياتها.

- غياب الرعاية الأسرية والوازع القيمي والأخلاقي، وانحسار تأثير قوة المجتمع، بل نشوء جماعات وتيارات، ذات نزعة للعنف والترهيب.

ومع ذلك، فإن هذه الأمور تبدو نسبية في نظري، وكان يمكن للحكومة التعامل معها وفق خطة وإجراءات، فالأمن قضية محورية.

(٣)
وعليه، لا بد من طرح أسئلة أكثر عمقا، للإجابة على المسببات والدوافع، منها:

- هل الغاشيات المستجدة في المجتمع، ونقصد هنا تحديدا "ثورة التقنية" ونتاج التراخي الأمني (تهريب المخدرات) وشيوع مجموعات "الإلحاد"؛ واحدة من عوامل الانحراف العنيف، أم التمادي في الأفعال دون خشية العواقب (دنيا وآخرة)، يعدّ عنصرا مهمّا في هذه الحوادث؟ مع ملاحظة دخول فئة جديدة من المجرمين ووسائل جديدة، ما يرجح هذه الفرضية، دون أن ننسى سهولة الاتصال ومرونة الحركة، وضعف الرقابة الأمنية (السماح بحركة الدراجات النارية دون ترخيص مثلا).

- وفرضية ثانية مهمة، هي الغرس الثقافي وناتج مخططات منظمات أجنبية ذات أجندة خبيثة في فئة اجتماعية محددة (المشردون مثلا)، مما خلق لديهم عداء للمجتمع وإحساسا بالغبن الاجتماعي، وهذه واحدة من أكثر المشكلات الاجتماعية تعقيدا. لقد تم غل يد كثير من المنظمات الوطنية، وإفساح الساحة لمنظمات أخرى، خلال الفترة الماضية، فهل جاء ثمار الغرس هذا بهذا الناتج من الأفعال؟

- ونقطة ثالثة بالغة الأهمية، وهي بث حالة من انعدام الأمن وفقدان الثقة في الأجهزة الأمنية والشرطة، وخلق قدر من البلبلة، وذلك لتهيئة الواقع والبيئة لمشهد جديد، وهو أمر غاية في الأهمية والخطورة، مع استصحاب وجود أجندة تهدف إلى "تفكيك السودان طوبة طوبة".

إن غياب التحسس المبكر والقراءة للتطورات الراهنة وقصور مؤسسات الدراسات والإنذار، وضعف مساهمات المنابر الأكاديمية وقلة حيلة هياكل الحكومة، مدعاة لمغامرات كثيرة، وأكبر حافز للمغامرين الفوضى وغياب الأمن، وقد تكون هذه الأحداث مجرد بالونات في مخطط كبير.. حفظ الله السودان وأهله.
التعليقات (0)