قضايا وآراء

وَمَنْ يَجْعِلِ الضُّرْغامَ بَازاً لِصَيْدِهِ..

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

في حُمَّى الانتخابات في كيان الإرهاب الصهيوني، وصف بيني غانتس زعيم حزب "أزرق أبيض" شريكه في الحكومة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو بـ "هذه الزِّبالة".. ولم يكن غانتس مبالغاً في وصفه هذا أبداً، بل لم يصل إلى حقيقة توصيف حال رئيس وزراء هذا الكيان العنصري الإرهابي الذي يغصّ بمسؤولين من نوع نتنياهو، لكن هذا الأخير يبقى متفوِّقاً في السقوط، وقمة في الإجرام والإرهاب والعنصرية والفساد. 

وفي خضم الحمى الانتخابية فإن هذا "النتن-ياهو"، صنو دونالد ترامب في الاحتيال والديماغوج، أعلن قبل أيام من زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة التي أُحبِطَت بقرار أردني ردَّاً على إعاقته لزيارة ولي العهد الأردني إلى القدس.. أنه إضافة إلى الاعتراف والتطبيع والتحالف الذي حققه مع أربع دول عربية في العام الماضي، ٢٠٢٠، فإن بين يديه ما سيعلنه عن تطبيع مع أربع دول عربية أخرى هذا العام، وأن الإمارات العربية المتحدة التي تبادل معها السَّفارات وحقق معها شراكة في عدد من المؤسسات والشركات، سوف تستثمِر في "إسرائيل" ما قيمته عشرة مليارات دولار إضافة إلى مساعدات مالية.. 

وليس في هذا ما يثير العَجب مما نسمعه ونراه في هذا الزمن الرديء، بل العجب أن يُقبِل حكامٌ عربٌ مسلمون ورثة آباء وأجداد عرب ومسلمين لبعضهم مواقف تُذكَر، أن يُقبِلوا على الاحتفاء بهذه "الزِّبالة"، حسب وصف غانتس لنتنياهو، وأن يعترفوا بكيان الإرهاب والعنصرية والعدوان والاحتلال دولة على حساب فلسطين وشعبها، وأن يطبِّعوا علاقاتهم معها، ويحالفوها ويُمِدُّوها بالمال ويفتحوا لها بلدانهم وقصورهم وصدورهم؟!.

إن هذا الذي نراه ونسمعه ونتابعه، من سياسات وتصرفات وتحالفات يعلنها العدو وحكام عرب كلٌّ منهم باسم دولته وبالإنابة عن شعبه.. لا يمكن أن يُعدَّ بأي مقياس من المقاييس، ولا أن يقبل لأية اعتبارات وحجج على أنه احتياجات وضرورات وبعد نظر.. ولا يصح أن نسميه تواطؤاً لأنه أسوأ من ذلك بكثير وأفظع وأشنع.. فالتواطؤ الذي يكون بين طرفين أو أكثر ضد طرف أو أطراف أخرى، يُفْتَرَض أن يوجد فيه أهداف ومصالح مشتركة وتكافؤ نسبي بين المتواطئين.. أمَّا ما نحن بصدده مما ينتهجه حكام عرب أو غيرهم ممن هم على شاكلتهم من الحكام فليس فيه شيء من هذا، وهو من منظور عربي سليم لقضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني وللاستعمار الغربي "الأوروبي والأمريكي بأثوابه وصيغه القديمة والجديدة"، خيانة للأمة وشهدائها، وطعن في الظهر للمناضلين وغدر مرذول بالشعب.. هذا من جهة.. وخضوع وارتماء بأحضان العنصرية والصهيونية والقُوى الاستعمارية المتوحشة وتآمر معها على الذات من جهة أخرى.. 

إنه اشتراك في المسؤولية عن جرائم وآثام مع عنصريين وفاشيين جدد ومع "إسلاموفوبيين" متعصبين، ومستعمرين ومتآمرين على العروبة والإسلام، ويأتي على رأس أولئك كيان الإرهاب الصهيوني العنصري "إسرائيل"، والولايات المتحدة الأمريكية بعنصرييها ومتصهينيها من الأنجليكانيين المتطرفين أصحاب "هِرْمَجِدُّون تفني العرب والمسلمين وتقضي على الإسلام" وسواهم من أصحاب التمميز والدعوة لتفوق البيض، ومشاركة مع دول أخرى تابعة أو موالية لأولئك، تناصر الاحتلال والعدوان والقتل والتدمير، وتستثمر في الحروب والفِتَن والإرهاب، وتنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والحقوق والحريات العامة والخاصة، وترتكب المَجازر، وتستخدم شركات إجرام شبه رسمية على نمط "بلاك ووتر-أكاديمي" و"فاغنر" لنشر الفوضى وإثارة الفتن، وللقتل، وتوظف مرتزقة وتسلحهم وتمولهم بمال سياسي يُستثمَر في الإجرام والتآمر والانقلابات والسياسات القاتلة.. 

وكلها جهات تتغاضى عن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وعمَّن يقومون بالإبادة الجماعية المنظمة، وتعترض حتى على محكمة العدل الدَّولية والمَحكمة الجنائية الدولية وتتهمهما بشتى الاتهامات وتهدد مسؤوليين فيهما إذا ما قاموا بواجبهم في فتح تحقيق في ما يُرتكَبُ من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية مما يتعرض له الشعب الفلسطيني المضطهد الواقع تحت الاحتلال الصهيوني.. وكل تلك الجهات لا تراعي العدالة بل تراعي التجارة والمصالح والتحالفات في مواقفها وأحكامها وعلاقاتها، وتتبع ازدواجية معايير سقيمة وعفنة في ما يتعلق بقضايا ودول، وبشعوب تُحكَم بالحديد والنار، وأخرى تتعرض للظلم والقمع والقهر والتعذيب والتصفية العرقية في معسكرات اعتقال.

 

إنه لمن العَجب العُجاب أن يفرِّط حكامٌ عربٌ مسلمون بمصالح شعب ووطن وأمَّة، ويفعلون ما ينافي القيم والخلُق والشرف والدين، ويأتون ما نهاهم دينهم عن إتيانه من موالاة لأعدائهم وأعداء دينهم،

 



إن ارتماء حكام عرب في أحضان دول وقوى وجهات من هذا النوع، وما يتبعونه من سياسات اتباعية واعترافهم بالعدو الصهيوني وتطبيعهم للعلاقات معه، وما يقيمونه من تحالفات وما يرحبون به ويدعمونه من صفقات، وما يقدمونه من مساعدات مالية ضخمة واستثمار بمليارات الدولارات لإنعاش اقتصاد "إسرائيل" ودفع تكاليف عدوانها وعدوان الولايات المتحدة الأمريكية على بلدان وشعوب عربية وإسلامية، وقيامهم بشراء أسلحة بمئات مليارات الدولارات من تلك الجهات ووضعهم لما يشترونه في خدمتها ولخوض حروب بالوكالة عنها، ومساهمتهم معها في تدمير بلدان عربية يستهدفونها منها "سوريا واليمن وليبيا والعراق"، وبلدان إسلامية يضيّقون عليها الخناق ويشعلون النار في أطرافها، وفتحهم بلدانهم لتقيم فيها الدول الاستعمارية والقُوى الغاشمة قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية وتنشر قواتها بهدف العدوان والتمزيق والتوسع وتعزيز الاحتلال والنفوذ وفرض الهيمنة التامة ونهب الثروات واستلاب الإرادات والقرار السياسي.. كل تلك أفعالٌ لا يمكن وضعها في أي سياق عقلاني ـ أخلاقي ـ استقلالي وطني عادل وإنساني. 

إن كل ذلك منهم وممن هم على شاكلتهم من حكام في أي بلد من البلدان هو تبعية وخُسران، وضَلال ما بعده ضلال، وولاء أعمى للصهاينة والأمريكيين والاستعماريين وغيرهم من أقوياء تهمهم مصالحهم ولا يهمهم السلم والأمن والعدل واستقلال الدول والشعوب.. وهو تآمر صريح على قضايا عادلة على رأسها قضية فلسطين وشعبها المضطهد المُحاصر المُشرد عن وطنه منذ عقود طويلة من الزمن، وعداء معلن للعروبة والإسلام، ولا يمكن أن يندرج في أي مستوى من الأخلاق والقيم والانتماء ولا في النهج الوطني والقومي.. فضلاً عن أنه لا مصلحة لبلدان أولئك الحكام وشعوبهم فيه، بل هو وبال عليها، وتدمير لمصالحها، وإزراء بها، ونيل من كرامتها وانتمائها وهويتها وإنسانيتها، وخروج على عقيدتها.

إنَّ مسلكاً من هذا النوع لا يمكن أن يكون مسلك أحرار مستقلين بعيدي النظر وواعين لأهدافهم ومنتمين لأرض وشعب، ويتمتعون بثقة وإرادة وقدرات، ويطمئنون إلى عدالة حكمهم ونضج حكمتهم، وقادرين على حماية أنفسهم وأموالهم وثرواتهم وشعوبهم وأوطانهم.. بل هو مسلك ضعفاء خائفين يتشاجعون، وقصار نظر يتشاوفون، وطامحين بغرور يغامرون، ومرتكبي مظالم يتشيطنون ويشيطنون غيرهم.. تثقُل عليهم أعباؤهم وما يَزِرون، وتزداد مخاوفهم ويرتعد فرائصهم في النوم والصحو.. فيتراكضون نحو الأقوياء يبحثون عن ظِلٍّ يستظلون به، وعن قوي يحميهم وما يملكون، فيسلمونه مقدراتهم وقيادتهم ومَن يقودون، وبذلك يزيدهم فعلهم ومَن يستظلون بظلهم تورطاً وتبعية وموالاة ومخاوف، فيتودّدون للمستظَل بهم تودد المَغرور المُستَهام أو المَأسور المُضَام.. فيُستنزَفونهم أكثر، طوعاً أو كرهاً.. 

وشيئاً فشيئاً يجدون أنفسهم يغرَقون ويُغْرِقون.. وحين تذهب عنهم "السكرة وتأتي الفكرة" يكونون قد فقدوا القدرة على التراجع وعلى التعبير عن المواجع، فيتظاهرون بسرور المَهبول ورضى الساعي إلى حفظ ماء الوجه، وقضم ما تبقى من تفاحة العمر في ظِل الظِّل.. ويجد الحر منهم نفسه كالمستجير من الرمضاء بالنار، يتلظَّى ويحترق جلده فيكتم ألمَه ويكظم غيظه ويندفع أكثر لينجو وما هو بناج، مَثَله في ذلك مثل باسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه. 

لقد دخلوها لغايات منها الحماية، ومغالبة خصومهم السياسيين والقبائليين وزيادة التسلط في ظل القوي المُتَسلط، وقهر الأحرار وخذلان المتحررين، وإحكام قبضتهم على بلاد وشعب وأموال وثروات.. وتوسيع دائرة نفوذهم لتجاوز الرُّقعة التي يتربعون عليها سلاطين زمانهم، حلُماً بإمبراطوريات يقيمها المال لا العلم والعمل والرجال.. وتشاطروا فاختاروا الأقوياء مِظَلَّاتٍ لغايات ولم يقدروا النهايات..  

وَمَنْ يَجْعِلِ الضُّرْغامَ بَازاً لِصَيْدِهِ    تَصَيَّدَهُ الضُّرغامُ فيما تَصَيَّدا 

مؤسفٌ أن يشلح المرء ثوبه/ أمته، وينسلخ عن جلده، ويحتمي بعدوه، ويشارك المتآمرين على أقطار عربية وعلى الأمتين العربية والإسلامية عدوانهم وتآمرهم.. ويصبح عراباً للصهاينة في التطبيع والتوسع والهيمنة وتصفية قضية فلسطين، وعبءاً على المنتمين والوطنيين والعروبيين والمسلمين، يوالي أعداء الأمة والدين ويساهم في تدمير أمته وتشويه هويته وثقافته ولغته.. مكتفياً بأن يُرفَعه الأعداء "خيالَ مَآته"، وشبحاً مُضاءً بالفسفور، ووجهاً شمعياً يتضاحك، ويفتخر بجعله الضُّرغام بازاً لصيده، ودفعه مليارات الدولارات لقتل ذويه، وتقديمه الهدايا والاحتفاء والاحتفال بقاتليه نكاية بذويه.. بينما يستولي عدوه وعدو جده وأبيه وعدو أمته ودينه على كل شيء يملكه أو يلوذ به أو يتطلَّع إليه..؟! 

وإنه لمن العَجب العُجاب أن يفرِّط حكامٌ عربٌ مسلمون بمصالح شعب ووطن وأمَّة، ويفعلون ما ينافي القيم والخلُق والشرف والدين، ويأتون ما نهاهم دينهم عن إتيانه من موالاة لأعدائهم وأعداء دينهم، مما جاء في آيات بيِّنات في القرآن الكريم منها قوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ـ سورة المائدة ـ الآية 57، و(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا مُّبِينًا) ـ سورة النساء - الآية 144.


فسبحان الله.. وله تَعالى في خَلْقِه شُؤون وشُؤون.


التعليقات (0)