قضايا وآراء

الصامتون والمخطّطات الاستراتيجيّة!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
إنّ الأشخاص الصامتين، الذين فضّلوا تغييب ضمائرهم وحبس ألسنتهم وتحجير حناجرهم، هؤلاء جزء من المشكلة المعقّدة في كلّ محنة تُصيب أيّ أمّة من الأمم؛ لأنّ الضمير حينما يخرس تخرس معه كلّ أجزاء الإنسان، وتضيع معه أغلب الحقوق الإنسانيّة!

لا شكّ أنّ لكلّ إنسان حرّ وطليق موقف ممّا يدور حوله من قضايا سياسيّة واجتماعيّة وإنسانيّة، ولا يمكن تصوّر عدم وجود موقف ما للإنسان الحرّ، وبالذات أولئك الذين يحملون هموم المجتمع، وفي مقدّمتهم غالبيّة المثقّفين والصحفيين والإعلاميّين، وغيرهم من الكفاءات العلميّة والمهنيّة والمجتمعيّة.

إنّ الإنسان الحرّ يَصمت حينما يَموت، ويُرفع عنه حينها القلم، أمّا الأحياء فهم جزء من حركة الكون، فإن لم يتكلّموا فما هو دورهم في الحياة إذن؟

اليوم، هنالك ظاهرة مُخيفة لدى نسبة ليست قليلة من "النخب الدينيّة والفكريّة والمجتمعيّة العراقيّة"؛ تتمثّل بهجران الكلام بقضايا المجتمع؛ بحجّة أنّ الأمور سيّئة، وأنّ الإصلاح ليس سهلا!

الحقيقة أنّ جزءا من وجهة نظرهم صحيحة، لكنّ الأصحّ والأدق أنّ صمتهم وسكوتهم آثاره وضرره أشدّ وأقسى على مستقبل القضيّة العراقيّة، وقد لاحظنا أنّ هذه الظاهرة موجودة بشكل واضح لدى نسبة غير قليلة من "سُنّة العراق" أكثر من غيرهم.

إنّ الصمت السلبيّ والصخريّ جزء من أسباب انتشار ظاهرة تمييع الحقوق، وقضم المدن، ونشر الخراب!
لاحظنا أنّ وجهاء محافظة صلاح الدين قد صرخوا يوم الأحد الماضي، في أثناء تشييع المغدورين الذين قضوا على يد القوى الشرّيرة، وهتفوا ضدّ المليشيات الإجراميّة

ويبقى للأحرار في العراق كلمتهم المدوّية، رغم كلّ المخاطر والتحدّيات التي تبثّها القوى الإرهابيّة. وقد لاحظنا أنّ وجهاء محافظة صلاح الدين قد صرخوا يوم الأحد الماضي، في أثناء تشييع المغدورين، الذين قضوا على يد القوى الشرّيرة، وهتفوا ضدّ المليشيات الإجراميّة، وشخّصوا دورها التخريبيّ ومخطّطاتها الاستراتيجيّة الحاقدة في سامرّاء (125 كلم شمال بغداد)، وغيرها.

الحقيقة أنّ الغاية من بقاء المليشيات في عموم صلاح الدين، وفي سامرّاء خصوصا، رغم وجود قيادة عمليّات تابعة لوزارة الدفاع، ووجود المحافظ الذي يعدّ المسؤول الأمنيّ الأوّل في المحافظة، أقول؛ إنّ الغاية هي السعي لترتيب "محافظة سامرّاء المقدّسة"، التي يراد لها أن تضمّ عدّة أقضية ونواحٍ.

وهذا المخطّط قديم، وربّما، هم يُسابقون الزمن لنشر الخوف لتثبيت التغيير الديموغرافيّ. وقد سبق أن أُثير موضوع تحويلها لـ"محافظة مقدّسة" بداية العام 2019، إلا أنّ ردود الفعل الشعبيّة المناهضة لفكرة المشروع، جعلت الذي أطلقوا بالون الاختبار يذهبون لفكرة التغيير الديموغرافيّ التدريجيّ، كنوع من الاستيطان الجديد في المحافظة!
المخطّط قديم، وربّما، هم يُسابقون الزمن لنشر الخوف لتثبيت التغيير الديموغرافيّ. وقد سبق أن أُثير موضوع تحويلها لـ"محافظة مقدّسة" بداية العام 2019، إلا أنّ ردود الفعل الشعبيّة المناهضة لفكرة المشروع جعلت الذي أطلقوا بالون الاختبار يذهبون لفكرة التغيير الديموغرافيّ التدريجيّ.

وأكبر دليل على أنّ المحافظة مُسَيْطَر عليها من قوى خارجيّة؛ ما ذكره محافظ صلاح الدين عمار جبر يوم الاثنين الماضي، حيث أكّد أنّه القائد العامّ للقوّات المسلّحة في المحافظة، ومع ذلك لا يدخل المناطق التي يسيطر عليها الحشد الشعبيّ إلا بموافقات "حشديّة" مُسبقة! وهذا أكبر دليل على تنمّرها وتغولها في المحافظة، وأنّها فوق القانون!

فأين السلطات المركزيّة والمحليّة والتشريعيّة ووزارة الدفاع من هذا الخلل المدمّر لبنية الدولة والمجتمع؟

هذه المخطّطات التدميريّة بدأت ثمارها الخبيثة تطفو فوق الأرض، ويوم الثلاثاء الماضي تحدثت بعض الأنباء عن نزوح جديد لعوائل البودور في صلاح الدين؛ وذلك بعد انتهاء مجلس العزاء لضحايا المجزرة وعدم تنفيذ مطالبهم بتغيير قوّات الحشد الشعبيّ المسيطرة على مناطقهم!

وسبق لشيخ عشيرة البو عيسى، شعلان الكريم، أن صرح بنية الأهالي النزوح بعد مرور يوم على الجريمة؛ وبهذا تكون المؤامرة قد استكملت أركانها، وحقّقت أهدافها الخبيثة!

إنّ الصامتين يُساهمون بطريقة مباشرة في نشر الخراب، ومن هنا ينبغي مساندة موقف وجهاء سامرّاء الذين طالبوا بإخراج الحشود المسلّحة من المدينة، وتسليم الملفّ الأمنيّ لقيادة العمليّات، وإلا، فإنّ الموصل وديالى والأنبار ستسحقها القوّات الشرّيرة، وحينها سنكون جميعا ضحايا الصمت الشعبيّ. ولا أظن أنّ الندم سينفع، والأمور ستتعقّد، ولا يمكن إصلاحها بسهولة.
ينبغي مساندة موقف وجهاء سامرّاء الذين طالبوا بإخراج الحشود المسلّحة من المدينة، وتسليم الملفّ الأمنيّ لقيادة العمليّات، وإلا فإنّ الموصل وديالى والأنبار ستسحقها القوّات الشرّيرة

الرجال الذين لا يملكون موقفا ممّا يدور حولهم، عليهم إعادة النظر في مبادئهم وتفكيرهم؛ لأنّ هذه ظاهرة خطيرة تؤكّد جملة من المشاكل الفكريّة والإنسانيّة، وربّما الدينيّة والعقائديّة.

الرجال الأُصَلاء يبنون الوطن، والصامتون يُساهمون في الخراب؛ لأنّهم أنانيّون وخائفون ومرعوبون، وينبغي عليهم الكفّ عن المغالطات المنطقيّة، وأن يتفهّموا الواقع، ويفتخروا بحمل نتائج المواقف النبيلة دون تردّد أو خوف، وهذا السبيل هو الضمانة الكبرى لإنهاء الواقع السيئ المخيف.

لنعلن رفضنا لقوى الخراب والشرّ قبل أن تسحقنا جميعا، وساعتها سيحرقون الأخضر واليابس!

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (0)