قضايا وآراء

الإدانة الدولية لنظام السيسي هل تترجم إلى أفعال؟

قطب العربي
1300x600
1300x600
البيان المشترك الذي أصدرته 31 دولة ديمقراطية، على رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واسبانيا وإيطاليا، يوم الجمعة (12 آذار/ مارس) لإدانة انتهاكات نظام السيسي لحقوق الإنسان في مصر؛ هو الأقوى من نوعه منذ سبع سنوات عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وقد سبقه بيان من 26 دولة في العام 2014 مندد بمذبحة رابعة العدوية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين.

البيان الجديد جاء حافلا بالعديد من أوجه الانتهاكات في مصر، على رأسها استخدام قوانين الإرهاب لمصادرة الحريات العامة وحقوق الإنسان، وحث مصر على وضع حد لاستخدام تُهم الإرهاب لاحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في الحبس الاحتياطي المطول، و"إعادة تدوير" بعض المحبوسين على قضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء الحد القانوني للاحتجاز السابق (تصاعدت مؤخرا ظاهرة التدوير، أي إعادة حبس شخص بتهم جديدة عقب انتهاء فترة حبسه من تهم سابقة وقبل أن يخرج من الحبس أو قبل أن يصل إلى بيته، والهدف هو استمرار حبس النشطاء والمعارضين لأطول فترة ممكنة بدون محاكمة قضائية).
البيان الجديد جاء حافلا بالعديد من أوجه الانتهاكات في مصر، على رأسها استخدام قوانين الإرهاب لمصادرة الحريات العامة وحقوق الإنسان، وحث مصر على وضع حد لاستخدام تُهم الإرهاب لاحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في الحبس الاحتياطي المطول

البيان صدر أيضا غداة صدور حكم نهائي من محكمة النقض بتأييد إدراج 1527 مصريا على قوائم الإرهاب، يتصدرهم اللاعب الدولي السابق محمد أبو تريكة وعدد كبير من الشخصيات السياسية والإعلامية والاقتصادية (كاتب هذه السطور واحد منهم)، وهي ليست القائمة الوحيدة بل تبتعها العديد من القوائم التي ضمت حتى الآن أكثر من سبعة آلاف مصري وفقا لبيان صادر من اتحاد القوى الوطنية المصرية. وقد تنبهت الدول الـ31 المصدرة للبيان الجديد إلى هذا الانتهاك الواضح فطالبت مصر بالتوقف عن استخدام قائمة الكيانات الإرهابية لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقهم في حرية التعبير، كما دعت إلى رفع حظر السفر وتجميد الأصول للنشطاء المدرجين في تلك القوائم.

تضمن البيان أيضا العديد من صور القمع والانتهاكات الأخرى، مثل القيود المفروضة على رؤية المحامين للأدلة والاتصال بموكليهم، وظاهرة إفلات المسئولين عن الانتهاكات من العقاب، والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع السلمي، والقيود المفروضة على المعارضة السياسية والمجتمع المدني، وتطبيق قوانين الإرهاب على المعارضين السياسيين، والقيود المفروضة على حرية الإعلام والحرية الرقمية وحجب المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام المستقلة، والصحفيين المحبوسين.

قد يتساءل البعض: لماذا وقعت على البيان 31 دولة فقط ولم توقع باقي الدول؟ ولماذا لا توجد من بين الدول الموقعة أية دولة عربية أو إسلامية أو أفريقية أو آسيوية؟ بل شطح الخيال ببعضهم للقول إن عدم توقيع كل من تركيا وقطر هو رسالة إيجابية تجاه القاهرة في إطار أجواء المصالحة الجارية حاليا.

والحقيقة أن البيان لم يكن مطروحا للتصويت من الدول الأعضاء، بل هو نتيجة تحرك حقوقي شمل فقط الدول الداعمة للحريات عالميا، وأمكن للمنظمات التي قادت ذلك التحرك الوصول إلى هذا العدد من الدول، ولم تهتم بالتواصل مع غيرها من الدول المعروفة بسجلاتها السيئة في مجال حقوق الإنسان، أو غير القادرة على اتخاذ مواقف ضد النظام المصري نتيجة ارتباطات سياسية أو تجارية تخشى عليها. ولذا فقد أثار رد الفعل المصري سخرية المتابعين لتهديده تلك الدول بفضح انتهاكاتها لحقوق الإنسان أيضا، أو ادعاء بعض أذرع النظام أن الانتهاكات جزء من ثقافة عامة في المنطقة!!

ووفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة فإن مجلس حقوق الإنسان التابع لها لا يضم جميع دول العالم، بل يضم 47 دولة فقط تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاقتراع المباشر والسري لمدة ثلاث سنوات. وتستند عضوية المجلس إلى التوزيع الجغرافي العادل (الدول الأفريقية: 13 مقعداً، والدول الآسيوية: 13 مقعداً، ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: 8 مقاعد، ودول أوروبا الغربية ودول أخرى: 7 مقاعد، ودول أوروبا الشرقية: 6 مقاعد).
جهد حقوقي تكلل بالنجاح قادته 100 منظمة حقوقية دولية بينها بعض المنظمات المصرية (كانت هي البادئة بالتحرك)

جهد حقوقي تكلل بالنجاح قادته 100 منظمة حقوقية دولية بينها بعض المنظمات المصرية (كانت هي البادئة بالتحرك)، وقد أصدرت تلك المنظمات يوم 10 شباط/ فبراير شباط الماضي بيانا دعت فيه الأمم المتحدة لوضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان في مصر. وقد استغرق هذا الجهد شهرا في التواصل المكثف مع بعثات الدول الديمقراطية الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، ثم انضمت له بعض الدول الأكثر حماسا للحقوق والحريات؛ على رأسها فنلندا التي تلت سفيرتها في الأمم المتحدة كيرستي كوبي نص البيان يوم الجمعة الماضي.

لم يكن هذا البيان الأول من نوعه وإن كان الأقوى حتى الآن، فقد سبقه بيان وقعته 26 دولة في 2014 تنديدا بمجزرتي رابعة والنهضة، كما صدرت عدة تقارير وبيانات أخرى من لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ومن المقررين الخواص للقتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري وحرية التعبير.. الخ، ولكن ظلت هذه البيانات محض حبر على ورق طيلة الفترة الماضية، ومحض بيانات إدانة شفهية لم تترجم إلى إجراءات عملية.

تبقى ترجمة هذه البيانات النظرية القوية إلى إجراءات عملية لغل يد كل من يشارك في الانتهاكات صغيرا كان أو كبيرا هي الخطوة العملية المطلوبة الآن، ونتذكر في هذا السياق قرار البرلمان الأوربي بشأن حقوق الإنسان في مصر والذي صدر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020، وقد تضمن ذلك القرار 19 بندا، أبرزها الدعوة إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، كما دعا لاتخاذ تدابير تقييدية ضد المسؤولين المصريين رفيعي المستوى المتورطين في انتهاكات خطرة، وذلك وفقا لقانون ماغنيتسكي، وهذا يعني أن هناك قبولا دوليا متصاعدا لفكرة استحداث آلية في الأمم المتحدة لمراقبة وضع حقوق الإنسان في مصر، ومعاقبة المسئولين المتهمين بارتكاب انتهاكات، لكن الأمر يحتاج جهدا حقوقيا كبيرا لإقناع مجلس حقوق الإنسان بهذه الخطوة.

الترحيب ببيان الدول الرافضة لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ومن قبله بقرار البرلمان الأوروبي أو القرارات والتوصيات الأخرى الصادرة من هيئات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الحقوقية الدولية؛ ليس استدعاء أو قبولا للتدخل الأجنبي في مصر كما يروج إعلام النظام المصري، بل الصحيح أن النظام الحاكم نفسه هو الذي يستمد وجوده من الدعم الدولي، وهو الذي سعى بقوة لتحصيل هذا الدعم، وساعده في ذلك رعاته الإقليميون مثل الكيان الصهيوني والإمارات والمملكة السعودية. كما أن تلك الإدانات ليست لمصر كدولة، ولكنها تنصب على ممارسات نظام استبدادي لا يعير اهتماما لصرخات شعبه، بل إنه يقمع هذه الصرخات، وبالتالي فحينما تتحرك منظمات حقوقية مصرية مستخدمة آليات الأمم المتحدة التي تتمتع مصر بعضويتها فإن هذا التحرك مشروع، بل لا يوجد في يد المستضعفين في مصر وسيلة غيره لإنقاذ أنفسهم.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)