كتاب عربي 21

"منتدى الصداقة" لمواجهة تركيا

علي باكير
1300x600
1300x600

شارك وزراء خارجية كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين إلى جانب اليونان وقبرص وفرنسا، في اجتماع عقد في العاصمة اليونانية أثينا يوم الخميس الماضي. وناقش الاجتماع الذي حمل شعار "منتدى الصداقة"، مواضيع متعدّدة من بينها تعزيز التعان في مجال الطاقة وتحقيق الأمن، مشيراً إلى أنّ هدف المنتدى "بناء الصداقة والسلام والازدهار في المنطقة". 

ولا تتّفق هذه الشعارات الكبيرة مع طبيعة ودور الدول المشاركة في الاجتماع فضلاً عن هدفه الحقيقي. إذ من الواضح أنّ التجمّع يهدف إلى تمتين التحالف القائم بين هذه البلدان دون دور ومصالح تركيا في المنطقة. فالحديث عن تعاون إقليمي في مجال الطاقة لا يستقيم مع استبعاد أكبر مستهلك ومستورد للطاقة في المنطقة. 

تمتلك تركيا اليوم أعلى معدّل لازدياد الطلب على الطاقة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فضلاً عن ذلك، فهي تعتبر بفضل موقعها الجيو-استراتيجي وبنيتها التحتيّة بمثابة المحطّة الرئيسية في المنطقة بين الدول المنتجة للطاقة والمصدّرة لها. ولذلك، فإن من الصعب تبرير استبعاد الجانب التركي عن مثل هذا الاجتماع إذا كان الهدف فعلاً مناقشة أمور تتعلّق بالطاقة.  

أمّا في ما يتعلق بأمن المنطقة، فمن غير المفهوم كيف بإمكان هذا التجمع أن يلعب دوراً إيجابياً في أيّ منها من خلال محاولة الضغط على أنقرة أو عزلها وهي التي لعبت ولا تزال تلعب الدور الأهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة في سوريا وفي ليبيا وفي أذربيجان والخليج العربي والقرن الإفريقي. من الصعب أيضاً ربط الحديث عن الأمن والاستقرار بمجموعة من الدول التي خلقت الأزمة الخليجية عام ٢٠١٧ وفرضت حصاراً على دولة قطر، وحاولت عزل تركيا من خلال إنشاء منتدى غاز المتوسط عام ٢٠١٩، وأخيراً دعمت انقلابا عسكرياً لحفتر في ليبيا.

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ باريس منزعجة من دور تركيا المتصاعد في أفريقيا على إعتبار أنّها تعتبر الدول الأفريقية بمثابة حديثة خلفيّة لها. أمّا اليونان، فلا تريد هي الأخرى خوض مفاوضات جدّية لأنّ التوصل الى حلول مع أنقرة من شأنه ان يسلب منها لقب الطفل المدلّل وأن يحرمها من إمتيازات ومن دعم أوروبي لا محدود.

 


من الجلي أنّ ما يجمع هذه الدول هو عداؤها لتركيا وأجندة الإسلاموفوبيا التي تتبّناها وتقودها. وعدا عن ذلك، فهي أنظمة غير ديمقراطية، لا تمثيل شعبيا لها، ضعيفة، وتخشى أنّ التراجع الأمريكي على المستوى الدولي وتركيز واشنطن على ما يجري في شرق آسيا عوضاً عن منطقة الشرق الأوسط سيجعل هذه الدول دولاً هامشية وغير ذات تأثير يُذكر. وبالتالي، تتّجه هذه الدول إلى البحث عن مظلّة أمنيّة تحميها، ويبدو أنّها وجدت في فرنسا ضالّتها.

فرنسا تحاول مؤخراً أن تقدّم نفسها هي الأخرى كدولة كبرى قادرة على سد ثغرة التراجع الأمريكي وضمان حماية هذه الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. وذلك، ليس من قبيل المصادفة أن نجد انّ ثلاثة من هذه الدول التي شاركت في الاجتماع تتصدر قائمة أكبر مستوردي السلاح من فرنسا، وهي قائمة من المتوقع لها أن تتوسّع مع انضمام اليونان إليها مؤخراً من خلال الصفقات العسكرية التي عقدتها معها.  

الموقف الأيديولوجي أيضاً لهذه الدول ينسجم بشكل كبير مع موقف فرنسا التي تقود حملة معادية للدين تحت شعارات أخرى داخل وخارج فرنسا. وممّا لا شكّ فيه أنّ باريس منزعجة من دور تركيا المتصاعد في أفريقيا على اعتبار أنّها تعتبر الدول الأفريقية بمثابة حديقة خلفيّة لها. أمّا اليونان، فلا تريد هي الأخرى خوض مفاوضات جدّية لأنّ التوصل إلى حلول مع أنقرة من شأنه أن يسلب منها لقب الطفل المدلّل وأن يحرمها من امتيازات ومن دعم أوروبي لامحدود. ولذلك، فهي تفضّل هي الأخرى التعاون مع دول لديها أجندة مشتركة ضد تركيا. 

أمّا الدول العربية المشاركة، فإنها اصطدمت بحائط أنقرة المنيع في الأزمة الخليجية، وفي سوريا، وفي ليبيا، وفي الصومال، وتريد الانتقام من الدور التركي من خلال الاستعانة بمن هو قادر على القيام بهذا الدور تحت مظلّة أو شعار الصداقة وتحقيق الأمن والاستقرار. لقد خاض هذا التجمّع حتى الآن مواجهتين على الأقل لعزل تركيا وتقويض دورها الإقليمي، وخسرهما. 

المواجهة الأوّلى عند إنشاء منتدى الغاز في العام ٢٠١٩، وقد أدّى ذلك إلى ردّة فعل دفعت أنقرة إلى توسيع دورها في شرق المتوسط وإلى توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا. أمّا المواجهة الثانية، فقد برزت في ليبيا، وقد أدّت إلى توسيع دور تركيا في ليبيا وإلى انهزام هذا المحور. 

خلاصة القول، إنّه وبغض النظر عن الشعارات التي يحملها هذا المحور، فقد فشل حتى الآن في هدفه الأساسي، ومن غير المتوقع أن يحقق غير الفشل.


التعليقات (2)
محلل سياسي متواضع
الأحد، 14-02-2021 11:55 ص
"منتدى الصداقة" !! يا له من عنوان كذاب لتجمع بائس بين دولة -تسير في فلك غيرها و تم تعيين رئيسها من خارج بلاده- و بين دويلات - لا يملك المتحكمون فيها من أمرهم شيئاً و تدار بلدانهم من سفارات لدولة كبرى تتدخل في تفاصيل التفاصيل- ، ثم هل يظن عاقل أنه تكون صداقة بين ذئب جائع و أغنام وديعة ؟ و هل تكون صداقة بين أناس عديمي الوفاء ؟ . هؤلاء جميعاً ، من دون استثناء، رهن إشارة من فرعون العالم الحالي و هو من يقول لهم "اجتمعوا " أو "لا تجتمعوا" فيكون جوابهم "سمعنا و أطعنا" . بالتالي نحن أمام أصفار . في عالم الرياضيات ، صفر + ستة أصفار = صفر . مع ذلك، يوضع مثل هذا الخبر في الذاكرة ، و سنتابع لنرى ما هي "إنجازاتهم" .
الكاتب المقدام
الأحد، 14-02-2021 01:58 ص
*** تواجه أوروبا منعطفاً تاريخياُ هاماُ، فالقارة العجوز تضمحل حقيقة لا مجازاُ، فشعوبها تتناقص فعلياُ وتشيخ، فمعدل المواليد المتناقص لا يغطي الوفيات، والتركيبة السكانية تميل بشدة جهة كبار السن والمتقاعدين، والزيادات السكانية الحقيقية من الشباب تحدث من المهاجرين، وكثيراُ منهم من تركيا وشمال افريقيا المسلمتين، كما أن تفسخ الاتحاد الأوروبي بات حقيقة، بعد انفصال المملكة المتحدة، ولذلك فأوروبا تواجه تحد مصيري غير مسبوق في تاريخها الطويل، ففي الوقت الذي تضمحل فيه قيم الأسرة الأوروبية على حساب شيوع الإباحية والشذوذ والغرق في الترفيه المريض، وما يصاحبهم من الانتشار الوبائي للأمراض الجنسية التناسلية، والتي تؤدي بدورها لارتفاع معدلات الانتحار والإدمان بين شبابها، في الوقت الذي ينفض فيه الاوروبيون عن الكنيسة ودورها الاجتماعي، بعد تفجر قضايا اغتصاب القسس الكاثوليك للأطفال في الكنائس، وصدمة المجتمع الأوروبي بمدى شيوع تلك الجرائم الأخلاقية، وتكشف ضلوع قيادات الكنيسة الكاثوليكية في التغطية على تلك الجرائم، بالإضافة إلى تكشف قضايا فساد وتبييض أموال من خلال البنوك والمؤسسات المالية للفاتيكان، فمكانة الكنيسة الكاثوليكية قد أصبحت على المحك، وكذلك الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان وصربيا، التي تورطت في جعل أديرتها ملاذاً آمناً لإخفاء مجرمي الحرب الصرب المطلوبين للمحاكمات الدولية، بعد دورها المشبوه في التحريض على جرائم ضد الإنسانية في حرب البلقان ضد الكروات الكاثوليك ومسلمي البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن العشرين، ولذلك فقد بات التخوف من انتشار الإسلام في القارة العجوز هاجساُ يؤرق الأحزاب والتيارات العنصرية الإرهابية المتزايدة في اوروبا، وذلك يفسر المواقف المتطرفة لسياسييها ضد تركيا والعرب والمسلمين، كما يفسر تهجم ماكرون على المسلمين، الذي اغتصبته مدرسته وزوجته الحالية، وكانت زوجة وأم تجاوزت الأربعين من عمرها، وهو صبي في مدرسة الجيزويت الكاتوليكية التي تربي فيها، فلن يرضى عنا ماكرون وأمثاله حتى نتبع ملتهم.