كتاب عربي 21

من يملأ فراغ الإخوان؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

سؤال يبدو وجيها بالنسبة للبعض، وقد لا يكون كذلك بالنسبة لبعض الأنظمة الدكتاتورية التي تعتقد أن بوسعها عبر سياسة الحديد والنار، والقبضة الأمنية الشرسة أن تحاصر المجتمع وتركّعه بالكامل.


الأنظمة لا تريد معارضة. هذه هي الحقيقة، والأيديولوجيا لا أهمية لها في السياق، فأنت عدو ما دمت تعارض وتنتقد. وأنت عدو ما دمت تطالب بتعددية حقيقية، ومشاركة شعبية في السلطة والثروة. 


الأيديولوجيا ليست مهمة، إذ يمكن أن يكون المعارض المستهدف إسلاميا أو يساريا أو علمانيا. ويمكن أن يكون جزءا من حزب أو جماعة، أو مجرد فرد، أو حتى مجموعة نخب يوقّعون عريضة تطالب بالإصلاح. ألا يعرف أي مشتغل بالسياسة عشرات أو مئات ممن يقبعون في السجون راهنا، ممن لا ذنب لهم سوى توقيع عريضة تطالب بالإصلاح؟!


سنردد كلاما يشبه الشعر إذا قلنا إنه ليس بوسع الأنظمة سحق المعارضات؛ أيا تكون أيديولوجيتها، بما في ذلك الجماعات الإسلامية، مثل الإخوان على سبيل المثال. والسحق هنا هو الذي يحمل المعنى الأمني، بمعنى أن يكون بوسع هذا النظام أو ذاك، أو يزرع الخوف في المجتمع ويطارد الجماعة أو الحزب الذي نافسه على قلوب الناس، ويسحقه لسنوات، وربما لأكثر من ذلك. كما يشمل ذلك تحقيق الانتصار على مجموعة حملت السلاح ضده (ضد النظام).


هذا الأمر يعتمد على عوامل عديدة، وليس على مجرد قرار من قبل هذا النظام أو ذاك.


هناك تأتي فكرة ميزان القوى التي يفهمها البعض كما لو كانت متعلقة بالحروب وحدها، فيما هي تتعلق بكل الصراعات الإنسانية، ومن ضمنها الصراع السياسي؛ فضلا عن العسكري.


قدرة هذا النظام أو ذاك على سحق معارضته تعتمد على عوامل خارجية وداخلية، وما إذا كانت تلك العناصر تصبّ في صالحه أم في صالح خصومه.

 

 

السحق الأمني، أو ما دونه لا يعني نهاية الجماعات السياسية ذات الأيديولوجيا وسعة الانتشار والجذور الاجتماعية

 


النظام حين يكون شابا وقويا ومتماسكا على صعيد دولته العميقة، يختلف عن النظام الشائخ الذي تنخره الصراعات. والنظام حين يحظى بظهير إقليمي ودولي يختلف عما إذا لم يكن كذلك. والنظام حين تكون معارضته قوية جدا، يختلف عما إذا كانت معارضته ضعيفة أو عاجزة على صعيد الحشد وإدارة معركتها السياسية. والكلام فيه كثير من التفصيل.


النتيجة أن قدرة أي نظام على السحق الأمني لا تتعلق فقط بشعبية معارضته، بل بجملة عناصر أخرى، ومن ضمنها مجمل موازين القوى، وإدارة المعركة برمتها. ونتذكر هنا مثلا حالة الإسلاميين في الجزائر مطلع التسعينات، ثم تجربة الربيع العربي، بخاصة في مصر وسوريا، ثم الجولة الثانية منه في الجزائر والسودان.


غير أن السحق الأمني، أو ما دونه لا يعني نهاية الجماعات السياسية ذات الأيديولوجيا وسعة الانتشار والجذور الاجتماعية، والسبب أن قوة تلك الجماعات لا تقاس بعدد أفرادها، بل بظهيرها الشعبي، أو حاضنتها الشعبية، والدليل أنه ما إن تتغير الظروف أو يُسمح للناس بالتنفس والاختيار، حتى تتصدر تلك الجماعات الانتخابات.


بوسعنا أنت نتذكر مثلا حالة "النهضة" في تونس بعد الثورة، وهي التي كانت مسحوقة أمنيا قبل ذلك، ثم حالة إخوان مصر في أكثر من محطة.


أما الأهم، فيتمثل في أن محاولات بعض الأنظمة صناعة جماعات أو أحزاب تأخذ مكان الإسلاميين، قد باءت بالفشل، لأنها تمثيلية لا تنطلي على الناس. وحتى حين حدث ذلك بشكل عادي، لم تسجل تلك التيارات ذات الحضور الذي كان للإسلاميين، والسبب بالطبع هو وجود صحوة دينية، ولو كانت هناك ظروف مختلفة، وعبّرت تلك التيارات الجديدة عن ضمير الجماهير، فإن إمكانية تحقيقها لبعض النجاح واردة.


العام الماضي؛ قال قيادي فيما يعرف بـ"الحركة المدنية الديمقراطية" في مصر إن أحزاب وشخصيات الحركة فشلت تماما في ملء الفراغ السياسي والانتخابي الذي خلّفته جماعة الإخوان المسلمين بعد إقصائها من المشهد السياسي.

 

هستيريا "الثورة المضادة" بمطاردة ما يسمى "الإسلام السياسي" ستنتهي إلى الخيبة


علقت على ذلك في حينه بتغريدة في تويتر قائلا: "السياسة ليست سوقا للدجاج. تغيب شركة توريد، فتملأ الفراغ شركة أخرى".


وفي الأردن، حين أعطي ترخيص جماعة الإخوان لمجموعة خارجة عنها، كانت النتيجة هي عجز المجموعة الجديدة عن تحقيق حضور ذي قيمة، وبقيت الأصيلة هي الأكثر حضورا في مختلف الجولات الانتخابية الطلابية والنقابية والنيابية.


نفتح قوسا كي نشير إلى أنه يحدث أن تؤدي مطاردة جماعة سلمية، إلى حلول أخرى مكانها من ذات الأيديولوجيا، ولكن بعمل مسلح، ولكن النتيجة هي الوصول إلى طريق مسدود في أغلب الأحيان.


هكذا تحافظ الجماعات السياسية ذات الجذور الأيديولوجية على حضورها الشعبي، ما بقيت أفكارها سائدة، وما بقيت قضيتها الجوهرية حاضرة، حتى لو تم ضربها أمنيا، ما يعني أن هستيريا "الثورة المضادة" بمطاردة ما يسمى "الإسلام السياسي" ستنتهي إلى الخيبة، ليس فقط لأن جذوره حاضرة في وعي الناس ويمكن أن تتجدد وحسب، بل لأن المطالب التي عبّر عنها في الربيع العربي، ممثلة في الحرية والتعددية والعدالة الاجتماعية ورفض الفساد، مع نصرة قضايا الأمة الكبرى، ما زالت باقية، بل تزداد إلحاحا في ظل التراجعات الاقتصادية، بجانب الفشل الخارجي.

5
التعليقات (5)
امازيغي
الأحد، 14-02-2021 06:25 ص
من يملأ فراغ الإخوان؟ الجواب سهل وبسيط :من يملأ الفراغ هم : المدخلية الجامية والمتصهينين العرب والشواذ والمثليين والاعراب القوادين والليبراليين وحتى الكلاب يتفقون مع هؤلاء الكلاب
الكاتب المقدام
الأحد، 14-02-2021 12:16 ص
*** يخلط الكاتب بين مفهومي المقاومة والمعارضة، فكما أنه لا يصح الخلط بين مفهومي المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني، والمعارضة الفلسطينية، التي يصح إطلاقها على العرب الأعضاء في الأحزاب الإسرائيلية من فلسطينيوا الداخل في الأراضي المحتلة عام 1948، والذين تم استيعابهم داخل المنظومة الصهيونية، ويصل بعضهم إلى عضوية الكنيست ليمثلوا دور معارضة سياسات حكومتها من داخل النظام الصهيوني، وكذلك لا يجب الخلط بين مقاومة الأنظمة الاستبدادية والانقلابية الحاكمة في الدول العربية، وهي المقاومة التي لا تعترف بشرعية تلك الأنظمة، وبين المعارضة المصطنعة من أجل إضفاء طابع ديمقراطي خادع على تلك الانظمة الاستبدادية لتجميل وجهها الإجرامي القبيح، فتلك المعارضة المصطنعة متماهية مع تلك الأنظمة المستبدة ومنبطحة أمامها، ومشاركون معها في خداع شعوبهم، واستغلالهم لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب مواطنيهم، والتنظيمات الإسلامية الحقيقية لا تكتسب شرعية وجودها من اعتراف الحكومات الاستبدادية بها، ولكن مصداقيتها ومكانتها واستمرارية وجودها مستمدة من مدى تعبيرها عن هوية ومصالح التيار الإسلامي الشعبي الأوسع، الذي يمثل الهوية الأصيلة لغالبية الجماهير العربية، كما أن هناك تنظيمات رسمية مصطنعة تتخذ لها واجهة إسلامية خادعة، وتستخدم لخداع الجماهير، من أجل إضفاء شرعية مزورة على الأنظمة الاستبدادية، ولن تتقدم البلاد العربية إلا باستخدام وتطوير كل وسائل القوة المتاحة والممكنة والمناسبة لمواجهة إجرام تلك الأنظمة وعمالتها مع داعميها في الخارج والداخل، وهو حق مكفول للدفاع الشرعي عن الأنفس والأوطان، والله أعلم.
عبدالله المصري
السبت، 13-02-2021 08:02 م
الاخوان بعبرون عن كل مسلم يريد ان يخرج الاسلام من المساجد و بطون الكتب لذلك جميع اعداء الاسلام ضدهم لان الأعداء يريدون حبس الاسلام في المساجد و الكتب لذلك سيظل المضمون قائم سوات تحت اسم الاخوان او غيرهم و لكن الدرس الذي تعلمه الاخوان و غيرهم ان لا يثقوا في العلمانية او العسكر ثم لابد أن تكون هناك حماية تمنع خونة العسكر امثال السيسي من اعادة الكرة
ماجد
السبت، 13-02-2021 02:18 م
مقال وتحليل راءع
علي
السبت، 13-02-2021 11:50 ص
كل ما يدعو الى حرية التعبير فهو عدو.