قضايا وآراء

هل ينزل عباس والفصائل العتيدة عن الشجرة؟

ربحي حلوم
1300x600
1300x600

تتسارع الأحداث والتطورات المتعلقة بالشأن الفلسطيني والمتصلة بالآمال المعلقة على محاولات وقف التردي، الذي آلت إليه مخرجات أوسلو ونهجها الكارثي عبر الاتصالات الحثيثة الجارية بشأن الانتخابات الفلسطينة المتداول الحديث حولها، تحت شعار إعادة ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني الداخلي وما يعتوره من نهج ردة خطيرة، حملتها آلية اتفاقية أوسلو الكارثية ومخرجاتها من جانب، ومن تهميشٍ  لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني المقتلعين من أرضهم ووطنهم والمشتتين في أنحاء المعمورة كافة من جانب آخر، ومن تنسيق أمني مقدس (!) تواصله السلطةُ ورئيسُها وأجهزتُهما الأمنيةُ مع الاحتلال من جانب ثالث، ومن حصار همجي يتقاسم بعض ذوي القربى ـ فلسطينيين وعربا ـ وأكثر من طرف آخر أدوارا في الانخراط في فرضه على مقاومتنا وأهلنا الصامدين في قطاع غزة من جانب آخر.

أضف إلى ذلك محاولات الالتفاف والدوران المبيتة الكامنة وراء ظاهر المراسيم الأخيرة التي أصدرها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وما سبقها من تعديلات قضائية وأخرى انتخابية لها مدلولاتها الخطيرة، التي تجثم على حقل ألغام مريب، يفضي إلى محاولات تمديد وتجديد شرعنة أوسلو، وتثبيت مخرجاتها عبر الاستجابة لشروط الرباعية الدولية؛ طمعا في وعودها القاضية بعقد مؤتمر دولي يُفضي إلى العودة إلى طاولة المفاوضات العبثية برعايتها هي والإدارة الأمريكية الجديدة المنتخبة، في أعقاب لفظ صفقة القرن لأنفاسها الأخيرة مع انكفاء راعيها الأرعن ترامب.

فعلى امتداد الأحد عشر عاما الماضية، يكرر رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية شرعيته تشبثه بنهجه في المراوغة والمناورة والالتفاف على كل المحاولات، التي جرت وتجري لإنهاء حالة التشظي والانقسام في الساحة الفلسطينية، ومحاولات تحقيق الحد الأدنى من الوحدة الوطنية في مواجهة الخطر الوجودي الداهم، الذي استهدف ويستهدف تصفية القضية الفلسطينية وطنا وشعبا، تاريخا ووجودا، عبر صفقة القرن الصهيو أمريكية التي لفظت أنفاسها مع انكفاء عرابها الأرعن ترامب، وأبقت على مخلفاتها وتفرعاتها من مخططات الضم والتهويد والاقتلاع والعزل والاستيطان والتصهين والتطبيع، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الاستحواذ على الأغلبية النسبية في جامعة دولنا العربية الغائبة المغيّبة.

ومنذ العام 2009 الذي انتهت فيه شرعيته، نأى بنفسه عن إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وبعث الحياة في المجلس الوطني ـ المسجى منذ عقود في موت سريري بثلاجة الموتى ـ، عبر إعادة تشكيله عن طريق الانتخابات الديمقراطية الحرة لكل أطياف شعبه في الداخل بأجنحته الثلاث، وفي الخارج في كل أنحاء الشتات على السواء على قاعدتي النسبية والميثاق القومي الفلسطيني، المقر في القدس عام 1964م والمعدل لعام 1968م.

وكان مذ ذاك يملك القدرة على تحقيق خلال دقائق معدودة، فيما لو صدقت نواياه بشأنه، من خلال التزامه بتنفيذ بنود ومخرجات أول لقاء للمصالحة قبل أكثر من أحد عشر عاما، أو من خلال زيارة له لشعبه المعزول والمحاصر في القطاع الصامد، يعلن فيها من هناك ما كان ينبغي عليه أن يعلنه من استحقاقات استراتيجية يعرفها هو أكثر من غيره(!)، بعد تجربته الكارثية في التفاوض العبثي وتنسيقه الأمني مع أثيريه، ودوسه على كل الثوابت الوطنية والقومية في اعترافه بالكيان الغاصب، وإلغائه الميثاق وحربه على المقاومة، واختزاله فلسطين في أقل من ربع مساحتها التاريخية، وتطويبه الطوعي لربع مدينة خليل الرحمن للاحتلال، وإلغائه حق العودة وتهميشه لأكثر من سبعة ملايين من فلسطينيي الخارج المشتتين في ست قارات المعمورة، كأنهم من كوكب آخر.

 

مع تقديرنا لفصائلنا الفلسطينية المجتمعة في القاهرة حول الانتخابات المزمَعَة، فإن تهميشَها لفلسطينيي الخارج المقتلعين من أرضهم والمنتشرين في أنحاء المعمورة كافة، الذين يشكلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، واستثناءَها لهم من المشاركة في صنع القرار المتعلق بمصيرهم وبوطنهم، وتغييبَهم عن لقاءات كهذه، يشكل اصطفافا إلى جانب ما ارتكبه ويرتكبه عباس في اعوجاج المسار منذ أوسلو الكارثية.

 



وما التعديلات الأخيرة التي أدخلها الرجل على قانون الانتخابات إلا دليلا مسبقا على حقيقة نواياه المبيتة لإلغائها وإبطالها، إن لم تأتِ نتائجها على مقاسه وهواه. وإلا فماذا يعني مرسوماه اللذان قضى الأول منهما بإحالة مائة من القضاة على التقاعد المبكر، والثاني بحل المحكمة الدستورية العليا وإعادة تشكيلها على هواه، وإقالة رئيسها وتعيين بديل عنه من مقربيه...؟؟؟ وماذا يعني مرسومه ذو الدلالة السياسية الخطيرة في تعديله لقانون الانتخابات الصادر عام 2007م، القاضي باستبدال عبارتي "السلطة الوطنية" و"رئيس السلطة الوطنية" بعبارتي "دولة فلسطين" و"رئيس دولة فلسطين"، متجاهلا بذلك عن سابق عمد وإصرار أن انتخاب "رئيس فلسطين" يجب أن يتم من قبل الشعب الفلسطيني كله، وليس فقط من قبل فلسطينيي الضفة والقطاع، في معزل عن أكثر من نصف الشعب المقتلعين من أرضهم ووطنهم والمشتتين في أنحاء المعمورة كافة، وهو ذاته يعلم أكثر من غيره أن اتفاق أوسلو الذي وقعه بنفسه، يحصر مسؤوليته في حدود الضفة والقطاع وفق نصوص الاتفاق المذكور، التي تكرر ذكر تأكيدها سبع عشرة مرة.

ورغم الخطر الوجودي الداهم الذي آل إليه هذا النهج الأوسلوي الكارثي، ما زال الرجل يمارس ذات النهج  وأساليب المراوغة والالتفاف حول الباب الدوار ذاته، بدليل ممارساته المتواصلة إياها أعلاه حتى اللحظة .

وعلى صعيد آخر، فها هو يناور ويراوغ في التشبث بنهج أوسلو وبالتنسيق الأمني والالتصاق الدائم بطاولة المفاوضات العبثية والمؤتمرات الدولية؛ اجترارا للوقت وللجهد والتمسك بعدائه للبندقية المقاومة للاحتلال. وفي موضوع الانتخابات، يقدم التشريعية والرئاسية على المجلس الوطني، ويتابع إصراره على مواصلة عزل أهلنا وحصارهم في القطاع المحاصر وفي تصعيد عدائه لهم ولمقاومتهم وصمودهم .

ولهذا؛ سارع إلى استجداء الرباعية الدولية لعقد مجلس الأمن، بهدف العودة لطاولة المفاوضات. وهذا ما يجري بعد استجابة الرباعية الدولية ومجلس الأمن الذي انعقد منذ شهر مضى بضوء أخضر صهيو ـ أمريكي، حتى إذا ما فاز بايدن يرفع بيدق دولة "قن دجاج" الموعودة في ما تبقى من جزر معزولة على أقل من 7.5% من فلسطين التاريخ .
        
فإنه يهدف إلى تجديد وتمديد وشرعنة أوسلو، ولهذه الغاية أطلق بالون الانتخابات كورقة ضغط يرغب استخدامها في استجدائه للرباعية الدولية من أجل عقد مؤتمر دولي يعيده إلى طاولة المفاوضات العبثية مع النتنياهو وهو متوج بشرعية هذه الانتخابات.

ومن أجل ذلك، قدمها كأولوية تتقدم على المطالبات الجماهيرية لكل أطياف الشعب الفلسطيني بأولوية إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، تحت إشراف قيادة جماعية من حكماء شعبنا، تقود المرحلة الانتقالية وأدواتها النضالية، عن طريق الانتخابات الحرة لكل أطياف شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج، على قاعدتي النسبية والميثاق القومي المقر عام 1964م والمعدل عام 1968م وصولا إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وهيكلتها.

ومع تقديرنا لفصائلنا الفلسطينية المجتمعة في القاهرة حول الانتخابات المزمَعَة، فإن تهميشَها لفلسطينيي الخارج المقتلعين من أرضهم والمنتشرين في أنحاء المعمورة كافة، الذين يشكلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، واستثناءَها لهم من المشاركة في صنع القرار المتعلق بمصيرهم وبوطنهم، وتغييبَهم عن لقاءات كهذه، يشكل اصطفافا إلى جانب ما ارتكبه ويرتكبه عباس في اعوجاج المسار منذ أوسلو الكارثية. 

فهل ينزل كل إخوتنا هؤلاء عن الشجرة ويقتربون أكثر من شعبهم في الداخل وفي الخارج على السواء، ومن الاستحقاق الذي يقرِّبهم أكثر إلى التحرير وإلى فلسطين!!

 *دبلوماسي فلسطيني وسفير سابق


التعليقات (0)