قضايا وآراء

القمة الخليجية في العلا.. أبعاد ومآلات إلى أين؟

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
لم تكن القمة الخليجية الحادية والأربعون، المنعقدة في العلا بالسعودية في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2021، حدثا عاديا، ولكن أعتقد أنها كانت أهم من أحداث أخرى سبقتها؛ تتمثل في تطبيع دول عربية مع إسرائيل، وذلك بناء على الأهداف والدوافع لتحقيق هذه المصالحة في هذا التوقيت.

لقد كان السعي الحثيث لانعقاد قمة العلا، والوصول إلى الإطار الإجرائي للمصالحة - الذي يعد المخرج الواضح من توقيع اتفاق العلا حتى الآن - نتيجة أهداف ودوافع مختلفة بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، قد لا يتسع المجال لبيانها جميعا على وجه التفصيل.

أزمة البيت الخليجي

لقد عانى البيت الخليجي لسنوات، وصلت ذروتها بتعقيدات على أصعدة عدة؛ طالت آثارها جوانب مختلفة في دول الخليج، مما استلزم ضرورة البحث عن مخرج من هذا الوضع الغير قابل للاستمرار، والعمل على الوصول لمصالحة شاملة، أو على الأقل الوصول لحد أدنى من التوافق؛ لمواجهة التحديات المحدقة، في ظل معطيات دولية تدفع نحو إيجاد حلحلة للأزمة بين قطر ودول التحالف الرباعي.

أربعون سنة على إنشاء مجلس التعاون الخليجي تكتمل في الخامس والعشرين من أيار/ مايو 2021؛ لم ينجح خلالها البيت الخليجي في تحقيق أدنى مستوى للتضامن الأمني، أو على مستوى ردع الخصوم؛ بل زاد الاعتماد خلالها على الحليف الخارجي، وقد فاقمت الأزمة الأخيرة من العجز الخليجي؛ وازداد الاعتماد أكثر على الخارج، ودفع الجميع - شعوبا وحكومات - أثمانا باهظة.

الأطراف الفاعلة في المصالحة

لقد لعبت أطراف عديدة دورا هاما في الدفع نحو مخرجات قمة العلا الخليجية؛ فكان الدور الكويتي فاعلا في تقريب وجهات النظر، كما أن السعودية كانت الفاعل الأساسي في هذه المصالحة ومثلت دول الحصار، وكانت لديها القدرة على ضبط هذه الدول؛ رغم عدم تنفيذ قطر لأي من الشروط التي حددتها دول الحصار سابقا. وقد جاء ذلك انطلاقا من القناعة بأن هناك تحولات مؤكدة في كثير من المعادلات القائمة، مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي ترامب، ومجيء الرئيس الجديد بايدن وإدارته الديمقراطية، ورغبة السعودية في إرسال رسائل طمأنة للإدارة الأمريكية الجديدة، وتضاف إلى ذلك بالطبع خشية دول الخليج من عودة إدارة بايدن للنظر في الاتفاق النووي مع إيران، والطموح في أن يكون لها مقعد في المفاوضات المباشرة مع إيران.

الوساطة الأمريكية

لقد لعبت الوساطة الأمريكية التي قادها "جاريد كوشنر"، مستشار ترامب وصهره، الدور الرئيسي في توجيه الدفة نحو اتفاق العلا، وسرعة إنجاز المصالحة؛ لتضاف إلى رصيد الرئيس ترامب قبل انتهاء ولايته. ولكن هل كان الهدف حقا هو توحيد الصف الخليجي كما أعلنت الولايات المتحدة لمواجهة الخطر الإيراني؛ وحتى لا تترك قطر للسيطرة الإيرانية؟ أعتقد أن ذلك غير صحيح بالمرة ولا يتفق مع حقيقة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، كما أن العلاقات القطرية الإيرانية لم تكن لتتم لو لم يكن هناك رضا أمريكي.

إضافة إلى ذلك، وتاريخيا، الرؤية الأمريكية ترى الوحدة العربية ضد مصالحها، ومن ثم لا بد من منعها وتفجيرها، غير أن وجود تعاون شكلي ومحدود قد يصب في المصلحة الأمريكية؛ كما هو الحال في منطقة الخليج.

إضافة إلى ذلك، فالسياسة الأمريكية تنتهج مبدأ "توظيف العداوات الإقليمية"، فأي صراع إقليمي يمكن توظيفه لصالح السياسة الأمريكية عبر خلق تحالفات محلية تصب في مصلحة التحركات الأمريكية.

أهداف الوساطة الأمريكية

لذلك أعتقد أن الهدف من الوساطة الأمريكية في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب -الذي تفجرت الأزمة في عهدة وظلت مستعرة طوال فترة حكمه - هو تهيئة الأجواء، وتوفير الأرضية المناسبة ضمن ترتيبات إقليمية في المنطقة؛ تسمح بتوسيع نطاق الحركة الإسرائيلية في الخليج، عبر شراكة استراتيجية تندمج خلالها إسرائيل في تحالف إقليمي؛ يجعل الخطر الإيراني هدفا رئيسيا، ويوفر لها فرصة القيام بدور الضامن الإقليمي لأمن دول الخليج، تحت المظلة الأمريكية. وهذا يحقق النظرية الأمريكية لتحويل الشرق الأوسط إلى قاعدة عسكرية متقدمة، مع ربط المنطقة بوسط أوروبا وبوسط المحيط الهندي من ناحية أخرى.

في 15 كانون الثاني/ يناير 2021 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تغيير في "خطة القيادة الموحدة"؛ حيث تم نقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأمريكية الأوروبية "يوكوم" إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية "سينتكوم". وقد أشار البنتاغون في إعلانه عن مجالات المسؤولية الجديدة إلى "اتفاقيات إبراهام" الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية، باعتبارها فرصة استراتيجية؛ لتوحيد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط.

أبعاد ومآلات المشهد بعد قمة العلا

لقد كان أحد الأسباب الدافعة للمصالحة الخليجية هو خشية دول الخليج عودة الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي، وبعد تنصيب "بايدن" بات واضحا من تصريحاته ووزير خارجيته "أنتوني بلينكن" أن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران مؤكدة.

على جانب آخر وفي خطوة مفاجئة مؤخرا، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها بدأت إجراءات شطب الحوثيين في اليمن من لائحة الإرهاب لأسباب إنسانية، وقد جاء ذلك غداة إعلان الرئيس الأمريكي "بايدن" إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية، التي تقودها السعودية في اليمن، مع التأكيد على الالتزام بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها.

بقراءة سريعة للقرارات الأمريكية الأخيرة التي أعقبت المصالحة الخليجية؛ فإنه من الواضح أن التخوفات التي كانت تتحسب لها المملكة العربية السعودية باتت تتجسد على الأرض، وستعود الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي؛ وهذا يمثل عودة لسياسات أوباما مرة أخرى.

من الواضح أن الإدارة الأمريكية تتراجع تجاه إيران، بل وتحاول أن تعزز موقفها وموقف الحوثيين، وتغازلها على حساب الخليج، مما يؤشر إلى أن هناك مقايضات ستكون على حساب المملكة العربية السعودية والدول الخليجية.

قد يطرح البعض سؤالا مفاده: لماذا وضع بايدن اليمن والحوثيين أولوية رغم الملفات المتفجرة في الداخل الأمريكي؟ أعتقد أن ذلك ليس مستغربا من الإدارة الأمريكية؛ فاليمن عربون تعاون ورسالة واضحة لإيران، والمحدد الرئيس في ذلك هو المصالح الاستراتيجية الأمريكية أولا؛ واستثمار الوضع في تحقيق أهداف السيطرة الأمريكية في نهاية المطاف.

مآلات المشهد

بعد أكثر من شهر على انعقاد قمة العلا الخليجية؛ لم يكن ممكنا الجزم بأن الأزمة التي استمرت قرابة أربع سنوات - وكانت انعكاسا لتباينات في الرؤى السياسية بين قطر ودول الحصار منذ 1996 - قد طويت صفحاتها، وأن نتائج معتبرة يمكن أن تتحقق على المدى القريب والمتوسط تؤكد عودة الأمور لطبيعتها، أو ما يجب أن تكون عليه للحفاظ على اللحمة الخليجية في خضم تجاذبات المصالح الدولية والإقليمية في الخليج والمنطقة؛ غير أن ما ترتب بعد القمة من بعض الإجراءات كوقف الحملات الإعلامية بين الأطراف، وإلغاء القيود المفروضة على العبور الجوي، وفتح المعابر البرية والبحرية، ووقف الإجراءات التي اتخذتها قطر لمقاضاة دول الحصار؛ يمثل خطوات إيجابية على الطريق نحو موائمة سياسية مطلوبة يفرضها الواقع والتاريخ، بل والبراغماتية السياسية.

يبدو من الصعوبة بمكان تقدير مآلات المشهد الخليجي بعد المصالحة، في ظل التباين في عدد من الملفات خاصة في بعض القضايا الإقليمية، ونظرا لما تموج به منطقة الشرق الأوسط من مشكلات عديدة؛ ليس مأمولا على المدى القريب أن تجد طريقها للحل، وكون المنطقة مجالا للصراع والتنافس بين القوى الكبرى لتحقيق مصالحها، وهذا بدوره ينعكس على الأمن والاستقرار عربيا وخليجيا.

الخلاصة

لقد أكدت الأزمة الخليجية، وتطورات المشهد بعد قمة العلا؛ أنه لا سبيل إلا التصالح، وأن هناك حاجة ملحة لتفعيل هيئة حل النزاعات الموجودة في مجلس التعاون الخليجي، وأنه لا بد من وضع آليات لحل النزاعات الخليجية؛ مما يعني ضرورة إيجاد عقد سياسي جديد بين دول الخليج.

تبدو المشكلة في غياب التوافق لمواجهة التحديات الخليجية، لذلك من المهم الوقوف على حد أدنى من التوافق؛ يمكن من خلاله الانطلاق لتحقيق إنجازات كبيرة نحو وحدة خليجية.

إن العواصم الخليجية والعربية المعنية باتفاق العلا مدعوون لدعم المصالحة، والقناعة أنها خطوة ضرورية نحو تحقيق وحدة الخليج، والتأكيد على أنها ليست حلا مؤقتا لمواجهة تخوفات آنية تتمثل في إيران، ما تلبث أن تزول فتعود الأزمة إلى سابق عهدها.

المشهد الحالي وتطوراته بعد اتفاق المصالحة يؤشر إلى أن الدول العربية وفي القلب منها دول الخليج؛ في حاجة إلى مراجعة استراتيجية شاملة، وإعادة النظر في كثير من الملفات والتحالفات، بما فيها التطبيع مع إسرائيل، والعودة إلى المسلمات والثوابت العربية والإسلامية، وإدراك ما يحاك للمنطقة ويراد لها.
التعليقات (1)
هزقوني واتريقوا علي...
الخميس، 11-02-2021 10:44 ص
مفيش فايدة..مافيه فايدة..ماكو فايدة..مكانش فايدة..مفماش فايدة