مدونات

الطبقية من نوع آخر

آلاء فاعور- كاتبة فلسطينية
آلاء فاعور- كاتبة فلسطينية
الانتماء إلى بلدان العالم الثالث، يعني العيش في نظام طبقي مزدهر، فــفي الوقت الذي تخلت فيه الدول المتقدمة عن استراتيجية النظام الطبقي، وصل هذا النظام إلى أوج ازدهاره في بلادنا، حيث تمتاز بلدان العالم الثالث بازدياد معدلات النمو السكاني على حساب انخفاض المستوى المعيشي للفرد، بالإضافة إلى تأخر وعجز في القاعدة الاقتصادية والصناعية والتي لا تتكافأ مع نسبة النمو المتصاعدة، وما له من تبعيات سلبية على مستوى تقدم التنمية البشرية، مما سمح بدوره بانقسام المجتمع لطبقتين أساسيتين: أصحاب النفوذ المالي وعامة الشعب.

فـالطبقة الوسطى والتي تقع في منتصف الهرم الاجتماعي والتي تعتبر أساس وركيزة النمو الاقتصادي همشت بسبب سياسات الدول غير المتزنة، مما أدى إلى زوالها بشكل تدريجي.

فـالنظام الطبقي القديم كان يقوم على أساس هرمي من "رجال الدين والنبلاء والعامة"، أي نظام تراتبي قائم على أسس ومعايير محددة. أما اليوم فـالنظام الطبقي المتبنى يكاد لا يتعدى كونه إمبراطورية من المال مختزلة بيد طبقة معينة، في الوقت الذي تعاني منه باقي أطياف المجتمع الأمرين.

وهذا كان بادرة نمو نظام طبقي استعبادي مبتكر، فـالبرمجة الفكرية المتعلقة بثقافة كسب واستحقاقية المال والنمطية العمياء المسيطرة على عقول وحياة أجيال متعاقبة من الشباب وباعتبارهم "هم" قادة المجتمع الحقيقي، ساهمت في خلق بيئة عمل وإنتاج سلطوية قائمة على أساس قادة ومرؤوسين، فـتحول سوق العمل من كونه ساحة حرة لتداول الأعمال ومن سباق فكري للحصول على الامتيازات، إلى معركة شرسة تدور خلف كواليس المناصب هدفها قائم على احتكار كامل للسوق والسيطرة التامة على الفكر.

فـاليوم وبدلاً من أن نكون شركاء في إنتاج المعرفة والمساهمة في التطوير التقني الذي يسمح بالحصول على امتيازات تجارية، والتي تتحول فيما بعد إلى نتائج مادية. أضحينا وللأسف امتيازات فردية وبيادق مستغلة تحت الحد الأدنى من الحقوق والأجور في ميدان العمل، فـانحرف مفهوم الإنماء عن معناه الحقيقي، وابتُدعت له أنماط احتكارية تهدف إلى تعزيز برمجية جديدة، تحيد بنا للميل إلى الاكتفاء عوضاً عن التطور أثناء السعي للنمو.

وهذه الأنماط الفكرية الجديدة والمدعومة من القاعدة الاقتصادية الهشة لدول العالم الثالث، باتت أكثر قوة وتماسكا بمرور الوقت، وبات الناس يؤمنون بها أفواجاً مستنبطين إيمانهم بـآخرين ممن سبقوهم، وهذا ما يسمى في علم النفس بـ"البرهان الاجتماعي". والمفارقة هنا أن البرهان الاجتماعي ليس صحيحاً دائماً، إذ قد يودي بك إلى الحد من حياتك وجعلها نسخة مطابقة لحياة غيرك.

ومن أبرز الصور التي تفسر مبدأ البرهان الاجتماعي "الدافعية المكتسبة"؛ التي تؤدي إلى اتخاذ الاختصاصيين والخبراء من الاقتصاديين والمفكرين وغيرهم بمثابة مستنبط قوي للمعلومات التي يستند إليها الكثير من الناس في حياتهم، وتصبح من القناعات بل وفي الغالب من المعتقدات الراسخة في عقولنا، ولكن هل يجدر بنا أن نسلم بكلام هؤلاء الصفوة المختارة؟ هل هم على حق بالمطلق أم مجرد أبواق تهدف إلى إيحاءات تقيد من ميلنا الغريزي إلى التقدم؟

فمسألة اتباع أوامر وكلام هؤلاء الصفوة ليس بالأمر السليم، بل يجدر بنا أن نستنبط ما هو ملائم وصحيح ضمن سياق حياتنا العملية والاجتماعية، فـالتسليم المطلق ما هو إلا توقيعك الشخصي اللا واعي على عقد ينص بالعبودية مدى الحياة.

وتجب الإشارة هنا إلى أن الوعود والحلول قصيرة الأمد التي يتم غمرنا بها من قبلهم، تعمل بمثابة المخدر الذي يقود بلادنا إلى شفير الانهيار، فـفي مجتمعنا وظناً منا أننا نعالج مشاكلنا عن طريق التعامل مع الأعراض الظاهرة لها (كـالبطالة وعدم توفر فرص العمل والفقر..) إلا أننا في الواقع نغذي الأسباب في الخفاء.

فـالنهوض والتغيير الحقيقي يحتاج إلى انتهاج حلول أكثر نشاطا واتخاذ خطوات أكثر مصداقية، تعزز من قيمة الفرد كـعنصر فعال في المجتمع لا بيدقا يتم استنزافه لأجل أهداف خاصة بالنظام الطبقي الاستبدادي المتجذر، فـنحن بحاجة إلى عملية تأهيل شاملة تنقذ ما تبقى من مجتمعاتنا عن طريق اعتماد تعديلات بسيطة ومستدامة تنمو بشكل مستمر، إلى جانب نبذ الخطاب الطبقي المتبنى الذي عزز من سلطته وغذا من هيمنته على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، مما أدى إلى اتساع الفجوة وعدم القدرة على مواكبة عجلة التطور مع البلدان المتقدمة، فـفي النهاية الأفراد هم ثروة المجتمع الحقيقي.

* روائية فلسطينية مقيمة في تركيا
التعليقات (0)