كتاب عربي 21

تضرر المودعين من تراجع أسعار الفائدة بمصر

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
قبل حوالي أربع سنوات كان المودع الصغير بمصر يستطيع الحصول على فائدة سنوية بنسبة 20 في المئة على مدخراته، أما الآن فقد نقصت تلك الفائدة إلى حوالي 3 في المئة فقط، أى أقل من معدل التضخم السنوى الذي بلغ 6 في المئة خلال الشهر الأخير من العام الماضي، وبما يعني أن الفائدة على الودائع أصبحت سلبية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى مجالات أخرى لاستثمار ما لديهم من مدخرات. فالبعض ذهب إلى البورصة، ولجأ آخرون لشراء الذهب، وقام البعض بالتعامل مع أشخاص يقومون بتوظيف الأموال نظير فائدة دورية أعلى من فائدة المصارف، والبعض لجأ إلى العملات الرقمية، وآخرون إلى العقار والأراضي.
البعض ذهب إلى البورصة، ولجأ آخرون لشراء الذهب، وقام البعض بالتعامل مع أشخاص يقومون بتوظيف الأموال نظير فائدة دورية أعلى من فائدة المصارف، والبعض لجأ إلى العملات الرقمية، وآخرون إلى العقار والأراضي. وقلائل من المدخرين من قاموا بعمل مشروعات صغيرة لاستثمار ما لديهم من مدخرات، بسبب حالة الركود المهيمنة على السوق

وقلائل من المدخرين من قاموا بعمل مشروعات صغيرة لاستثمار ما لديهم من مدخرات، بسبب حالة الركود المهيمنة على السوق المصرية منذ فترة والتي زاد وباء كوفيد 19 من حدتها، والتي تؤكدها أرقام مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مصرف الإمارات دبي، والتي تبدو في قطاعات عديدة منها قطاع السيارات ومواد البناء مثل الأسمنت والعقار، حتى أن شركة مدينة نصر للإسكان قامت ببيع قطع أراضي لديها لتدبير السيولة.

وقامت شركات عقارية أخرى بالمشاركة مع غيرها من الشركات لتنفيذ المشروعات التي أصبح من الصعوبة عليها الوفاء بمواعيد تسليمها، وها هي الهيئة العربية للتصنيع تقوم خلال الشهر الماضي بتأسيس شركة للمشروعات العقارية والسياحية، لتكرر ما قام به عدد من رجال الصناعة الذين اتجهوا للنشاط العقاري، وكان آخرهم فرج عامر رئيس جمعية مستثمري برج العرب.

واستمر آخرون في الادخار في المصارف رغم السعر المتدني للفائدة، مثل أصحاب المعاشات، حيث لا خبرة لهم بمجالات الاستثمار البديل، مع تبديل الوعاء الادخاري إلى شهادات الإيداع ذات الثلاث والخمس سنوات، والتي يمكن الحصول من خلالها على عائد يتراوح ما بين 6.5 في المئة إلى 8.5 في المئة ما بين مصرف وآخر، وذلك نظرا لما يتميز به الادخار المصرفي من عوامل الأمان، بالمقارنة بارتفاع معدل المخاطر بباقي المجالات والتي يمكن أن يخسروا فيها جانبا من أموالهم، مثل البورصة أو الذهب أو المشروعات الصغيرة، استنادا إلى المثل الشعبي "حُسن السوق ولا حُسن البضاعة"، أي أن الركود بالأسواق سيحول دون تسويق أية سلعة مُنتجة مهما كانت جيدة.

تراجع القدرة الشرائية وانخفاض التضخم

وكان المصرف المركزي المصري قد أناط إلى البنوك الحكومية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016؛ إصدار شهادات ادخار بفائدة مرتفعة بلغت 20 في المئة للشهادات البالغة مدتها عاما واحدا، و16 في المئة للشهادات ذات الثلاث سنوات، لجذب السيولة من أيدي الأفراد سعيا إلى خفض نسبة التضخم التي زادت عقب قرار تحرير سعر الصرف الذي تم خلال الشهر، ولدفع الجمهور إلى تحويل ما لديه من عملات أجنبية إلى الجنيه المصري للاستفادة من الفارق الكبير في سعر الفائدة بينهما.

لكن حالة الغلاء لأسعار السلع والتي رافقتها زيادة بأسعار الوقود والكهرباء ومياه الشرب والعديد من الخدمات الحكومية، أدت إلى إنهاك القدرات الشرائية لغالبية المصريين، فانخفض الطلب على السلع والخدمات نتيجة لذلك، مما أدى لتراجع معدلات التضخم، كما ساهم التوسع في الاقتراض الخارجي في زيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي بما يمكن المصرف المركزي من الدفاع عن سعر الصرف.
حالة الغلاء لأسعار السلع والتي رافقتها زيادة بأسعار الوقود والكهرباء ومياه الشرب والعديد من الخدمات الحكومية، أدت إلى إنهاك القدرات الشرائية لغالبية المصريين، فانخفض الطلب على السلع والخدمات نتيجة لذلك، مما أدى لتراجع معدلات التضخم

ومع تراجع معدل التضخم واستقرار سعر الصرف بدأ المصرف المركزي في خفض نسبة الفائدة على الودائع لديه، والتي تمثل مرجعا رئيسا للمصارف خلال تسعيرها لسعر الفائدة. وهكذا بدأت رحلة الخفض المتتالي لسعر الفائدة على الودائع منذ منتصف شباط/ فبراير 2018، حيث توقف إصدار شهادات الإيداع التي بلغت فائدتها 20 في المئة في نفس الشهر، لينخفض سعر فائدة الودائع لدى المصرف المركزي لمدة ليلة من 18.75 في المئة إلى 8.25 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أي بفارق 10.5 في المئة، وكلما خفض المصرف المركزي معدل الفائدة بنسبة خفضت المصارف بدورها تلك الفائدة. وفي آذار/ مارس من العام الماضي أوعز المصرف المركزي لمصرفين حكوميين بإصدار شهادات إيداع بفائدة 15 في المئة مدتها 12 شهرا، لكن العمل بتلك الشهادات توقف منذ أيلول/ سبتمبر من نفس العام.

ولم يقتصر خفض الفائدة على الودائع المصرفية، بل شمل ذلك أيضا شهادات الاستثمار التي يصدرها بنك الاستثمار القومي التابع لوزارة التخطيط للإسهام في تمويل نشاطه، فانخفضت فائدة الشهادات من مجموعة (ب) البالغ مدتها عاما واحدا، من 20 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 إلى 9.75 في المئة في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، كما انخفضت فائدة باقي شهادات الاستثمار على اختلاف مدتها.

805 مليارات جنيه نقصا بمدخرات الأفراد

ونفس الأمر لفائدة دفتر توفير البريد، من 10.25 في المئة إلى 7.75 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حتى شهادة أمان المصريين التي تم إصدارها في آذار/ مارس 2018 لصالح العمالة الموسمية والمؤقتة بفائدة 16 في المئة؛ انخفضت فائدتها إلى 13 في المئة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

ويظل السؤال: هل أثر تراجع سعر الفائدة الذي بلغ مجموعه 10.5 في المئة منذ شباط/ فبراير 2018 وحتى الآن على أرصدة الودائع لدى المصارف؟ حيث تشير أرصدة الودائع بالجنيه المصري حسب بيانات المصرف المركزي المصري إلى تحقيق نمو مستمر بها خلال السنوات الماضية، بلغت نسبته 17.5 في المئة بالعام المالي 2015/2016، وبنسبة 27 في المئة بالعامين الماليين التاليين، وبنمو 16 في المئة بالعام المالي 2018/2019، و23 في المئة بالعام المالي الأخير 2019/2020 المنتحي آخر حزيران/ يونيو الماضي.

لكن معدلات النمو تلك ليست دقيقة لأنها تشتمل على قيمة الفائدة المتراكمة على تلك الودائع، حيث لا تفصل بيانات المصرف المركزي المصري بين قيمة الودائع الجديدة خلال كل عام، وبين قيمة الفائدة المحتسبة داخل الرصيد الإجمالي للودائع.
معدلات النمو تلك ليست دقيقة لأنها تشتمل على قيمة الفائدة المتراكمة على تلك الودائع، حيث لا تفصل بيانات المصرف المركزي المصري بين قيمة الودائع الجديدة خلال كل عام، وبين قيمة الفائدة المحتسبة داخل الرصيد الإجمالي للودائع

إلا أن المفاجأة جاءت من قبل الجهاز المركزي للإحصاء التابع للحكومة، في نشرته السنوية الخاصة بإحصاءات مدخرات الأفراد لدى أوعية الادخار للعام المالي 2018/2019، حيث أشارت النشرة إلى انخفاض مدخرات الأفراد لدى الأوعية المصرية خلال العام بنحو 843.5 مليار جنيه، بنسبة تراجع 24 في المئة عن أرصدة تلك المدخرات بنهاية العام المالي السابق والبالغة 3.503 تريليون جنيه.

وجاء هذا النقص البالغ 843.5 مليار جنيه خلال العام المالي، كفرق بين قيمة الإيداع البالغة 1.316 تريليون جنيه وقيمة استرداد الودائع خلال العام البالغة 2.160 تريليون جنيه، حيث أن ودائع القطاع العائلي المتمثل غالبا في الأفراد تمثل نسبة 69 في المئة من مجمل الودائع في آب/ أغسطس الماضي كآخر بيانات منشورة.وهو ما يتنافى مع بيانات المصرف المركزي الخاصة بالودائع بالجنيه المصري لنفس العام المالي، التي أشارت لزيادة مجمل أرصدة تلك الودائع شاملة الفوائد بنحو 362 مليار جنيه بنمو 16 في المئة!

وإذا كانت مدخرات الأفراد بالأوعية المصرفية قد انخفضت بنحو 843.5 مليار جنيه في أعقاب خفض المصرف المركزي الفائدة مرتين قبل ذلك العام المالي بإجمالي 2 في المئة، وخفضه الفائدة بنسبة 1 في المئة أخرى خلال نفس العام المالي 2018-2019، أي بإجمالي 3 في المئة، فما هو الحال لمدخرات الأفراد بالأوعية المصرفية في ضوء خفض الفائدة بنسبة 7.5 في المئة منذ انتهاء ذلك العام المالي وحتى الآن؟ وهو ما يتطلب انتظار نشرة جهاز الإحصاء الخاصة بودائع الأفراد، والتي لا يتم الإطلاع عليها إلا باشتراك خاص لدى الجهاز، والتي تصدر عادة بفاصل زمني عن الفترة التي تغطيها بحوالي عام ونصف.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)