ملفات وتقارير

FP: الفلسطينيون يراهنون على بايدن لعكس ما فعله ترامب

ما يمكن أن يأمله عباس من الإدارة الديمقراطية القادمة هو إرادة إعادة التوازن- جيتي
ما يمكن أن يأمله عباس من الإدارة الديمقراطية القادمة هو إرادة إعادة التوازن- جيتي
قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الفلسطينيين يتوقون إلى رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن يتولى منصبه في كانون الثاني/ يناير القادم، ليس بسبب ما قد يفعله ولكن لما يأملون أن يتراجع عنه. فبعد أربع سنوات أغلق خلالها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، وألغى مئات الملايين من الدولارات من المساعدات السنوية للاجئين، واعترف بالقدس المقسمة عاصمة لإسرائيل، وقال للمستوطنين الإسرائيليين إنهم يستحقون ثلث الضفة الغربية، فإن التوقعات منخفضة.

وقالت المجلة في مقال للكاتب جوناثان فيرزيغر، ترجمته "عربي21": انسوا الإيماءات الكبرى مثل الخطاب التاريخي للرئيس السابق باراك أوباما عام 2009 في القاهرة لبدء "بداية جديدة" مع العالم الإسلامي، والتي أعقبتها سنوات من التحفيز غير المثمر للإسرائيليين والفلسطينيين على تبني حل الدولتين. ولن ترى بايدن يقوم برحلات مكوكية بين الرياض والقدس كما فعل ترامب في عام 2017 للتفاخر بقدراته الفريدة على هندسة اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني.

وتضيف: لكن ما يمكن أن يأمله الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الإدارة الديمقراطية القادمة هو إرادة إعادة التوازن. فبينما أخذ ترامب سياسته تجاه الشرق الأوسط مباشرة من دليل اللعب اليميني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد تجاهل في الغالب الزعيم الفلسطيني البالغ من العمر 85 عاما، والذي أصبح شخصا غير مرغوب فيه في البيت الأبيض.

يدرك عباس أن محاولة التوسط في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست أولوية فورية لبايدن، الذي سيركز في عامه الأول على القضايا المحلية الأمريكية، وقبل كل شيء، على كيفية الخروج من جائحة كوفيد-19 وإعادة تحفيز الاقتصاد.

وفي السياسة الخارجية، ستحظى نية بايدن بإعادة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، لمنع إيران من إنتاج الأسلحة النووية، التي انسحب منها ترامب، بالأولوية، إلى جانب معالجة التهديدات من الصين وروسيا.

وتعتبر احتمالات إحراز تقدم على جبهة السلام الإسرائيلية الفلسطينية بعيدة إلى معدومة في عام 2021، خاصة وأن الشخصيات الرئيسية لم تتغير منذ ترك أوباما لمنصبه. نتنياهو وعباس يكرهان بعضهما البعض، كما أن الميل غير المقيد لإدارة ترامب لصالح إسرائيل أدى إلى تعميق عدم الثقة المتبادل بينهما. ويقول مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة: "لا أعتقد أن الفلسطينيين سيواجهون مشكلة مع الإدارة الأمريكية الجديدة بقدر ما سيكون لديهم مشكلة مع نتنياهو".

ولكن الأرضية تتغير في الشرق الأوسط، مما يخلق خيارات جديدة لكسر ما يبدو أنه مأزق كبير. فعندما يحين الوقت للمضي قدما ومحاولة تجديد محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية فعليا، قد يكون بايدن قادرا على الاستفادة من الاستعداد الجديد للدول العربية للتعامل مع إسرائيل، كما كشفت اتفاقيات أبراهام التي تم التوصل إليها بوساطة ترامب والتي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين. وعلى الرغم من أن عباس ينظر بعين الريبة للإمارات، التي تؤوي منافسه اللدود، محمد دحلان، فقد يكون أكثر استعدادا للرد على مشاركة السعودية، والتي سهلت التقارب بين الخليج وإسرائيل ولها علاقاتها المتنامية مع إسرائيل لكنها قاومت توقيع ميثاق التطبيع الخاص بها.

قائمة الإجراءات التي يريد الفلسطينيون من بايدن التراجع عنها يتقدمها قطع ترامب للأموال الأمريكية المخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي تعتني بحوالي 1.4 مليون فلسطيني فقير يعيشون في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تفاقمت محنتهم بسبب تأثير مرض كوفيد-19 على الاقتصاد الفلسطيني، والذي من المتوقع أن يتقلص بنسبة 8٪ في عام 2020.

كما يمكن التراجع عن سياسة إدارة ترامب التي اعتبرت أن المستوطنات "لا تتعارض مع القانون الدولي" وأنه يمكن تصنيف البضائع المنتجة فيها على أنها مصنوعة في إسرائيل. ويشترط الاتحاد الأوروبي أن يشير النبيذ والتمور والصادرات الأخرى من المستوطنات إلى أنها صنعت في الأراضي المحتلة من خلال إدراج أصلها على أنه الضفة الغربية أو مرتفعات الجولان.

وإلى جانب المطالبة بالسماح لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية المغلق في واشنطن بالعمل ورفع علمه مرة أخرى، يريد عباس أيضا من بايدن إعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس، والتي أبقت الشؤون الفلسطينية تاريخيا منفصلة عن السفارة الأمريكية، والتي كانت أولويتها التعامل مع إسرائيل. من ناحية أخرى، يدرك الفلسطينيون أن بايدن لن يعكس على الأرجح القرار الذي اتخذه ترامب في عام 2018 للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك من تل أبيب، وهي خطوة أذن بها الكونغرس منذ فترة طويلة.

وبينما يحاول الفلسطينيون إبقاء توقعاتهم منخفضة، رد عباس بسرعة على فوز بايدن في الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر بإرسال إشارات بأنه مستعد للانخراط مرة أخرى مع إسرائيل. وأعاد الزعيم الفلسطيني التنسيق بين قواته الأمنية في الضفة الغربية والإدارة العسكرية الإسرائيلية والذي كان متوقفا منذ أيار/ مايو. كما جدد الترتيبات التي تجمع إسرائيل بموجبه رسوم الاستيراد والتصدير في موانئها نيابة عن السلطة الفلسطينية.

وفي مؤشر آخر على رغبته في المضي قدما، خفف عباس أيضا من اعتراضاته على سلسلة اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. فبعد أن اتهم الإمارات بطعن الفلسطينيين في الظهر عندما تم الإعلان عن اتفاق السلام مع إسرائيل في آب/ أغسطس، لم يصدر الزعيم الفلسطيني أي اعتراض علني عندما وافق المغرب على اتفاق مماثل في كانون الأول/ ديسمبر.

ونتنياهو، الذي تربطه ببايدن علاقة شخصية منذ أكثر من 30 عاما، بدأ يغير توجهاته أيضا للتحضير للتغيير في واشنطن ويبذل جهودا غير معلنة للوصول إلى الديمقراطيين. في الوقت نفسه، سيصطدم الزعيم الإسرائيلي حتما مع الإدارة الجديدة بينما يحاول الاحتفاظ بدعم المستوطنين في الضفة الغربية في الانتخابات العامة التي يُرجح إجراؤها في آذار/ مارس. كما حذر نتنياهو من إعادة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني، مما يذكر بتحالفه العلني مع الجمهوريين وخرقه للبروتوكول عندما شجب أوباما بسبب دعمه للاتفاق أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي عام 2015.

ولكن في الوقت الحالي، توقعات فريق بايدن لكسر الجمود الإسرائيلي الفلسطيني متدنية جدا. ويمكن إلقاء نظرة خاطفة على سياسات الإدارة القادمة التي يتم تطويرها في تقرير مفصل نشره مركز الأمن الأمريكي الجديد في 16 كانون الأول/ ديسمبر، ينصح بوضوح بمقاربة بطيئة. ومن بين المؤلفين المشاركين مسؤولي إدارة أوباما السابقين إيلان غولدنبرغ وتمارا كوفمان ويتس، إلى جانب مايكل كوبلو من منتدى السياسة الإسرائيلية ذي الميول اليسارية. كتب المؤلفون في التقرير المؤلف من 69 صفحة: "لقد قوضت إدارة دونالد ترامب بشكل أساسي الدور الأمريكي في صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني من خلال اتباع نهج أحادي الجانب.. لكن سياسة الولايات المتحدة في حقبة ما قبل ترامب، في عهد الرؤساء بيل كلينتون، وجورج بوش الإبن، وباراك أوباما، فشلت أيضا في تحقيق سلام دائم، والعودة البسيطة إلى تلك السياسات لن تنجح".

وبينما يقوم بايدن بتجميع فريق الشرق الأوسط الخاص به، سيحاول التعلم من أخطاء الماضي. ولا أحد يمثل تلك الأخطاء أكثر من جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي عينه بايدن مبعوثه للمناخ. وتعرض نهج كيري للسخرية من خلال نشر مقطع فيديو عام 2016 حيث أصر كيري على أنه "لن يكون هناك سلام منفصل بين إسرائيل والعالم العربي" قبل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وقال كيري ذلك بلهجة العارف: "على الجميع أن يفهم ذلك"، وهو ما يجعله يبدو جاهلا بشكل خاص بعد أن عقدت أربع دول عربية إضافية السلام مع إسرائيل، وهذا يؤكد رغبة فريق بايدن في تجنب العودة إلى الروتين القديم. قال ديفيد بولوك، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي يتابع الرأي العام الفلسطيني: "سيكون من الأفضل عدم الفشل مرة أخرى".

لكن رغم كل الشكوك، هناك أفكار جديدة للبناء على التغييرات التي تحدث في الشرق الأوسط بطرق تفيد الفلسطينيين. من بين الفرص التي تم استكشافها في عهد ترامب والتي قد تكون جذابة بشكل خاص لبايدن، خطة لربط المنطقة ببعضها البعض عن طريق السكك الحديدية. ويشتهر بايدن بالتنقل يوميا في القطار بين منزله في ويلمنجتون بولاية ديلاوير، ومكتبه في مجلس الشيوخ في واشنطن، ومن المحتمل أن يدعم بايدن خطة ربط مدينة حيفا الإسرائيلية المطلة على البحر المتوسط بميناء الدمام السعودي على الخليج العربي. المسار الذي يبلغ طوله 1100 ميل يمر عبر الأردن ويتضمن توقفا في الجليل يخدم الفلسطينيين في الضفة الغربية.

قد لا يسافر بايدن في أي وقت قريب بين الرياض والقدس، ولكن أي لوحة يمكن أن يرسمها الرئيس الأمريكي وهو يركب جنبا إلى جنب مع نتنياهو وعباس في رحلة قطار مجيدة عبر الشرق الأوسط الجديد.
0
التعليقات (0)