ملفات وتقارير

على إثر الاحتجاجات الأخيرة.. هل تراجع أمريكا وأوروبا تاريخهما؟

الحنيني: المراجعة الكاملة لتاريخ العنصرية في أمريكا وأوروبا في الوقت الحالي حُلم بعيد المنال- جيتي
الحنيني: المراجعة الكاملة لتاريخ العنصرية في أمريكا وأوروبا في الوقت الحالي حُلم بعيد المنال- جيتي

طالب المحتجون المشاركون في التظاهرات ضد العنصرية في أمريكا وأوروبا، على إثر مقتل المواطن الأمريكي ذي البشرة السوداء جورج فلويد، بالتبرؤ من شخصيات تعتبر رموزا للعنصرية.

وحطم محتجون أمريكيون تمثال الرحالة كريستوفر كولومبوس مكتشف الأمريكيتين ،إضافة إلى تماثيل رموز الكونفدرالية، وذلك تزامنا مع زيادة الضغوط على السلطات الفدرالية لإزالة تماثيل مرتبطة بحقبة العبودية والاستعمار.

ومن بين التماثيل التي أطيح بها تمثال رئيس الولايات الكونفدرالية جيفرسون ديفيز، وذلك في ريتشموند في ولاية فرجينيا.

أما في بريطانيا، فقد تم تحطيم تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون في مدينة "بريستول" الجنوبية الغربية، وألقي به في النهر، وذلك من قبل محتجين من حركة "حياة السود مهمة".

وفي بلجيكا، وقع أكثر من ثمانين ألف شخص على التماس إلكتروني يطالب بإزالة تمثال الملك ليوبولد الثاني، الذي كان "بطلا بالنسبة للبعض، لكنه قاتل جماعي لعدد كبير من الناس، فقد قتل أكثر من ١٠ ملايين كونغولي في غضون 23 عاما، دون أن تطأ قدمه الكونغو"، وذلك وفقا للالتماس.

مراجعة يومية

بالمقابل دافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن علم الكونفدرالية المرتبط بعهد ممارسة العبودية بالولايات المتحدة، معتبرا أنه يمثل الجنوب، وأن الكثير من المواطنين يحبونه، وذلك ردا على مطالبات بعدم رفعه.

وفي السياق ذاته، أقر أعضاء مجلس النواب الأمريكي الذي يهيمن عليه الديمقراطيون الأربعاء الماضي مشروع قانون ينص على إزالة تماثيل شخصيات خدمت الكونفدرالية خلال الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر من مبنى الكابيتول.

وجاءت نسبة التصويت لصالح القرار بـ 305 صوتا مقابل 113، ولكن سيبقى القرار غير رسمي لحين إقراره من قبل مجلس الشيوخ الذي يشكّل الجمهوريون أغلبية أعضائه، ومن ثم يجب توقيع ترامب عليه، والذي يعارض بشدة إزالة تماثيل شخصيات تاريخية.

أيضا قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، خلال فترة الاحتجاجات ردا على محطمي التماثيل في تغريدة له: "لا يمكننا الآن محاولة تعديل ماضينا.. لا يمكننا التظاهر بأن لدينا تاريخا مختلفا.. وفي إزالة التماثيل كذب على التاريخ".

وأردف: "من الواضح أن الاحتجاجات قد اختُطفت من قِبل جماعات تعتزم العنف".

ويبقى السؤال مع تزايد الأصوات المطالبة بالتبرؤ من إرث العنصرية في أوروبا وأمريكا، وما يقابله من رفض من قبل بعض الأمريكيين والأوروبيين وعلى رأسهم مسؤولون سياسين، هل تراجع أمريكا وأوروبا تاريخهما وتتبرأن من عنصريتهما القديمة؟

يرى الباحث في المركز العربي في واشنطن جو معكرون، بأن "المراجعة هي فعل يومي يحتاج إلى إعادة نظر بالتمييز العنصري المتجذر في المجتمعات الأمريكية والأوروبية، وذلك عبر إجراء إصلاحات سياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية توفر فرص متساوية للمواطنين في الحقوق والواجبات".

وتابع معكرون في حديث لـ"عربي21": "بالتوازي مع هذه المراجعة يجب الأخذ بعين الاعتبار تاريخ الاستعباد ورواسبه العالقة في الواقع الحالي، فمثلا حادث مثل جريمة قتل جورج فلويد يؤدي إلى ردود فعل عفوية تكون عادة قصيرة المدى ما لم تترجم عبر خطوات فعلية تحدث فارقا فعليا".

وأشار إلى أن "تحطيم التماثيل عبارة عن فعل رمزي يعكس رفضا شعبيا لهذا التاريخ، لكن هذا لا يعني إلغاء رواسب العنصرية"، مؤكدا على أن "الأمر يحتاج إلى قيادات شجاعة تقر بأخطاء الماضي وتدعو إلى إعادة النظر بقراءة التاريخ ليأخذ بعين الاعتبار نظرة السود".

ورأى معكرون أن "المراجعة كذلك تتطلب من هذه القيادات الدعوة إلى حوار مستمر يكسر هذه الحلقة المفرغة من الشعور بالتفوق العنصري عند البيض والشعور الدائم كضحية عند السود".

وأوضح بأن "هذه المرحلة من النضوج والتأمل لا يمكنها أن تحدث في ظل قيادات مثل ترامب"، مضيفا: "نعم هناك تقدم حصل في العقود الأخيرة لكنه لا يزال منقوصا بدون إجراءات جدية لطي صفحة هذا التاريخ ورواسبه".

"عقلية جامدة ومتعنتة"

من جهته عبر أستاذ الإدارة والسياسات العامة صلاح الحنيني عن اعتقاده بأنه في الوقت الحالي لن تتم مراجعة حقيقية لتاريخ أمريكا وأوروبا العنصري، وذلك "لوجود قيادات ذات عقلية جامدة ومتعنتة على رأس هرم السلطة السياسية هناك".


وتابع الحنيني في حديث لـ"عربي21": "على الرغم من اندثار الرق، ونجاح حركات الحقوق المدنية في التخلص من أهم عناصر العنصرية الرئيسية سواء منع حق السود في التصويت أو التعليم، إلا أن زعماء مثل ترامب وماكرون وجونسون لا زالوا يرفضون مراجعة التاريخ، بل حتى يرفضون انتقاده".

وأشار الحنيني إلى أن "ترامب مثلا دافع عن علم الكونفدرالية مؤكدا أنه يمثل الجدنوب، أيضا الرئيس الفرنسي ماكرون رفض فكرة انتقاد ومراجعة تاريخ فرنسا مع العنصرية، ورد على ذلك بالقول، فرنسا "لن تنسى أيا من أعمالها الفنية، ولن تزيل التماثيل، وسأكون واضحا جدا الليلة أيها المواطنون، الجمهورية لن تمحو أي اسم من تاريخها".

وخلص الحنيني بالقول: "المراجعة الكاملة لتاريخ العنصرية في أمريكا وأوروبا في الوقت الحالي حُلم بعيد المنال، ما لم يغادر الساسة المحافظون كراسي الحكم، أو يزداد حجم ضغوط حركات مكافحة العنصرية مثل حركة "حياة السود مهمة".

تأثير المراجعة

ولكن يبقى السؤال الأهم في حال قررت أمريكا وأوروبا القيام بهذه المراجعة، ما تأثير ذلك عليهما وعلى مجتمعاتهما؟

عبر المختص بالشأن الأمريكي جو معكرون عن رأيه بأن "تأثير المراجعة يكون بتخفيف التوترات العنصرية وإنتاج مواطنة تستوعب كل مواطنيها، وهذا يعني عمليا اقتصاد افضل ونظام سياسي أكثر عدالة ومجتمع اكثر استقرارا".

وأضاف: "بالتأكيد هذا لا يعني أن العقلية العنصرية سيتم إلغاؤها بين ليلة وضحاها، لكن هنا يأتي دور الحكومات المحلية والمركزية وهو الحد من تأثيرات هذه العنصرية المتجذرة، ما يمهد تدريجيا إلى عدالة في توزيع الثروات وإعادة تقييم للذاكرة الجماعية، أما دور المواطنين فهو محوريا ليس فقط في التعبير عن الرأي والتظاهر فقط بل عبر صناديق الاقتراع والضغط باتجاه إجراء هذه الإصلاحات".

وختم معكرون حديثه بالقول: "التأثير على المجتمعات الأمريكية والأوروبية في حال اتخذت مثل هذه الخطوات والإجراءات لا يمكن سوى أن يكون إيجابياً على المدى الطويل".

التعليقات (0)