كتاب عربي 21

حرب غير مرجحة بين مصر وتركيا في ليبيا

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
تنخرط دول عديدة بطرائق معقدة في أتون الصراع في ليبيا إلى جانب أحد طرفي النزاع، حيث تتجلى حرب الوكالة بصورة واضحة. ولأسباب عدة، فإن مصر وتركيا هما الطرفان الأكثر فعالية وحضورا نظرا للتأثير البالغ لما يحدث في ليبيا على الأمن القومي والمصالح الحيوية لكلا البلدين.

فالتدخل التركي لدعم حكومة "الوفاق" جاء بعد توقيع اتفاقية عسكرية مع حكومة السراج، وعقب ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مما يشير إلى رغبة تركيا في تأمين دورٍ أكبر لها في خطط استكشاف الطاقة بالبحر المتوسط، وسعي منها إلى إضعاف قوات حفتر المدعومة من مصر والإمارات والسعودية وروسيا، وفرنسا وحتى اليونان.

إن موقف الولايات المتحدة بشأن ليبيا الذي يتسم بالتناقض والارتباك بسبب عدم وجود مصالح حيوية استراتيجية مهمة؛ وضعها على هامش الجهود العسكرية والدبلوماسية، لكن زيادة انخراط روسيا في الصراع، أدى إلى تغير موقف الولايات المتحدة جزئيا تجاه الصراع، ولذلك فإن التدخل الروسي بدوره بات يتسم بالهامشية والمحدودية.

ورغم انخراط إيطاليا وفرنسا في الصراع، إلا أن أدوارهما هامشية، إذ تساند إيطاليا تركيا وحكومة الوفاق، بينما تساند فرنسا قوات حفتر ومصر، ولا يعدو دور اليونان الداعمة لمصر والمناهضة لتركيا عن المراقبة. أما الإمارات والسعودية الداعمة لمصر، فلديهما تصورات مختلفة، فالسعودية لا تخرج مواقفها عن حدود الدعم القولي، بينما الإمارات ليس بمقدورها تقديم دعم أكثر لحفتر، ومصر يتجاوز إمكانياتها وقدرارتها وحجمها.

وفي الوقت الذي أجرت فيه تركيا مناورات وتدريبات بحرية مع إيطاليا مؤخراً، خاضت فرنسا معركة خاسرة مع تركيا بدعوى حادثة البحر المتوسط، ولم يلتفت الناتو للتحريض الفرنسي الذي توجه إلى دول الاتحاد الأوروبي دون جدوى.

شكل الفشل الذريع لحفتر في السيطرة على طرابلس عقب التدخل التركي؛ ضربة قوية لجهود القوى المساندة لحفتر، وخصوصاً الإمارات ومصر، وفي حال قررت مصر التدخل بصفتها الأكثر تضررا، فسوف تجد الإمارات نفسها تحت ضغوطات المجتمع الدولي المطالب بحل سلمي لتسوية النزاع، وفي حال انخرطت روسيا بصورة أكبر ستواجه برد فعل سياسي واسع من جانب الولايات المتحدة.

في هذا السياق، وجدت مصر نفسها في موقف لا تحسد عليه، حيث هدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 20 حزيران/ يونيو الماضي، بالتدخل المباشر في ليبيا إذا ما أقدمت حكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا؛ على دخول مدينة سرت التي تبعد بأكثر من 900 كم عن الحدود الغربية المصرية. وقال السيسي إن مدينة سرت تعد خطاً أحمر وإنَّ تجاوزها يهدد الأمن القومي المصري. وللدلالة على جدية التهديد نفذت مصر مناورة عسكرية غرب البلاد، اسمها "حسم 2020"، تضمنت تدريبات هدفها "القضاء على عناصر المرتزقة من الجيوش غير نظامية".

لا يبدو أن التهديدات والمناورات المصرية ستغير من الواقع الجديد في ليبيا، ومن الواضح أن الطموحات المصرية باتت أكثر واقعية، فحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" يفترق الصراع الدائر حالياً في ليبيا إلى مسارين: سيطرة حفتر ستجلب إلى ليبيا نوعاً من الحكم العسكري المحافظ والمقاوم للتغيير ذاته الذي تمتلكه مصر ودول الخليج، أما حكومة الوفاق المدعومة من تركيا فقد تكون أمامها مشكلة تتعلق بالاستقرار الهش بعد الضربات التي قام بها حفتر. ومع ذلك، فإن تركيا أثبتت أنها أكثر مهارة فيما يتعلق بنقل الأسلحة وتكنولوجيا الدفاع إلى ليبيا. وهزمت طائراتها المسيَّرة من طراز "بيرقدار" منظومات الدفاع الجوي الروسية "بانتسير" التي جلبتها الإمارات إلى ليبيا. وهكذا استطاعت القوات المدعومة تركيّاً إجبار مليشيات حفتر على التراجع.

في ظل المعطيات السياسية الدولية والتطورات الميدانية، هل ستبقى ليبيا مقسمة فعليا عند الخطوط الحمراء التي أشار لها السيسي ومن قبله بوتين، ما يمنع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا من السيطرة على مدينة سرت ومطار الجفرة الاستراتيجي في وسط البلاد؟ وهل ستتدخل مصر بصورة مباشرة في ليبيا أكثر من مجرد تقديم الدعم الجوي والأسلحة والخبراء؟ وهل ستنخرط في مواجهة مع تركيا؟

كل ذلك يبدو غير مرجح، فالتدخل في حال حصوله سيكون محدوداً، فقد انتهت أحلام حفتر وداعميه بالسيطرة على كامل التراب الليبي، ولم تعد ممكنة.

على مدى الأيام الماضية تكاثرت المقارنات بين الجيشين التركي والمصري،.فعلى الورق، تتطابق قوة الجيش التركي مع نظيره المصري إلى حد كبير، فكلاهما يمتلك طائرات "إف 16" ومئات من الطائرات المقاتلة الأخرى. والجيش المصري هو تاسع أقوى جيش في العالم على الورق، مع آلاف الدبابات التي يمتلكها. ويُعتقد أن الجيش التركي هو الـ11 في ترتيب أقوى الجيوش بالعالم، وعلى الأرجح فإن كون تركيا جزءاً من الناتو وعملها مع جيوشه يجعل قواتها أكثر فاعلية من مصر.

تبدو المقارنات النظرية بين الجيش التركي والمصري نظريا صحيحة، لكن المقاربة العملية تكشف عن هوة واسعة في القدرة والفعالية، فمصر التي تمتلك جيشاً ضخماً لم يختبر في أي مواجهة خارجية منذ زمن بعيد، وحروبه منذ قرابة نصف قرن داخلية مع جماعات مسلحة ضعيفة. وقد كشفت مواجهته مع مقاتلي ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة منذ سبع سنوات في سيناء، عن عدم كفاءته بالقضاء على تمرد محدود القدرات لا يتجاوز عدد أتباعه عن 700 مسلح.

أما تركيا، فلديها خبرة وفعالية في مواجهة تمرد أكثر خبرة وخطورة وتنوعاً، فجيشها منخرط في سوريا منذ سنوات، وهي تتعامل مع قوات "حزب العمال الكردستاني"، وتعاملت بسهولة مع مقاتلي تنظيم الدولة في مركز وجوده وأوج قوته، وهي تتدخل بصورة دائمة في سوريا والعراق.

خلاصة القول أن الحديث عن وقوع حرب بين مصر وتركيا في ليبيا لا يستند إلى أي معقولية منطقية، ولا يعدو حديث السيسي عن التدخل في حال حدوثة عن كونه تدخلا محدوداً. فقد بدا واضحا منذ زمن بعيد أن الجيش المصري لا يمتلك خبرة خوض حرب خارجية، بل إنه كشف عن محدودية في مواجهة تمرد داخلي منخفض الشدة في منطقة محاصرة في سيناء. وفي المقابل أظهرت تركيا جدية واضحة في عدم التخلي عن حكومة الوفاق، والتمسك بمصالحها الحيوية وأمنها القومي. وقد أدركت روسيا أن تركيا لن تتزحزح عن موقفها في ليبيا، وأيقنت أمريكا أن تركيا عازمة على الذهاب بعيدا في تحقيق أهدافها، ودعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، كما تحرص واشنطن على دعم أنقرة في الحد من تعاونها مع موسكو وطهران.

twitter.com/hasanabuhanya
التعليقات (0)