كتاب عربي 21

إنصاف الأداء الاقتصادي لعام مرسي

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
رغم مرور سبع سنوات على تولي الجيش السلطة في مصر، ما زال الإعلام الرسمي والخاص يُحمّل عام تولي الرئيس محمد مرسي تبعات الإخفاق الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، متناسيا ما سببه حكم مبارك الذي استمر ثلاثين عاما، وفترة ثم تولي المجلس العسكرى للسلطة بما يقرب من العام والنصف.

فعلى سبيل المثال، فإنهم يذكرون أن فترة الرئيس مرسي تسببت في نقص الاحتياطي الكبير من النقد الأجنبي الذي تركه مبارك بأكثر من ثلاثين مليارا من الدولارات، ليصل بنهاية عام تولي مرسي إلى أقل من 15 مليار دولار.

وهو اتهام خاطئ، فلقد ترك مبارك الاحتياطي عند رصيد 35 مليار دولار بالفعل، لكن فترة تولي المجلس العسكرى تسببت في نقص أرصدة الاحتياطي إلى 15.5 مليار بنهاية حزيران/ يونيو من عام 2012، بنقص 19.5 مليار دولار خلال 17 شهرا.

أي أن مرسي الذي ترك رصيد الاحتياطي عند 14 مليار و922 مليون دولار، لم ينخفض الاحتياطي خلال فترة توليه سوى بنحو 612 مليون دولار فقط، لكنهم لا يتكلمون عن المجلس العسكرى الذي أفقد الاحتياطي 19.5 مليار دولار، ويدّعون أن مرسي تسبب في الانخفاض الحاد للاحتياطي.

وهذا رغم أن مرسي تعرض لحصار دولي وإقليمى ومحلي، حيث لم يحصل من المعونات الأجنبية خلال عام توليه سوى على 901 مليون دولار، منها نصف مليار دولار من قطر، بينما حصل المجلس العسكرى على 1.3 مليار دولار معونات خلال فترة توليه السلطة قبل مرسي.

وفي ظل تكرار الاتهام لعام تولي مرسي، وبعد مرور سبع سنوات على إجباره على التخلي عن منصبه، يظل السؤال إذا كان مرسي سيئا كما يزعمون، فهل استطاعوا تحسين أحوال المعيشية للمصريين بعد تلك السنوات السبع، في ضوء ما تلقاه النظام العسكري من معونات سخية تخطت الخمسة عشر مليار دولار، حسب أقل التقديرات الرسمية، والتوسع في الاقتراض المحلى والخارجي وطبع النقود؟

زيادة الكثافة بالفصول الحكومية

وتجيب عن ذلك معدلات الفقر التي كانت نسبتها 26.5 في المئة بنهاية عام تولي مرسي، بينما بلغت 32.5 في المئة أواخر عام 2018، وبالطبع فقد زات نسبة الفقر حاليا في ضوء تداعيات فيروس كوفيد- 19، والإغلاق الشامل لمدة ثلاثة أشهر للعديد من الأنشطة الاقتصادية للقطاع الخاص، وتضرر العمالة غير المنتظمة، وعودة أكثر من 77 ألف من المصريين العاملين في الخارج حتى الآن.

وها هو عدد المستشفيات العامة بعواصم المحافظات الذي بلغ 61 مستشفى عام 2013 مع 11 ألفا و280 سريرا، قد انخفض عام 2018 إلى 58 مستشفى فيها عشرة آلاف و256 سريرا. ونفس النقص لعدد المستشفيات المركزية الحكومية التي تقع في مراكز المحافظات، والتي كان عددها 202 مستشفى مركزي عام 2013 تضم 18 ألفا و256 سريرا، لتنخفض إلى 197 مستشفى مركزىا عام 2018، تضم 16 ألفا و759 سريرا.

وها هي كثافة الفصول بالتعليم الحكومي التي بلغت 41.5 تلميذ كمتوسط للمراحل التعليمية المختلفة في عام تولي مرسي، لكنها ظلت ترتفع تدريجيا خلال السنوات التالية حتى بلغت 46.8 تلميذ في الفصل بالعام الدراسي 2018/2019.

وكان متوسط كثافة الفصل في التعليم الابتدائي الحكومي في عام تولي مرسي 46.8 تلميذ، لكنه ظل يرتفع تدريجيا حتى بلغ 51.4 تلميذ في الفصل بالعام الدراسي 2018/2019.

حتى أعداد عقود الزواج التي من المفترض أن تزيد سنويا مع زيادة عدد السكان، والتي بلغت 913 ألف عقد زواج في عام تولي مرسي، بنسبة 10.8 عقد زواج لكل ألف شخص من السكان، فقد انخفض العدد إلى 887 ألف عقد زواج عام 2018، بنسبة 9.1 عقد لكل ألف من السكان.

بل إن معدل الطلاق الذي بلغ 1.9 إشهاد طلاق لكل ألف من السكان في عام تولي مرسي، زاد إلى 2.2 حالة طلاق لكل ألف من السكان عام 2018.

تفوق الصادرات لخمس سنوات متتالية

وكانت المفاجأة تفوق أداء الصادرات السلعية والصادرات الخدمية في عام تولي مرسي عن السنوات التالية لإبعاده، رغم تنظيم القوى المناهضة له 21 تظاهرة مليونية (كما كانوا يسمونها) خلال الفترة ما بين أواخر آب/ أغسطس عام 2012 وحتى أواخر شهر أيار/ مايو عام 2013، كانت معظمها تطالب بسقوطه وتعطل الحركة في الميادين الرئيسية.

ويتجاهل إعلام النظام العسكرى بلوغ قيمة الصادرات السلعية في عام تولي مرسي 26 مليارا و988 مليون دولار، وهو الرقم الذي ظل يفوق قيمة الصادرات خلال السنوات الخمس التالية من عمر النظام الحاكم، وفي العام المالي الأخير 2018/2019 فقط، وهو العام السادس للنظام العسكرى، زادت قيمة الصادرات بنسبة أقل من 6 في المئة عن عام مرسي، رغم استفادة آخر عامين ماليين من تحرير سعر الصرف الذي وعدوا المصريين بأنه سيتسبب في تضاعف قيمة الصادرات المصرية.

وتكرر الأمر مع الصادرات الخدمية، والتي تشمل السياحة وخدمات النقل وقناة السويس والخدمات المالية والاتصالات والتشييد والخدمات التعليمية والصحية والترفيهية وغيرها، والتي بلغت 22 مليارا و224 مليون دولار في عام تولي مرسي، حيث ظلت أكبر مما تحقق خلال السنوات الأربعة التالية لإبعاد مرسي. وفي العام الخامس زادت قيمة تلك الصادرات الخدمية بنسبة نصف في المئة فقط عن عام مرسي، وفي العام السادس زادت بنسبة 10 في المئة.

وها هي نسب الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية في عام تولي مرسي، تشير أيضا إلى كم الظلم الذي لحق بالرجل، حيث انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح من 56.7 في المئة عام 2013 إلى 34.7 في المئة عام 2018، كما انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من الذرة الشامية ما بين عامي المقارنة؛ من 57 في المئة إلى 50 في المئة، والأرز من 109 في المئة إلى 91 في المئة، والفول من 28 في المئة إلى 12 في المئة، واللحوم الحمراء من 74 في المئة إلى 47 في المئة، والأسماك الطازجة من 89 في المئة إلى 79.5 في المئة.

التوسع بالاقتراض وطبع النقود

وكان للدين الخارجي الذي زاد خلال عام تولي مرسي بسبب الحصار الدولي والإقليمي له؛ نصيب وافر من انتقاد الإعلام المصري، لكن هذا الدين الخارجي الذي تركه مرسي عند 43 مليار دولار وقت إبعاده، زاد حتى بلغ 113 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وزادت معدلاته خلال النصف الأول من العام الحالي، حيث يتوقع بلوغه حاليا حوالي 129 مليار دولار، بعد قرضي صندوق النقد الدولي لمصر وطرح سندات دولية وقروض من عدة جهات أخرى، على رأسها البنك الدولى وبنوك إقليمية أوروبية.

ونفس الزيادة كانت في الدين العام الداخلي الذي تركه مرسي عند 1527 مليار جنيه، لكنه بلغ 4355 مليار جنيه بنهاية العام الماضي، واستمر بالزيادة خلال النصف الأول من العام الحالي من خلال إصدار أذون وسندات الخزانة، والاقتراض من المصارف والمصرف المركزي.

وهكذا ترك مرسي الدين العام المصري الداخلي والخارجي (بعد تحويل الخارجي للجنيه)  بنحو 1830 مليار جنيه، لكنه بلغ بنهاية العام الماضي 6162 مليار جنيه، بنمو 237 في المئة، وهي قيمة زادت عن ذلك خلال النصف الأول من العام الحالي بسبب التوسع بالاقتراض الداخلي والخارجي خلاله.

وتتمثل الخطورة في زيادة الديون في تكلفة تلك الديون من أقساط وفوائد، والتي كانت تمثل أقل من 33 في المئة من الإنفاق في الموازنة بعام تولي مرسي، بينما زادت تلك النسبة إلى 49 في المئة من إجمالى الاستخدامات بموازنة العام المالي الحالي.

وهذا ينعكس أيضا على زيادة نصيب الحكومة من قروض البنوك، على حساب نصيب القطاع الخاص من تلك القروض، حيث كان نصيب القطاع الخاص من الائتمان المحلي 27.5 في المئة في عام تولي مرسي، بينما انخفضت تلك النسبة لأقل من 21 في المئة في آذار/ مارس الماضي.

وكانت أعباء الدين الخارجي من أقساط وفوائد قد بلغت 3.1 مليار دولار في عام تولي مرسي، بينما بلغت تكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد 13.5 مليار دولار في العام المالي 2018/2019، مع امتداد فترة سداد الدين الخارجي حتى عام 2071.

ولم يكتف النظام العسكرى بالاقتراض، حيث استمر في طبع النقود، فقد زادت أرصدة النقد المصدر من 264 مليار جنيه عند إبعاد مرسي، لتصل إلى 582 مليار جنيه بنهاية آذار/ مارس الماضي، بنسبة نمو 120 في المئة.

وهكذا، فإن كل تلك الأرقام السابقة الواردة من بيانات الجهات الرسمية المصرية، خير شاهد على أداء عام تولي الرئيس محمد مرسي وأداء معاونيه، رغم كل ما لاقوه من متاعب وصعاب ومؤامرات محلية وإقليمية ودولية.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (3)
سمير
الثلاثاء، 07-07-2020 05:59 ص
مهما حاولوا إخفاء الحقيقة فلا من يأتي اليوم الذي تظهر فيه الحقيقة جلية فحكم العسكر لا يمكن أن يجلب الخير لأي دولة
ام علياء من اليمن
الثلاثاء، 07-07-2020 12:16 ص
سياخذ الله حق كل مظلوم وعند الله تجتمع الخصوم
الكاتب المقدام
الإثنين، 06-07-2020 11:57 ص
... الشكر موصول لأستاذنا الكريم على البيانات الاقتصادية والمالية الوافية التي يوردها في مقالاته، التي تبين مدى الانحدار الذي وصلنا إليه تحت الحكم الانقلابي للسيسي، بعد أن أغرق البلاد في الديون الداخلية والخارجية، ورهن أصولها لخدمة الدين، واهدر أموالها وأموال الضرائب المتزايدة التي يجبيها من المواطنين، واضاعها على مشروعات مظهرية كتفريعة القناة، والقصور الرئاسية ومدن الأشباح التي يسند تنفيذها بالأمر المباشر بأضعاف تكلفتها الحقيقية، ودون أي دراسات جدوى تبين أهميتها وأولوياتها، وبدون مراقبة أو محاسبة، وكدس الأسلحة التي يشتريها بأثمان باهظة لإرضاء داعميه، ومرهون استخدامها لصالح وتحت سيطرة الدول التي زودته بها، كما اعترف بذلك الجنرال الانقلابي، وبدون أي عوائد اقتصادية كافية لسداد الديون التي مولتها، وسيكون على أبناء هذا الشعب الذين أيدوه وصدقوا أكاذيبه أن يسددوا تلك الديون من أقواتهم، وسينحدرون إلى هوة الفقر، لكي يغتني ويثري على حسابهم من خدعوهم وادعوا كذباً الحنو عليهم لكي ينهبوا ثرواتهم، وللتذكرة فإن الثورة لم يكتمل لها يوماُ إقامة مؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية في سنة حكم الرئيس المجاهد مرسي، فمجلس الشعب المنتخب وهو المنوط به مناقشة واعتماد وإصدار ومراقبة ميزانية الدولة، قامت المحكمة الدستورية العليا بقضاتها الذين عينهم مبارك بحله بحكم مبني على زور وبهتان وانحراف بالسلطة وعدوان على ممثلي الشعب وسلطته التشريعية، واثبتوا لنا بأن ماكنا نخدع به انفسنا من استقلالية القضاء ووطنيته وعدله وحياديته وشموخه، هي أكاذيب رددناها وصدقناها، ولكن الثورة ما زالت في موجتها الأولى، وستدور عليهم الدوائر في يوم قريب، "...وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون."