قضايا وآراء

خلع الحجاب.. هل هو ظاهرة؟!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

بدأت في الآونة الأخيرة، ألاحظ قيام بعض المحجبات بخلع حجابهن، ولم يكن الأمر ليجد اهتماما لولا أن من يخلعنه هن من الدوائر المتدينة، أو القريبة جدا منها، ما جعل الموضوع يثار: لماذا يُخلع الحجاب؟ وما الأسباب الحقيقية وراء ذلك، خاصة أن بعض من قمن بخلعه اهتممن بالإعلان عن الخلع، بنشر صور لهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن بعض من خلعنه كذلك من بيوت متدينة؟ أي إن اتهام البيت بالتقصير ليس سببا مقنعا، وهل هو ظاهرة فعلا أم مجرد حدث مثل بقية أحداث الحياة التي نحياها يوميا؟!

وقد قامت بعض ممثلات تحجبن من قبل، بخلعه، مثل الفنانات: شهيرة، وسهير رمزي، وصابرين، وعبير صبري، وغيرهن، وفي الحقيقة أن معظم هؤلاء إذا نظرنا إلى قضية خلع الحجاب مع وصولهن لسن معينة، يعطيهن هذا الحق شرعا، وهو ما دعا كاتبة كبيرة كالأستاذة صافيناز كاظم، عندما رفعت غطاء رأسها (الحجاب)، وقالت معترفة بكل شجاعة: لقد وصلت لسن أنا فيها من القواعد، كما قال تبارك وتعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور: 60، ولكن بما أن هناك من الناس من فهم الحكم الشرعي خطأ، فقد قام بعضهن بوضعه مرة أخرى.

ونستطيع أن نحصر عددا من محيط الناشطات ممن قمن بخلع حجابهن، كل هذه أحداث نراها ونعيشها، بما يجعلنا نقف أمامها، فهي أشبه بموجة أكبر من كونها ظاهرة خلع للحجاب، بعضها كان عن تفكير وهو قليل جدا، سواء كان مصيبا أم مخطئا، ومعظمها يدور تحت تأثير الخطاب الجمعي، والسلوك الجمعي لمجتمعاتنا.

ومن يتأمل أمر خلع الحجاب في هذه المرحلة فسيجد أنه كان بعد انتكاسات أصابت المجتمع، فالمجتمعات بعد كل انتكاسة تراجع كثيرا من أفكارها وسلوكها، ولذا سنجد أن بعد انقلاب الثالث من تموز (يوليو) في مصر، زادت هذه الظاهرة أو الموجة، فقد حدث ما يشبه الصدمة للكثيرين، فعلى مستوى الشباب حدث للبعض تفلت من التدين، وليس من الدين نفسه. أو ما يمكن تسميته: بظاهرة الهروب من أداء التكاليف الشرعية.
 
حتى إن ما أطلق عليه ظاهرة الإلحاد، ليس صوابا، فلا يوجد في بلادنا ملحدون بالمعنى العلمي والحقيقي للملحد، فالملحد هو إنسان درس الأديان فاكتشف عدم صحتها، وهو ما لا يتوفر في معظم من ينسبون أنفسهم إلى الإلحاد، وهو ما كتبت فيه مقالا بعنوان "ملحدون بلا إلحاد"، فقد أخذوا الاسم دون فكرته الحقيقية، وهي فكرة إنكار الرسل، أو إنكار الإله، بحسب تقسيم الإلحاد.

 

لخلع الحجاب أسباب كثيرة، يمكننا تناولها، لكن الأهم قبله هو الإجابة عن سؤال مهم: هل أعطينا قضية الحجاب أكبر من حجمها سواء في خطابنا الإسلامي، أو في خطابنا العام، إسلاميين وغير إسلاميين، مما جعل الاهتمام يزداد بأخبار خلعه الآن؟!

 



وبالنسبة للفتيات، فقد اتجه حال بعضهن لاهتزاز القناعة، أو التمسك بالحجاب، وقليلات منهن من خلعنه لأنهن درسن نصوصه، وتعمقن في أدلته، واكتشفن أن الحجاب ليس فرضا، أو ليس واجبا، أو ليس من الدين مثلا.. كل هذا لم يحدث في معظم من خلعن الحجاب، بل معظم الحالات لها أسباب تدور كلها بعيدا عن أسباب القناعة الدينية.

وهذا ما يجعلنا نفسر حفاوة علمانيي بلادنا بخلع بعض الفتيات للحجاب، فالحجاب ليس علامة العلمنة، أو علامة الأصولية، فالأصل أن العلماني لا يفرح ولا يحزن للبس الحجاب أو لخلعه، فهو يدعي بحكم علمانيته أنه محايد مع قناعات الناس الشخصية الدينية أو السياسية أو الثفافية، ولكن لأنه لا يوجد عندنا ملحدون بمعنى الكلمة، ولا يوجد في بلادنا علمانيون بمعنى المصطلح، ولا يوجد لدينا إسلاميون أيضا بما تعنيه الكلمة من فهم وسطي ومعتدل للدين، فقد أصبحت حياتنا مملوءة بالقشريين.

فخلع الحجاب يأتي في هذا السياق، سياق السوشيال ميديا، ومواقع التواصل الاجتماعي، وانتقال الأفكار، والتقليد، ليس عن قناعة متجذرة في نفس الشخص، وإنما صناعة رأي متسرع لا ينم عن موقف علمي دقيق ولا أصيل، وهو ما نراه واضحا بيننا في نموذج آخر مهم، وهو الموقف من تهنئة غير المسلم في عيده، فقد كان الإخوان والإسلاميون الذين يمارسون العمل السياسي، قبل ثورة يناير وبعدها يقومون بتهنئة غير المسلمين، وكانت الحفاوة بفتاوى الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع هي المهيمنة، ولكن جاء الانقلاب العسكري في مصر، وإذ بمعظم هذه التوجهات تنقلب رأسا على عقب، فصارت تهنئتهم حراما.. أعلم أن أناسا كانوا يحرمون من قبل، والآن، ولكن العجيب هم الأشخاص الذين كانوا يفعلون ثم فجأة انقلبوا لمحرمين لها.

في هذا السياق يمكن أن نفهم ظاهرة أو موجة خلع الحجاب، وتستطيع أن تراها أكثر في سلوك متدينين كثر، من خلال خطابهم على السوشيال ميديا، أو مواقع التواصل الاجتماعي، والعبارات التي يطلقها الشباب والبنات، لم تكن لتخرج من متدينين ومتدينات، صارت مفردات مصاحبة لعباراتهم وكتاباتهم وتعبيراتهم، ومعظمها من أشخاص خرجوا من بيوت متدينة، وأشخاصها أنفسهم متدينون ومتدينات، كل هذا السلوك تستطيع رصده بعد أحداث الانقلاب العسكري، ولم يكن موجودا قبله، أو لم يكن ظاهرا فجا كما نراه الآن.

ولخلع الحجاب أسباب كثيرة، يمكننا تناولها، لكن الأهم قبله هو الإجابة عن سؤال مهم: هل أعطينا قضية الحجاب أكبر من حجمها سواء في خطابنا الإسلامي، أو في خطابنا العام، إسلاميين وغير إسلاميين، ما جعل الاهتمام يزداد بأخبار خلعه الآن؟!

التعليقات (1)
ما لك يا شيخ عصام!
الخميس، 25-06-2020 12:10 م
الشيخ عصام مواقفه عجيبة وغريبة حقاً. فعندما يكون الكلام عن العلمانيين وأعداء الدين وليس التديّن وأعداء الإسلاميين يكون كلامه معهم وعنهم رقيقاً وملتمساً للأعذار وعندما يكون الكلام عن إخوانه سابقاً من الإخوان تراه قد سن رماحه وسمّمها ووجهها إليهم في الصميم ولا تأخذه بهم رأفة. صحح نهجك يا شيخ عصام، ودعك من هذا التحيز الذي يلمسه الناس أجمعين. لا يا شيخ عصام، خلع الحجاب إنما نتيجة لانقلاب أسود، ليس فقط على إرادة الشعب بانتخابهم رئيسهم ودستورهم ومجالسهم، بل على الدين والتدين اللذين هما مصدر الالتزام بتعليمات الإسلام ومنها الحجاب. فقد فتح الانقلاب المشؤوم جميع الأبواب أمام كل وضيع ومكنه من الإعلام لينشر سمومه ضد كل قيم الإسلام بذريعة التخلص من المتطرفين و"الإرهابيين" في حين أنه هو الإرهاب ذاته. وفي ضوء التنكيل بالإسلاميين والمتدينين والتعريض بهم والهجوم عليهم في جميع وسائل الإعلام، والتهديد المتمثل في التنكيل بكل من يتمسك بقيم الإسلام بدأ الناس يخافون أو يجارون تيار الانقلاب بإظهار أنهم غير متدينين أو إسلاميين وذلك بالتخلص من مظاهر هذا الالتزام ومنها الحجاب. ومن ثم كان انتشار الخلاعة والانحطاط الأخلاقي المهول الذي يلمسه كل من يعيش في مصر. وهذا أمر سهّله اعتقال عشرات الآلاف من الإسلاميين وغيابهم عن الساحة وهم الذين كانوا يقومون بأمر الدعوة بين الناس فكانوا يدفعونهم إلى الخير ويصونونهم بالبعد عن عدم التمسك بالإسلام وتعاليمه. والله يا شيخ عصام، تكون قد فعلت خيراً لو توقفت عن الكلام في أي موضوع سوى المواضيع الفقهية البحتة غير الجدلية فإنك تثير الجدل والخصام والنزاع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

خبر عاجل