اقتصاد عربي

سوريون يلجأون لليرة التركية بعد انهيار عملتهم الوطنية

خبير اقتصادي: كل ما يستطيع القيام به المواطن السوري هو ترتيب أولويات الشراء والاحتياجات الأخرى- جيتي
خبير اقتصادي: كل ما يستطيع القيام به المواطن السوري هو ترتيب أولويات الشراء والاحتياجات الأخرى- جيتي

في غضون أيام قليلة، تدهورت الليرة السورية سريعا، متخطية حدود الـ3000 مقابل الدولار ببعض مناطق الشمال السوري منتصف الأسبوع، بعدما كسرت حاجز الـ2000 مقابل الدولار مطلع الأسبوع الحالي.

 

ويبدو أن اقتراب تطبيق الولايات المتحدة لقانون "قيصر" المقرر في 17 حزيران/يونيو سيترك آثارا وخيمة على العملة السورية واقتصاد البلاد المنهك بفعل الحرب المستمرة منذ 2011، والخلافات الداخلية بين أقطاب النظام، وتوقف عجلة الإنتاج، إضافة لتأثيرات التدهور الاقتصادي في لبنان وإيران.


ومع تحميل الولايات المتحدة بشار الأسد ونظامه المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي بالبلاد، فقد توعدت بمواصلة العقوبات وزيادة الضغط الاقتصادي على النظام حتى يتم "إحراز تقدم لا رجعة فيه في العملية السياسية".

 


وفي حين لم يبد النظام أي تحرك فعال لإنقاذ الاقتصاد المتدهور، فإنه يبرز التساؤل حول ما يمكن للمواطن السوري فعله إزاء الانهيار المستمر في العملة الوطنية، وما يصاحبه من تضخم وارتفاع في الأسعار.

 

اللجوء لليرة التركية

 

وإزاء هذا الانهيار، كشف المستشار الاقتصادي للحكومة المؤقتة عبد الله حمادة عن مساع جادة ليتحول المواطن السوري إلى التعامل بعملة أخرى، وذلك ردا على سؤال من "عربي21" حول ما يمكن للسوريين عمله لتخفيف آثار الأزمة عليهم.

 

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح حمادة أنه منذ عام 2014 عندما طبع النظام فئة 500 ليرة سورية ثم طبع فئة 2000 بشكل كبير جدا في 2017، "حاولنا أن يتحول المواطن لعملة أخرى، واقترحنا وقتها أن يكون الدولار في العمليات الكبيرة وبالليرة التركية بالنسبة لمناطق الشمال السوري، وتبقى الليرة السورية للعمليات الصغيرة".

 

وعن صعوبات "تحقيق المقترح" الذي تضمن أيضا استغناء السوريين في هذه المناطق عن التعامل بالفئات الكبيرة من الليرة السورية (2000، 1000)، قال: "لم يكن هناك آذان صاغية، لأن أصحاب المصالح (لم يحددهم) تجاهلوا ذلك، وعملوا على إحضارها للمناطق المحررة، وكان لهم دعم من طرف النظام. وكنا في مشاكل عويصة".

 

اقرأ أيضا: الليرة السورية تسجل انخفاضا قياسيا قبل بدء سريان "قيصر"

ومواصلة لتطبيق المقترح، تابع حمادة: "توصلنا إلى منع فئة الـ2000 عبر اجتماع مع تسعة مجالس محلية في المناطق المحررة، بحيث يتم منع هذه الفئة، وتم تطبيق ذلك لمدة شهرين لكن بعض "أصحاب النفوس الضعيفة" من الفصائل والمجالس المحلية أعادوا التعامل بهذه الفئة.


وأكد أن المشكلة تكمن في "عدم وجود صاحب قرار أو سلطة تستطيع فرض أي قرار بالمناطق، لذلك فإن لدينا فوضى عارمة أثرت على المواطن السوري بصورة كبيرة مع ارتفاع الأسعار، خاصة العمال الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة السورية".

 

وأفصح حمادة عن مجريات اجتماع تم مؤخرا مع رجال الأعمال كي يتم صرف الرواتب للعمالة بالدولار أو بالليرة والتركية في المناطق المحررة في الفترة الحالية، ويكون هناك سعر دائم في المتاجر بالليرة التركية وبالليرة السورية.

 

وأردف: "لا يمكن التخلص من كميات النقد السورية المتداولة بين الناس بسرعة، ولا بد  في ذات الوقت من وجود جهة تتحمل سحب هذه النقود من السوق وإعادتها للنظام، لكنها غير موجودة".

 

وفي ذات المساعي، تحدث حمادة عن اجتماع جرى في الأيام القليلة الماضية مع والي "كلس" التركية لمناقشة بعض القضايا السورية، وقال: "طالبنا ببعض الأمور الاقتصادية، ومنها دعم المنطقة بالقطع النقدية التركية".

 

وتوقع أن تدخل قريبا قطع نقدية تركية من فئات صغيرة للمنطقة كي يتم التداول بها إلى جانب فئات "500 و200 و100" من الليرة السورية الموجودة في السوق، موضحا أن أغلب الرواتب التي باتت تصرف عبر فروع البريد التركي "PTT" المنتشرة بهذه المناطق باتت تتضمن فئات الـ5 والـ10 ليرات تركية.

 

وبحسب ما نقلت مواقع سورية محلية، فإن مراكز "PTT" المنتشرة في ريف حلب الشمالي ضخت الثلاثاء كميات كبيرة من العملة التركية والمعدنية (فئة ليرة تركية).

 

وأعرب حمادة عن أمله في أن تقتنع المجالس المحلية والسلطات بالمنطقة بضرورة استبعاد المصلحة الشخصية في أن يعودوا لإحضار قطع ليرة سورية من الفئات الكبيرة، مشيرا إلى اجتماع تم الثلاثاء الماضي مع أعضاء مجلس محلي إعزاز، الذين أبدوا تمسكهم بهذه النصيحة "من أجل التخفيف على السوريين".


وفي ظل بقاء "مقومات انهيار الليرة السورية قائمة"، توقع حمادة أن تتراوح بين 2500 و3000 مقابل الدولار.

ماذا بوسع السوي أن يفعل أيضا؟


وحول ما يمكن للمواطن السوري أن يفعله أيضا للتخفيف من آثار الأزمة، أوضح حمادة أن "المواطن ليس صاحب قرار والنتيجة الكارثية عليه، وعندما تكون هناك إمكانية وإرادة لإقامة مشاريع صغيرة تنشط في المنطقة بشكل كبير جدا يمكن أن تتحسن فرص العمل والدخل حتى لو حدث تضخم فإن الإنتاج والدخل الذي يوازي التضخم يقلل من حدة المشكلة".

 

وقال: "لكن هذا ليس من صلاحيات المواطن، نحتاج دولة أو مؤسسات كبيرة تقوم بطرح مشاريع في المنطقة وتعمل على تنميتها اقتصاديا وتزيد فرص العمل، في ذلك الوقت لو حدث انهيار بالليرة مع زيادة الدخل فلن يؤثر كثيرا على المواطن".

وكذلك يرى الخبير الاقتصاد يونس كريم أن "المواطن السوري لا يستطيع مواجهة التغيرات الكبيرة بسعر صرف الليرة السورية".

 

اقرأ أيضا: 20 عاما على حكم الأسد الابن.. حرب أهلية ومصائب تتراكم

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح كريم أسبابا لذلك، تتمثل في أن طول فترة الحرب في سوريا أدى إلى "ضعف المرونة"، حيث بات 93 بالمئة من الشعب السوري (الأسرة المكونة من 5 أشخاص) يعيشون بمعدل أقل من دولار في اليوم، كما أن 80 بالمئة يعيشون تحت خط الفقر، ويبيعون ممتلكاتهم من أجل شراء حاجياتهم الأساسية.

 

ويشير إلى تأثر المواطن السوري جراء توقف الحوالات المالية من المنظمات الإغاثية والأممية نتيجة القوانين الدولية، وبسبب جائحة كورونا، وبسبب سياسات البنك المركزي الذي انضم إلى الصراع بين جانحي أسماء الأسد ورامي مخلوف.

 

ويقول الخبير الاقتصادي: "كل ما يستطيع القيام به المواطن السوري هو ترتيب أولويات الشراء والاحتياجات الأخرى".


ونبه إلى أهمية أن يبتعد المواطن والتجار ورجال الأعمال عن المضاربة على سعر الصرف، نظرا لأنها متذبذبة تتحرك هبوطا وصعودا بسرعة، وبالتالي تلحق بالمواطن خسارة جراء التحويل المتكرر من الليرة إلى الدولار، كما أن ذلك يزيد من انخفاض قيمة الليرة السورية.


وطالب التجار ورجال الأعمال أن يعملوا على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين عبر دعم الطبقات الفقيرة بالمساعدات الشخصية أو عبر الجمعيات الخيرية.

التعليقات (0)