قضايا وآراء

المغتربون والمهاجرون الأردنيون على صفيح ساخن والحكومة تعيش نشوة السلطة

صلاح الدين محمود المومني
1300x600
1300x600
قبل عدة أيام، أعلن حاكم تكساس جريج آبوت (Greg Abbott) حالة الطوارئ، واعتبر الولاية منطقة منكوبة وعلى نطاق كل المقاطعات. هذا الإعلان يأتي في وقت أعلن فيه الرئيس ترامب عزمه على تدخل الحكومة الفيدرالية في قضايا تعتبر خاصة بالولايات ومنوطة بها وفق نظام اللامركزية، وذلك في حال عدم قدرة أو رفض حكام الولايات والإداريين المحليين إعلان الطوارئ، ووضع المدن تحت القبضة العسكرية المحلية. وبكل صلف أعلن ترامب عزمه على التدخل عسكريا من خلال إنزال الجيش الأمريكي الفيدرالي.

حيثيات هذه القرارات مثيرة جدا، والمدلولات تؤكد أن الخطر يحيط بالمدن الأمريكية وأنه قد تتفلت الأمور، وربما نرى الأسوأ في شوارع أمريكا ومدنها. ولعلي منذ أن رحلت إلى هذه القارة قبل أكثر من ثلاثين سنة، ورغم الحروب الخارجية التي خاضتها أمريكا عالميا، لم أسمع ولم أرَ مثل هذا التطور الخطير الذي ينبئ بمستقبل غامض للولايات ولحالة الاستقرار فيها.

في أمريكا، هناك حالة تجييش لأطراف كثيرة؛ تجييش ضد الأمريكيين البيض والملونين وخصوصا العرب، كما هناك تجييش ضد السود. الفوضى الثأرية هذه لم نعهدها في أمريكا من قبل، وربما هي الأسوأ منذ زمن بعيد يصل إلى خمسينيات القرن الماضي وحراك الحريات والحقوق المدنية، ولا ندري حقيقة ما سيؤول إليه الحال.

وسط هذا التشاؤم المقرون بالعنف، يقبع المغتربون والمهاجرون الأردنيون والعرب في مدنهم تحت وطأة التمييز والشعور بالمسؤولية، خصوصا أن الشرارة انبعثت من متجر عربي، فاعتبره البعض متسببا بمقتل جورج فلويد كما طالب آخرون بتحميله جزءا من المسؤولية لكون إحدى موظفاته هي التي اتصلت بالشرطة، بل بلغ الحد أن طالبت مجموعة بعدم الاتصال بالشرطة إن حدث خلاف مع شخص أسود.

السؤال الذي قد تكون الإجابة عليه في غاية الصعوبة، هو: "ما المتوقع للأيام القادمة، وهل ستموت قضية فلويد بعد دفنه؟". ربما الصعوبة في الإجاية عن هذا السؤال تكمن في كون أنّ الغيبيات لا تحكمها مؤشرات الأحداث حينما تكون متقلبة بسرعة وفجائية المسار، ويصعب التنبؤ والتحليل لأن الظروف الحالية غامضة جدا، بعد دخول هذه الضائقة على خط جائحة كوفيد- 19 التي تتزايد وزاد عدد ضحاياها عن 100 ألف، ونُكست الأعلام لهذه الخسارة.

بالأمس انتشر فيديو لرئيس منظمة أمة الإسلام، يتحدث فيه عن نوايا لدى الإدارة الأمريكية لقتل المسلمين في أمريكا، ووصف تهديدات الرئيس ترامب بأنها مباشرة ويراد منها التعبئة لخوض حرب تصفية داخلية ضد مسلمي أمريكا (يبلغ عدد مسلمي أمريكا حوالي تسعة ملايين من كل الجنسيات). هذا التصريح يحمل خطورة لا نظير لها، حيث قد يضع بعض القيادات الشابة أمام الخيار الصعب ومواجهة الشرطة أو الجيش عسكريا، ولم يحدث هذا بصورة جماعية من قبل، لكن ظل في إطار فردي وشراذم متفرقة من المحاولات، لا تتعدى أي منها بضعة أفراد في الماضي، غير أنه سيشتد بعد تهديد الرئيس معلنا استعداده لإنزال الجيش الفيدرالي (فرق كبير بين نزول الجيش وقوات الأمن الفدرالية)، حيث يعني الكثير حتى لو ظل على مستوى التهديد ولم يرق إلى الفعل.

هناك ضبابية فيما يتعلق بالمستقبل القريب في أمريكا، والأحداث هذه ليست فقط من أجل مقتل فلويد، بل هي حالة احتقان بين المتشددين من جماعة ترامب وجمهور كبير مختلف تعددت أهدافه. فالسود لهم أهدافهم المتعلقة بالحريات والمساواة، كما أن هناك حالة ثأر قديمة مرتبطة بما جرى لهم على أيدي الأمريكيين البيض من قبل. والملونون يبحثون عن الأمان في مهجرهم ولا يريدون العودة بالأحوال لتتشابه وظروف بلادهم التي خرجوا منها، خصوصا أن أولادهم تصعب عليهم العودة إلى البلاد التي خرج منها الآباء لأسباب كثيرة.

المهاجر العربي- الأردني يعيش حالة ضياع للهوية، فنحن لا نستطيع التعامل مع الواقع الأمريكي واعتباره موطننا الأصلي رغم الولاء له، كما لا توجد حكومة في الوطن الأصلي تتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنها المهاجر أو المغترب، حتى وهي تخصص وزارة لهم ولهمومهم.

وقد كشفت جائحة كورونا فشل هذه الوزارة خاصة والحكومة بشكل عام بعدم إدراج المغتربين على سلم أولوياتهم، بل هناك تنكر لهم ولدورهم في بناء الوطن. كذلك صحبت حالة الفشل حملة من قبل حكومة الظل أو نشطاء الحكومة ورسميي الدولة السابقين (أبناء الدولة) ضد المغتربين والمهاجرين، تسببت بإيجاد شرخ بين المغترب والموطن الأصلي، وصل حد خيبة الأمل وربما القطيعة. ولن نعجب لو حدثت حملة تنازل عن الجنسية الأصلية كردة فعل على تقصير وإهمال وفشل المسؤولين، وما وصلت إليه الحال كعداوة البعض ممن ذكرت للمواطن المغترب.

نحن نعلم أن المغتربين هم مصدر قلق للحكومة ولا تريدهم بين صفوف المواطنين بأكثر من زيارة صيفية وحوالات بنكية، ذلك أن المغتربين خاصة في البلاد الغربية؛ تغيرت مفاهيمهم ولم يعودوا قادرين على قبول السلطة المطلقة التي لا زالت هي الميزة الرئيسية لنظام الحكم في الوطن الأصلي، لهذا وجدنا أن الحكومة ووزارة الخارجية والإعلام التابع للحكومة، قد أسقطوا الأردنيين المغتربين من حساباتهم وتخلوا عنهم، بل قاموا يجلدونهم بسياط كانت أشد قسوة من ظروف الغربة ذاتها، وأكثر فعلا من التمييز العنصري الذي نتعرض له في كل مناحي الحياة. تمييز ضد بشرتنا، وحجاب نسائنا، وعدم ذوباننا فيما لا تقبله شريعتنا وتقاليدنا، بل تمييز حتى ضد أسمائنا. كل هذا يجعل المغترب- المهاجر فريسة سهلة في حال اندلاع الفوضى وامتدادها.

الحكومة لم تقم بأي شيء حتى اللحظة للاطمئنان على رعاياها. السفارة دائما تطالبنا بعناويننا والبريد الإلكتروني و... لكن لم يصدر عنها أي رسالة عبر الإيميل، تقدم فيها نصائح وتطمئن على مواطنيها.

هذا التقصير لا عذر فيه للمسؤول، وعدم التواصل يعني أن المغترب ليس أكثر من عضو تم بتره من جسد الوطن ولا يهم الحكومة بشيء، ولو قدمت له خدمات كما هي حالة كورونا سيتم استغلاله ماديا لأقصى حد ممكن.

قبل ما يقرب من ثلاثين عاما، حينما هددت إسرائيل باجتياح الأردن في بداية حرب الخليج، كنت في مستهل اغترابي، ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف منتشرة أبدا، وكنا ندفع نصف رواتبنا للاتصال بالأهل. وجدت أن الوفاء للوطن (كنت وطني أوي) أن أضع عنواني ورقم هاتف المنزل لدى إحدى القنصليات. اتصلت بقنصلية أردنية حينها، وقلت لمن رد على الهاتف وكان بمرتبة قنصل: هذا رقم هاتفي وعنوان بيتي لو رأيتم أن الواجب العودة والدفاع عن بلدي ضد الصهاينة، غير أنني لم أتلق إلا اتصالين. في الاتصال الأول عرض سعادته أن أدفع 6000 دينار مقابل خدمة العلم، حيث صدر قانون في ذلك الوقت يسمح بدفع بدل خدمة العلم. أما الطلب الثاني فكان من قبل ذات الشخص، إذ أبلغني أن الحكومة تطلب تبرعات من المغتربين، وأخبرني أنني مختارهم لأقوم بهذا الفعل، وبالتأكيد رفضت الانصياع لرغبته في الطلبين.

هذه هي حكوماتنا منذ ذلك الوقت، لم تتغير ولن تتغير. فقط سيتصلون بك أيها المغترب لو أرادوا تعبئة جيوب الفاسدين. كنت أستغرب عدد شحاذي الإشارات الضوئية في الأردن، لكن تساءلت مؤخرا، لم الغرابة والحكومة مثلهم الأعلى؟
التعليقات (0)