قضايا وآراء

كورونا وخطة السيسي لتفتيت المصريين

محمد ثابت
1300x600
1300x600
كما جميع الطغاة، يستثمر عبد الفتاح السيسي كل الأحداث السيئة التي تمر ببلاده لحسابه ليبدو مُستقرا على كرسيه فوق رقاب الجميع، ومنها فيروس كورونا المُستجد الذي لم يستطع مع مُستبدي العالم القبض عليه ووضعه في السجون والمعتقلات بحسب "نيويورك تايمز" في الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل، ليكون حاكم مصر المُنقلب أكثرهم فقدا لاتزانه ورغبة في تقسيم شعبه أكثر.

فبينما يُصر المُتحدث باسم الحكومة حتى مساء الثلاثاء 7 من نيسان/ أبريل على وجوب عدم مغادرة المصريين لبيوتهم؛ كان السيسي قد أسرع بنهار نفس اليوم حين تفقده استعدادت القوات المسلحة لمواجهة الفيروس؛ بإعلان عدم "رؤيته" للحظر الكامل، وهو ما استدعى حذف خبر المُتحدث باسم الحكومة من موقع "المصري اليوم".

فالفيروس الذي زار السيسي بالفعل ونجا منه وعائلته في آذار/ مارس الماضي، بحسب موقع "ميدل إيست آي"، مُخلفا وراءه مناعة أضعف لـ"الجنرال"، لم يدفعه للتفكير في التكفير عن خطاياه في حق المصريين؛ بل دعاه للتجبر عليهم أكثر ومعايرتهم بعدم ارتدائهم الكمامات.. وتهديده لهم ضمنيّا بأنهم حال انتشار الوباء بينهم؛ فلن يعود السبب لسياسته المُتضاربة مع العِلم وحكومته والمُناقضة لمناشدات الأطباء للمصريين بعدم الخروج للشارع.

لم تمنع المأساة الجنرال المتعجرف من أن يُمثل متسائلا في واقعة مسرحية يوم 8 نيسان/ أبريل، أمام بُسطاء يعملون بالمعمار في القاهرة دون ارتداء كمامة في مشروع تحت إشراف الجيش؛ عن "المسئول المدني إللي هنا"، رغم وجود ضابط عسكري أمامه، في ما رأه المصريون تحقيرا واضحا لفئة المدنيين الذي يمثلون نحو 97 في المئة منهم، فيما السيسي لا يرتدي كمامة من الأساس في نفس الواقعة؛ بعد أن أعاد عمال المعمار للعمل منذ بداية نيسان/ أبريل (رغم استمرار انتشار الفيروس) استجابة لرغبة رجال الأعمال الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة، مع مراعاته زيادة الاحتقان بين الفئة الأخيرة القليلة والمصريين الذين يعملون تحت إدارتهم.

وضمن استفادة السيسي من تخبط وقلة وعي بسطاء المصريين تجاه الفيروس، كانت واقعة رفض أهالي إحدى القرى دفن طبيبة توفيت به، ليُبرز وأتباعه أنيابهم وليبطشوا البطشة الكبرى بمانعي دفن الطبيبة. فمع خطيئة الأخيرينَ الكبرى غفل كثيرون من شاتمي أهل القرية جميعا بخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي (لا مانعي دفن الطبيبة فحسب) عن أنه للمرة الأولى عقب الانقلاب يتم ضرب مصريين بالقنابل المُسيلة للدموع برضاهم جميعا من مؤيدين ومقاومين؛ والأمن الضارب يُعد على حق لدى الطرفين، فقد نجح مخطط السيسي لسنوات سبع في إحداث خلل وانشقاق داخلي تجاوز الخلاف السياسي إلى خلاف اجتماعي أشد، ظهرت أقوى بوادره عبر الفيروس في صورة واقعة دفن جثمان السيدة الفاضلة الطبيبة.

والحقيقة فإن المُدقق في الحادثة سيراها تُمثل تعبيرا واضحا وظاهرا عن المرحلة التي يعيشها أهل مصر، فيبدو الظلم والقهر شديدا على رؤوسهم، ومن هنا يستشري الضعف والتخبط لأبعد حد، ويطفو الغل والحقد بين بعض الناس/ لا على الظلمة، فهؤلاء لا يملك البسطاء إليهم سبيلا، وإنما يُفرغون غيظهم على المستضعفين من أمثالهم؛ فيبطش الذي يظن نفسه أكثر قوة بالأقل منه أو الأضعف.. والحقيقة أن الجميع مظلومون علموا أو لم يستوعبوا، لتجيء قوات الظالم نفسه لتحل الإشكالية بينهم، مُدعية الانتصار المُزيف للقيم، ومُفتتة أكبر قدر ممكن من الباقي منها ومن أصيل لُحمة ونسيج واستقرار الشعب المصري.

ليس السيسي قويا على الإطلاق لكن مقاوميه لا يملكون القوة أو الإصرار مثله، فشدته في الباطل غلبت عزيمتهم على الحق، ولذلك نجح في تفتيتهم، وجعلهم في كل واد يتفرقون لكي يبقى الجميع يدور في مساحة ترضي السيسي وتزيد من تمكنه من رقاب الجميع.

وتستمر الملهاة بفصولها البالغة المأساوية من تحزب وانشغال ومعاداة طرف من المصريين في الداخل والخارج لبعضهم بعضا، فالأطباء (وهم على حق) يرون الجيش والشرطة والإعلام والقضاء يأخذون امتيازاتهم الحقيقية، ورواتبهم المستحقة، بخاصة أن أصحاب المعاطف البيضاء يقفون في الصف الأول ضد الجائحة ويقدمون أرواحهم فداء لوطنهم، فيما غيرهم بعيد عن المواجهة ويأخذ أضعاف رواتبهم. ويثير النظام هذه الفتن بإصراره على إزكاء الفتنة باستمرار أوضاع الأطباء المتدنية؛ وإغاظتم بتسميتهم "الجيش الأبيض" دون تكريمهم التكريم اللائق في المحيا والممات كالمُشبهين بهم من الجيش الحقيقي.

ومن آيات ذلك التمييز والطبقية المستعرة مع الجنرال السيسي على درب وطريق الطغاة البالغ الطول: "فرق تسد"؛ يقف أحد حراسه الشخصيين في واقعة "فين المدني؟" التي ذكرناها سابقا باسطا يديه على وسعهما لمنع عسكري أو مدني من الاقتراب من السيسي. تلك هي الحقيقة حتى بعيدا عن "كورونا"، فالسيسي لا يريد في الحقيقة أن يجاوره أو يقترب منه "مصري" سوى خاصة خاصته المُقربين.. بعد أن يفتتهم جميعا بين مؤيدين ومقاومين، أطباء وجيش، ومدنيين وعسكريين، ليبقى "هو" فوق رقاب الجميع إلى حين (نرجو أن يكون قريبا) أن يفيقوا ليتخلصوا منه.
التعليقات (1)
توكل مسعود
الإثنين، 04-05-2020 03:13 م
حياك الله..يا أستاذ محمد ثابت... سمت كل الطواغيت "علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم" لم أر لها مثيل في عصرنا مثل هذا ال