أفكَار

هل ترويج وصفات علاجية مستقاة من الدين تخدمه أم تضره؟

جامعة إيجة التركية تنهي الخطوة الأولى من مشروعها الخاص بتطوير لقاح محلي ضد فيروس كورونا- (الأناضول)
جامعة إيجة التركية تنهي الخطوة الأولى من مشروعها الخاص بتطوير لقاح محلي ضد فيروس كورونا- (الأناضول)

بعد تفشي وباء كورونا حول العالم، كَثرت الدعاوى التي يطلقها أُناس يزعمون فيها أنهم توصلوا إلى وصفات علاجية لفيروس كورونا، بعضها مستقى من أحاديث نبوية، والبعض الآخر يتكون من خلطات عشبية، ما يثير في العادة ردود فعل ساخرة تستهجن اندفاع أصحاب تلك الدعاوى وتهورهم الشديد. 

ومما كان لافتا ما أعلن عنه، الشهر الماضي، مدير مركز أبحاث الطب النبوي بجامعة الإيمان اليمنية، محمد الزنداني، نجل السياسي والداعية اليمني المعروف عبد المجيد الزنداني، من أنه توصل "لعلاج ناجع يقضي على الفيروس وعلى أعراضه في فترة لا تتجاوز الـ72 ساعة".

وأضاف في تدوينة له نشرها عبر صفحته على "الفايسبوك": "ونحن الآن بصدد استكمال الإجراءات البحثية له في إحدى الجامعات البحثية التركية (حيث يقيم حاليا) بعد توقيع عقد الاتفاقية معها"، لافتا إلى أنه "بعد استكمال الإجراءات الروتينية للبحث العلمي في هذه الجامعة، وفي مدة لا تتجاوز الشهر سيتم رفع النتائج لوزارة الصحة من قبل الجامعة".

 



أثارت تدوينة الزنداني حينذاك موجة من التعليقات الساخرة والمتهكمة، كما أنها فتحت باب التساؤل على مصراعيه بشأن تلك الدعاوى التي يزعم فيها أصحابها امتلاكهم لوصفات علاجية ناجعة، استخلصوها من أحاديث نبوية، أو خلطات عشبية مجربة، من غير أن يخضعوها لأبحاث علمية متخصصة، وبالتالي إجازتها واعتمادها من قبل مؤسسات صحية وطبية معتمدة. 

يشير أستاذ علم الأدوية بجامعة الملك خالد بالسعودية، الدكتور أنور حمدي، إلى أن "الكثيرين ممن يتكلمون في هذا الموضوع يعتمدون على كتاب الطب النبوي لابن القيم، وفيه أحاديث ضعيفة لا يمكن الاحتجاج بها بحسب باحثين في الحديث النبوي وعلومه". 

 



وحول ما ينبغي اتباعه في مثل هذه الدراسات أوضح حمدي لـ "عربي21" أنه "لا بد أولا من التأكدّ من صحة الحديث المستدل به، ومن ثم يجب إجراء دراسة علمية موثقة تتبع الأصول العلمية المتعارف عليها، واصفا "أكثر ما يقال عنها دراسات في هذا المجال بأنها لا تتبع الأصول العلمية، وبالتالي فهي تضر أكثر مما تنفع". 

وتعليقا على ما يقال من وجود أدوية مستخلصة من بول البعير تعالج أمراض الكبد والقلب وغير ذلك، ووجود دراسات أخرى حول نجاعة الحبة السوداء في معالجة سلالات فيروس كورونا، قال حمدي: "ليس لدي معلومات تثبت هذه الأقوال علميا، وبالتجربة المخبرية والسريرية"، لافتا إلى أن "معظم من يتكلمون في هذه الأمور غالبا ما يكون كلامهم مبهما، وغير مدعم بأية وثائق علمية للأسف".

وفي الإطار ذاته قال الصيدلاني الأردني، سلام أحمد مصلح: "مجرد ورود استعمال الرسول عليه الصلاة والسلام لتلك الأعشاب أو حثه عليها، لا يعد مبررا من الناحية العلمية لاعتمادها في التداوي، لأن العلم يعتمد طريق التجربة والفحص، والأمانة العلمية تقتضي أن لا يوصف دواء لمرض ما، دون أن يمر بمراحل فحص وتدقيق لإثبات فاعلية هذا الدواء من جهة، وكونه آمنا من جهة أخرى، فضلا عن تحديد الجرعة العلاجية التي تضمن أقصى فعالية مع أقل قدر من الضرر أو التداخل مع العلاجات الأخرى". 

وأضاف في حديثه لـ "عربي21": "مبدئيا لا يوجد ما يمنع من أن تكون تلك الوصفات مفيدة، لكنها تبقى بحاجة إلى تحقق ودراسة لعدة أسباب من أهمها: أنه لو ثبت أنها تعالج مرضا ما فإنها ربما كانت سببا في مفاقمة حالة أو حالات مرضية أخرى، وربما يكون لها أعراض جانبية لبعض الأشخاص أكبر من فائدتها المزعومة". 

 



وتابع: "إن خلط عدة أعشاب مع بعضها أو مع مكونات طبيعية أخرى كالعسل قد ينتج عنه تفاعلات تتسبب في تكون مواد أخرى، قد تكون ضارة أو ربما نتج عنه إضعاف فاعليتها، ما يعني أن عملية خلط الأعشاب ليست مسألة بسيطة كما يتوهم الكثيرون، وقد يكون لها نتائج خطيرة على صحة وسلامة متعاطيها". 

ونبه مصلح إلى "ضرورة التفريق بين ما هو غذاء يقوي بنية الجسم ومناعته كالعسل والحبة السوداء، وبين التعامل معها كعلاجات لأمراض محددة، لذا فلا أجد من المناسب تقديم تلك الوصفات كعلاجات حتى تثبت فاعليتها وأمانها".

ولفت إلى أنه بحكم اهتمامه بالدراسات المتعلقة بالطب النبوي فإنه يرى أنه "من غير المناسب التعامل مع استخدام الحبة السوداء أو بول الإبل وغيرها كعلاجات، لأن من العلماء من ذهب إلى أنها ليست جزءا من الدين، ولم يثبت أنها وحي سماوي، بل هي من واقع التجربة والبيئة، فالنبي كان يتداوى كما يتداوى الناس بعلاجات ووصفات وضعها السابقون بناء على التجربة البسيطة وغير المحكمة، وربما ثبت عدم جدواها". 

واستدرك بالقول: "لكنني في المقابل لست مع بعض الأصوات التي تجعل من تلك الوصفات خرافات مؤكدة، نافين في الوقت ذاته أي احتمال لكونها نافعة، فهذه الادّعاءات أيضا غير علمية، فأكثر تلك الأعشاب المستخدمة تحتوي على مواد طبيعية، ولا يوجد علميا ما يمنع من إمكانية وجود أثر دوائي لها، أو لبعض مكوناتها، لكنها تحتاج إلى إثبات بالطرق العلمية الصحيحة". 

من جهته أكدّ مدير عام المستشفى الإسلامي بالأردن، أخصائي الأمراض الباطنية، الدكتور محمد حسن الذنبيات، أن "الطب الحديث قائم على الدليل وفق منهج علمي معروف" لافتا إلى أنه "ينظر إلى الأحاديث النبوية الواردة في مجال التداوي إنما ذُكرت على سبيل الإرشاد، وهي تمثل تجربة وثقافة ذلك العصر".

 



وردا على سؤال "عربي21" حول مدى تأثير تلك الوصفات العلاجية المستقاة من الأحاديث النبوية على صورة الدين ونقائه، أبدى تحفظه الشديد على "تقديم تلك الإرشادات باعتبارها وصفات علاجية، وهو ما قد يضر الدين ويشوه صورته أكثر مما يخدم الدين وينفعه". 

لكن كيف ينظر علماء الدين إلى ما اصطلح على تسميته بـ"الطب النبوي" بكل ما يتضمنه من وصفات علاجية تستخدم كأدوية لأمراض محددة؟ أجاب الباحث الشرعي، مدير مركز الإمام الشافعي بالأردن، الدكتور سمير مراد بقوله: "لا أرى أن تقدم الأحاديث النبوية على أنها وصفات طبية، لأن الله تعالى بعث محمدا نبيا ومشرعا، ولم يبعثه طبيبا، وعليه فلا يصح تقديمها باعتبارها وصفات طبية محضة، إذ ليس هناك شيء اسمه الطب النبوي" على حد قوله. 

 



وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ما ورد في تلك الأحاديث إنما هو للإرشاد فلا يعتمد كوصفات علاجية، إلا إذا تأكد ذلك بمؤكد آخر كالقرآن، وهو ما ثبت في نوع واحد على حد علمي وهو العسل للإسهال، أو أن يثبت بتجربة طبية سابقة أو لاحقة، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء موافقا في الطب لا منشئا مبتدئا". 

أما "بخصوص ما ذكر من التداوي بأبوال الإبل، والحبة السوداء، فالأمر لا يعدو أن تكون علاجا لكل داء هي تعالجه، وهو ما يعرف من جهة الطب بالتجربة العلمية، لا بالظن وليست علاجا عاما لكل مرض، بل قد تكون داء لبعض الأمراض" بحسب الباحث الشرعي مراد.  

وتعليقا على ما ينقل عن ابن القيم صاحب كتاب "الطب النبوي" من تأكيده على أن طب الرسول عليه الصلاة والسلام "ليس كطب الأطباء، فإن طبّ النبي عليه السلام متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب.." أوضح مراد أنه "يجل ابن القيم كثيرا، ويحترم رأيه واجتهاداته، لكنه كغيره من العلماء يخطئ ويصيب في آرائه واجتهاداته، ورأيه هنا مما يمكن مخالفته فيه". 

وعلل ذلك بأن "الطب من أمور الدنيا التي عرفها الناس قديما، وقبل الرسول عليه الصلاة والسلام وبعده، ولذا قال: "تداووا عباد الله"، وقال: "ارقوا ما لم يكن شركا"، وقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، وقال: "وما يدريك أنها رقية"، ولقد قامت الدنيا كلها على اعتبار طب الأطباء دون نكران، وعليه فدعوى القطعية ونفي اعتبار التجربة مرفوض، خصوصا أن مدعي الطب يطبقون بعضا مما وصف ابن القيم فأفسدوا لأنهم ليسوا أصحاب تجربة، ما يدلل على أن النبي جاء بما يعرفه الناس طبا، ومارسه عملا".

في المقابل ذهب الداعية السلفي المغربي، حسن الكتاني إلى القول بأن "جمهور العلماء اتفقوا على أن ما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام من أدوية في ما ثبت عنه في أحاديثه الصحيحة إنما هو وحي يوحى، وسنة نبوية، وليس مما جرت به عادة الناس من قبله وفي زمانه، كما زعم ذلك ابن خلدون في مقدمته وتابعه عليه كثيرون". 

 



وأكدّ في تصريحاته لـ "عربي21" على أن "كثيرا من علمائنا السابقين عقدوا أبوابا وفصولا للطب في مصنفاتهم، كالبخاري في صحيحه وغيره من أصحاب الكتب الحديثية المعروفة، كما أن من العلماء من أفرد مصنفات مستقلة للطب النبوي كالعلامة ابن القيم، الذي أفرد المجلد الرابع من كتابه (زاد المعاد) لذلك". 

وختم حديثه بالإشارة إلى أن تلك الوصفات النبوية قد ثبتت نجاعتها في كثير من الحالات المرضية، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما كان يصفها فإنه كان يعلم مدى نجاعتها لتلك الأمراض، لكن قد يتخلف الشفاء بذلك الدواء لأسباب متعددة كما يتخلف ذلك في الطب أيضا". 

التعليقات (0)