أفكَار

العلم والدين في مواجهة كورونا.. هل تكاملا أم تنافرا؟

خبراء عرب: لا تعارض بين الدين والعلم في التعامل مع الأوبئة- (الأناضول)
خبراء عرب: لا تعارض بين الدين والعلم في التعامل مع الأوبئة- (الأناضول)

يوما بعد يوم تتعدد الأسئلة بشأن فيروس كورونا المستجد وتتعمق الحيرة في فهمه.. لا العلم قدم الإجابة الشافية والدواء الحاسم الشافي من الداء، ولا الدين استطاع أن يحمي الإنسان من ويلات هذا الفيروس، الذي أودى بأرواح الآلاف والحبل على الجرار..

 

لكن هذا الغموض المحير، أوجد حيوية فكرية وعلمية، ليس في تقديم تشخيص للداء في حد ذاته فحسب، وإنما أيضا في فهم التداعيات الممكنة له في الحياة العامة.

 

الإعلامي بسام ناصر، يقدم في هذا التقرير الخاص بـ "عربي21"، نموذجا للجدل الفكري الدائر بشأن هذه الجائحة، من الزاويتين العلمية والدينية..

 

دعوة للتوبة

 

في الوقت الذي تحرص فيه الهيئات العلمية الطبية على تقديم تفسيراتها العلمية لفيروس كورونا، سعيا منها لإشاعة الوعي الصحي بالتزام التعليمات والإرشادات الصادرة عنها، ترتفع أصوات دينية مؤكدة على أن انتشار هذا الفيروس بصورته الواسعة التي اجتاحت العالم ما هو إلا رسائل سماوية للبشرية، تنبهها على ما وقعت فيه من ظلم وطغيان وامتهان لكرامة الإنسان.

ولا تنفك تلك الجهات والشخصيات الدينية عن دعوة عامة الناس إلى التوبة والإنابة والرجوع إلى طريق الأنبياء والرسل، والتشبث بالأخلاقيات الدينية والإنسانية، بعد أن جرى تهميشها في غمرة الصراعات السياسية والاقتصادية المحتدمة بين اللاعبين الكبار على مسرح الأحداث العالمي.
 
وصاحب ذلك تداول وصفات عشبية بعضها مستقى من نصوص دينية كالحديث النبوي "الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام" أي الموت، كما اعترض متدينون على قرارات رسمية بإغلاق المساجد ودور العبادة، معللين اعتراضاتهم بأن من أسباب دفع البلاء والوباء حينما ينزل بالناس، ضرورة التضرع إلى الله والفرار إليه، والاجتماع على دعائه مع الأخذ بكل الإجراءات الاحترازية التي تطالب بها الهيئات الطبية، وليس التوجه لإغلاق المساجد ودور العبادة.
 
في غمرة الجدل الدائر بين وجهات النظر المختلفة، تثور تساؤلات حول دول العلم والدين في مواجهة تفشي الوباء، وهل توجيهاتهما لاحتواء تداعياته الخطيرة كانت تكاملية أم بغى أحدهما على الآخر؟ وكيف يمكن لعلماء الدين والأطباء القيام بواجب توعية الناس وتوجيههم لمواجهة تفشي الوباء كل من منظوره الخاص به؟

 

علاقة تكاملية

يرى مدير عام مركز الحسين للسرطان في الأردن، الدكتور عاصم منصور أن "دور علماء الدين والأطباء دور تكاملي، إذ تنشأ عند كل ملمة العديد من الأسئلة، منها الطبي، ومنها الديني، ومنها الاجتماعي، أما بالنسبة للديني فيجد رجال الدين أنفسهم أمام تساؤلات ينبغي الإجابة عليها، مثل هل هذا عقاب رباني أم ابتلاء؟ كما أن هناك أسئلة فقهية ينبني عليها تفهم الناس لإجراءات مهمة مثل التباعد الاجتماعي، كحكم عدم صلاة الجمعة والجماعة، وتشييع الجنائز".
 
وأضاف: "فمثل هذه الأسئلة وغيرها لن يقتنع بها الناس دون رأي شرعي وازن، وكذلك فإن الأطباء أنفسهم يلجأون إلى رأي علماء الدين لإرشادهم حول كيفية التعامل مع بعض المستجدات المتعلقة بأخلاقيات الطب مثل أولوية الوضع على أجهزة التنفس الاصطناعي، وأولوية العلاج، وحكم رفع الأجهزة عن المرضى الميؤوس منهم". 

وتابع منصور، الخبير في تشخيص الأورام وتصوير الأعصاب حديثه لـ"عربي21" بالقول: "يمكن للأطباء وعلماء الدين لعب دور مشترك في التوعية بأساسيات الصحة العامة، والنظافة الشخصية، والممارسات الاجتماعية الآمنة كل من منظوره، كما يمكن أن يلعبوا دورا مهما كذلك في تهدئة النفوس، وبث الطمأنينة والثقة بالله". 

 

معركة غير متكافئة

من جهته لفت الباحث التونسي في الفكر الإسلامي، رضا خالد إلى أن "جائحة كورونا أظهرت حدود تحكم العلم في الظواهر الطبيعية بعد أن قر لعقود أن العلم قادر على تقديم حل لكل مشكل يستجد وأن بيديه مفاتيح التطور والرفاهية والازدهار مع أن العلم لم يدعِ ذلك، بل من خاصيته التواضع والإقرار بأن كل حقيقة علمية هي مؤقتة وقابلة للدحض في كل وقت". 

وأردف بأن "الحقيقة أن المعركة غير المتكافئة التي يخوضها اليوم الأطباء والممرضون ضد هذا الفيروس القاتل تعود إلى السياسات الليبرالية المنتهجة في معظم الدول والقائمة على التضحية بالخدمات الاجتماعية، وعلى رأسها التعليم والصحة بحيث تقلصت الاعتمادات المالية لهذين المجالين، وتجسدت في تراجع أعداد المستشفيات والمعدات، والأجهزة الطبية اللازمة". 


وردا على سؤال "عربي21" حول طبيعة دور الدين والعلم في مواجهة الوباء، وكيف كان أداء الأطباء وعلماء الدين، قال خالد: "أظهرت الشهور الأخيرة أن هناك من أدخل باسم الدين اللبس إلى الأذهان، وتدخل حيث يفترض ألا يتدخل، وزعم البعض أن لديهم الدواء الشافي، فيما يُنسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام". 

وواصل: "كما ظهر جدل حول سبب ظهور المرض وانتشاره بهذه السرعة، وعجز الأمم المتقدمة عن علاجه، ووقف انتشاره، فزعم البعض أنه عقاب لهم على كفرهم، لكن لما سرى المرض في بلاد المسلمين صار ما عُدَّ عقابا للكافرين ابتلاء للمسلمين، وفي المقابل علت أصوات الملحدين مبينة عجز الأديان في هذا الظرف عن تقديم حل للجائحة، وأن لا حاجة للبشر إليها، وأن العلم وحده هو المفيد، وهو وحده القادر على مواجهة الفيروس". 

وأوضح خالد أن "المؤمن يعتقد بأن الدين يحمل إجابات عن كل ما يعترضه في الدنيا، والملحد يعتقد بأن ليس للدين أي جواب، وأن العلم وحده يتضمن كل الإجابات الضرورية، مع أن العلم نفسه لا يدعي ذلك، إذ تقتصر مهمته على دراسة الظواهر المادية، أما ما يتعلق بما وراء الظواهر فهو خارج عن نطاقه، والعلم لا يغطي كل مجالات النشاط الإنساني، فمجاله محدود ومنهجه قائم على الملاحظة والتجربة واستنتاج قوانين وبناء نظريات قابلة للنقض". 

بدروها أكدّت الباحثة الإسلامية السورية، هديل الزير أن "المبادئ الإسلامية في مواجهة الوباء (كالعزل وعدم ورود المريض على الصحيح، ومنع الضرر وتحريمه..) تنسجم انسجاما تاما مع التعاليم والإرشادات الطبية، وتكملها وتؤكد عليها، وتضفي عليها شرعية دينية". 

 

 

مواجهة الجائحة تدور بين حلين، لا يغني أحدهما عن الآخر، الأول يتعلق بالأخذ بكل الأسباب الممكنة والمتاحة، ويكون باتباع التعليمات والإرشادات الطبية، والبحث عن علاج ولقاح، والثاني بالتضرع إلى الله تعالى، والإلتجاء إليه، وطلب العون منه برفع الوباء والبلاء

 



وأرجعت أسباب إظهار الدين في بعض الأوساط بأنه مناقض للعلم على خلفية ما يتم تداوله من مقالات ومنشورات وفيديوهات إلى "بعض الفهوم التي ابتعدت عن روح الدين ومقاصده، وتعاملت مع الوباء بطريقة طفولية تأخذها العاطفة تارة، وتحكمها النظرة السطحية لبعض النصوص تارة أخرى". 

وقالت في حديثها لـ"عربي21": "عادة ما يرجع العلماء والمفتون إلى أهل الاختصاص في كل فن وعلم قبل إصدارهم للأحكام الشرعية والفتاوى، وفي ما يخص نازلة تفشي وباء كورونا، فإن أهل العلم (أهل الذكر) فيها هم الأطباء والعلماء الباحثون المختصون في هذا المجال".
  
وختمت حديثها مذكرة بأن "مواجهة الجائحة تدور بين حلين، لا يغني أحدهما عن الآخر، الأول يتعلق بالأخذ بكل الأسباب الممكنة والمتاحة، ويكون باتباع التعليمات والإرشادات الطبية، والبحث عن علاج ولقاح، والثاني بالتضرع إلى الله تعالى، والالتجاء إليه، وطلب العون منه برفع الوباء والبلاء" وفق وصفها. 

 

إقرأ أيضا: كورونا وجدل الدين والعلم في الفضاء الإسلامي

التعليقات (0)