مقالات مختارة

أعطى فيروس كورونا الإسرائيليين مذاقاً ولو بسيطاً للحياة التي يعيشها الفلسطينيون

جدعون ليفي
1300x600
1300x600

هل يخرج الإسرائيليون من أزمة الفيروس وقد وجدوا في أنفسهم تعاطفا مع الفلسطينيين وتفهما لمعاناتهم؟ مستبعد أن يحدث ذلك.

يعيش الإسرائيليون في ظل إغلاق تام تسبب به فيروس كورونا

مثلهم مثل كل البشر الآخرين على سطح الكوكب، ما يعيشه الإسرائيليون من إغلاق يشعرهم بأنهم مقيدون بدنيا وعاطفيا في نفس الوقت. 

الهواء ثقيل والناس يتملكهم شعور بالضجر والقلق، فقد بث الوباء الرعب في نفوسهم وفاقم من ذلك الخوف من المجهول. مثل هذه القيود البدنية باتت مألوفة حول العالم: حظر الخروج من البيت والنقص الطارئ في البضائع داخل المتاجر. باتت المطارات الكبرى مهجورة تقريبا، فلا قادمون ولا مغادرون. 

ألغيت الملتقيات الاجتماعية والفنية والثقافية والدينية. معدلات البطالة في ارتفاع حاد. والجيش يتجهز لتحويل الفنادق إلى مستشفيات للعناية بحالات العدوى الأقل حدة. وقريباً ربما نشهد الإغلاق، ونزول الجيش والشرطة إلى الشوارع لضمان التزام الجمهور به. 

وبدأ الناس يتحدثون عن مخاطر الفوضى. إنه عالم الواقع المرير. 

الإغلاق في ظل الاحتلال

كان ينبغي أن يقرع كل ذلك ناقوساً في آذان الإسرائيليين. ولكن – لا نواقيس. فهم منهمكون في القلق على وجودهم، وهو أمر متفهم، وطبيعي جدا. ولكن يصعب في نفس الوقت تجاهل حقيقة أن ما طرأ مؤخرا من واقع قاس، بل وشديد القسوة، على الحياة في إسرائيل لم يزل هو نمط الحياة الروتيني في المناطق المحتلة منذ عقود. 

ما يراه الإسرائيليون واقعا مريرا يبدو نوعاً من الطوباوية في أعين الفلسطينيين. فالملازمة المؤقتة للبيوت – إضافة إلى نقص المواد الذي يفرض على الإسرائيليين – يكاد يكون أملا يحلم الفلسطينيون بالهروب إليه من واقعهم، وهم الذين ما لبث وضعهم في غزة، وفي بعض الأوقات حتى في الضفة الغربية، أسوأ بكثير مما يمر به الإسرائيليون الآن. 

هذا هو زمن النصيب. تضحك الأقدار علينا وتحيط بنا المفارقات من كل جانب. ثمة كاهن تاريخ هناك لا يملك التوقف عن الضحك إزاء هذا الواقع الجديد الذي يتم إخضاع الإسرائيليين له.

فلأول مرة في حياتهم، يُجرعون قدرا قليلا جدا من طعم ذلك الذي ما فتئوا على مدى أجيال يطعمونه للفلسطينيين رغما عنهم. يذوق الإسرائيليون لأول مرة في حياتهم طعم الإغلاق ونقص المواد، إنها حياة لم يعرفوها من قبل أبدا. 

ومع ذلك يبدو الحصار المفروض على الإسرائيليين نوعاً من الرفاهية في عين أي طفل فلسطيني ولد في واقع شديد القسوة، يمثل بالنسبة له نمط حياة معتاد.  

يتذوق الإسرائيليون عينات صغيرة من القيود التي يفرضونها على الفلسطينيين باستمرار. وهم بذلك يُمنحون الفرصة ليجربوا، وإن كان في ظروف أفضل بكثير، قدرا ضئيلا من نمط الحياة التي يعيشها الفلسطينيون

فهل سينجم عن ذلك يوما ما تغير في نظرتهم للأمور؟ هل سيخرجون من التجربة الحالية بعد أن يتراجع الوباء وهم أشد حساسية وأكثر تفهما لمعاناة الفلسطينيين؟ مستبعد جدا. 

مذاق الإغلاق

البند الأول إجراء الإغلاق نفسه. باتت معابر إسرائيل الدولية، كما هو الحال تقريبا في معظم البلدان الآن، مغلقة ومقفلة. لا تهبط طائرات ولا تقلع أخرى، يهيمن هنا، ولو مؤقتا، الخوف من الأماكن المغلقة. 

تعيش غزة في هذا الوضع منذ أربعة عشر عاما. في سجن غزة، السجن المفتوح الأكبر حجما في العالم، بإمكان الناس فقط أن يضحكوا على ما حل بالإسرائيليين على المدى القصير من بلاء. 

يوجد في غزة من فتيانها وفتياتها من لم ير في حياته طائرة ركاب، ولا حتى وهي محلقة في الأجواء من فوق رأسه. وهناك رجال ونساء في غزة لم تطأ أقدامهم مطارا ولم يتمكنوا من مجرد الحلم بالسفر إلى الخارج لقضاء إجازة أو للدراسة أو للعمل. 

ليس محتملا بالنسبة للإسرائيليين أن يحال بينهم وبين الدخول أو الخروج عبر مطار بن غوريون، ولو فقط لأسابيع قليلة. بينما الفلسطينيون في غزة، وحتى الكثيرون ممن يعيشون منهم في الضفة الغربية، لا يعرفون ماذا تعنيه حياة المطارات. ولسوف تغلق الآن أيضا أبواب بيوت الإسرائيليين. لم يكن قد صدر أمر بالإغلاق بعد حين كتابة هذا المقال ولكن قد يكون ذلك وشيكا. 

على بعد ساعة بالسيارة من تل أبيب يعيش الناس في فترات معينة حظرا للتجول بات الطابع الأغلب لحياتهم اليومية، وقد يمتد حظر التجول عليهم في بعض الأوقات لشهور متتابعة. 

وقد يُفرض حظر التجول بشكل تعسفي في أي وقت بأمر من ضابط جيش هنا أو هناك. ومثل هذه القيود تفرض على بيوت يعيش فيها عدد أكبر بكثير من الأطفال ولا توجد بها إلا غرف قليلة، بينما الدبابات المنتشرة بكثيرة في الخارج تولد كراهية لا نهاية لها في الداخل. وعندما لا يفرض حظر التجول في المناطق فإنها تعاني من الإغلاق: من الحصار. 

سيناريو قاتم

إغلاقات بين الضفة الغربية وإسرائيل، إغلاقات بين أجزاء مختلفة من الضفة الغربية ذاتها، وبين مدينة والتي تليها، وبين قرية وتلك المجاورة لها، تفصلها عن بعضها البعض حواجز مؤقتة أو دائمة، ناهيك عن غزة التي تعيش تحت حصار دائم. 

يكاد الإغلاق الذي تشهده إسرائيل يشبه ما يرنو إليه الفلسطينيون في أحلامهم من حياة حرة خالية من القيود، تتمكن فيها من أن تخرج من بيتك وأن تتجول في الحديقة أو أن تمشي على شاطئ البحر، والذي لا يبعد عنك إن كنت تملك سيارة سوى ساعة من القيادة. 

ولعلنا قريباً نرى الشرطة والجنود في زيهم الرسمي يسيرون دوريات في شوارع إسرائيل، يقيمون الحواجز ويدققون في هويات الناس. حواجز؟ لا تُضحك الفلسطينيين، فهم لا يعرفون حياة بدون تلك الدوريات والحواجز.

في كل يوم، وفي كل مكان. ولكن الزي الرسمي في إسرائيل سيبدو أكثر أناقة في أعين السكان مقارنة بالتوحش الروتيني الذي يمارسه الجنود ضد من يعيشون في المناطق المحتلة، ومع ذلك سوف يصعب على الإسرائيليين تحمل الوضع، حتى ولو كان مؤقتا. 

كم هو أسهل في بلدك عندما يكون الجندي واحدا من شعبك ويتكلم لغتك. وكم هو أصعب ومثير للسخط عندما يكون محتلا أجنبيا. مقارنة بتلك التي تجوب شوارع جنين أو الضفة الغربية، ستكون الدوريات في شوارع تل أبيب أشبه برحلة استجمام. 

وقريباً أيضاً، سوف تبدأ الحياة الاقتصادية داخل الجانب الإسرائيلي من جدار العزل بالاقتراب من تلك التي يعيشها الناس في الجانب المقابل. في وقت كتابة هذا المقال، كان نصف مليون من الإسرائيليين – أي 17 بالمائة من السكان – عاطلين عن العمل، والنسبة تزداد بشكل دراماتيكي يوماً بعد آخر. 

منذ عقود ونسب البطالة في غزة مرتفعة جداً. وبحسب تقرير صدر مؤخراً عن منظمة إسرائيلية غير حكومية تدافع عن حرية الحركة اسمها "غيشا"، بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة في شهر أيلول/سبتمبر الماضي 46.7 بالمئة. علماً بأن أرقام البطالة أعلى بين الشباب من سكان غزة. 

من الجدير بالملاحظة أن العاطلين عن العمل اليوم في إسرائيل إنما فقدوا وظائفهم مؤقتاً أو تعطلت أعمالهم بسبب الأزمة، ومعظم هؤلاء سوف يصلهم من الدولة تعويض عن البطالة. 

أما في الضفة الغربية فلا يعرفون شيئا اسمه التعويض عن البطالة، فالبطالة تحت الاحتلال وضع روتيني، وهي على ذلك منذ عقود. 

الاعتداء على الخصوصية


يغلي الإسرائيليون غضباً الآن بسبب أمر منح الشين بيت، وكالة الأمن الداخلي في إسرائيل، صلاحيات باستخدام "الوسائل والأدوات الرقمية" لتعقب أولئك الذين يصابون بعدوى الفيروس وكل من صدف أن احتك بهم أو اقترب منهم. وهو أمر مؤقت يسري مفعوله لسبعة أيام قابلة للتجديد إذا دعت الحاجة. 

لا تجعلوا الفلسطينيين يضحكون. فهذا التعقب هو أكثر الجوانب "إنسانية" في تعامل وكالة الأمن الداخلي مع الفلسطينيين، ولسان حال الفلسطينيين يقول: حسنا دعهم يتنصتوا ويتجسسوا، فقط ليوقفوا تعذيب الناس وابتزازهم وإيذائهم.

في المناطق المحتلة، تعلم وكالة الأمن الداخلي دائماً كل شيء وفي كل مكان، وهي هناك لا تخضع لأي رقابة أو إشراف أو محاسبة قانونية أو برلمانية. لابد أن الفلسطينيين يجدون تسلية في هذا الانتقاد المجلجل داخل إسرائيل لما تتعرض له خصوصياتهم من اعتداء؟ ونفس الشيء ينطبق على الصور التي يظهر فيها ضباط الجيش الإسرائيلي وهم يديرون بعض الفنادق وقد تم تحويلها إلى مستشفيات لاستقبال الحالات الطارئة. وكم من الفنادق المملوكة لفلسطينيين استولى عليها الجيش الإسرائيلي عبر السنين وحولها إلى مقرات عسكرية له؟

الواقع المرير الذي يفرضه الفيروس

طبعاً لا يمكن للمرء أن يتجاهل الفروق، فحتى في ذروة وباء فيروس الكورونا، لا يتعرض الإسرائيليون للإهانة أو الضرب أمام أطفالهم أو أمام أمهاتهم وآبائهم.

ولن يقتحم جنود أجانب بيوتهم في منتصف الليل، الليلة تلو الأخرى، وبلا سبب وجيه. ولن يجرهم أحد من أسرتهم ويذهب بهم بعيدا. ولن يعتقلهم أحد بلا محاكمة، ولن يستجوب أحد أطفالهم ويسجنهم في انتهاك سافر للمواثيق الدولية التي توقع إسرائيل عليها. 

وحتى في أسوأ الأوضاع التي قد تصل إليها الأمور في إسرائيل بسبب وباء فيروس الكورونا، فلا وجود لسيناريو ينتشر فيه القناصة الذين يتنافسون فيما بينهم على استهداف ركب المئات من المحتجين وإطلاق النار عليها، كما يفعلون على الحدود مع غزة منذ شهور.

لن تقصف بيوت الإسرائيليين من الجو، ولن ترش حقولهم الزراعية بالسموم كما يحدث في غزة. بالمجمل، ما هو سوى حظر تجول مؤقت في أحوال معقولة ولأهداف واضحة ومفهومة. 

وهو لا يزيد عما يحلم به الفلسطينيون عندما يتصورون وجود حياة أفضل بقليل مما هم فيه.  

 

منقول عن موقع "ميدل إيست آي"

التعليقات (0)

خبر عاجل