صحافة دولية

ناشونال إنترست: أمريكا أفلست وعليها الخروج من جحيم سوريا

ناشونال إنترست: وباء كورونا يعني أن أمريكا أفلست وعليها الخروج من سوريا- جيتي
ناشونال إنترست: وباء كورونا يعني أن أمريكا أفلست وعليها الخروج من سوريا- جيتي

نشر موقع "ناشونال إنترست" مقالا للكاتب دوغ بانداو، يقول فيه إن أمريكا تحطمت، فقبل ظهور فيروس كورونا المشؤوم كانت واشنطن ستعاني من عجز سنوي في الميزانية قيمته تريليون دولار على المدى المنظور. 

 

ويقول بانداو في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن الإيرادات ستتراجع الآن، وتزداد المصاريف، هذا العام على الأقل؛ بسبب تقلص الاقتصاد الحاد، ويحضر الكونغرس لتمرير حزمة تحفيز قيمتها تريليون دولار".

 

ويجد الكاتب أنه "مع ذلك فلو غادرت أمريكا الشرق الأوسط غدا فإنها ستكون قد أنفقت 6.4 تريليون دولار على صراعات انتهت بشكل كبير بكوارث، في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن، وكل يوم تستمر إدارة ترامب في تضييع الأموال.. لماذا؟".

 

ويرى بانداو أن "تهاون واشنطن في شن الحروب هو أمر اختياري: فالشرق الأوسط فقد أهميته الاستراتيجية، ولا أحد يهدد بغزو النفط الذي يعتمد عليه الغرب، ولا أحد يهدد وجود إسرائيل، التي تعد قوة إقليمية كبرى، فما الذي يبرر بقاء محاولات أمريكا القيام بعمليات هندسة اجتماعية في منطقة من أكثر مناطق العالم صعوبة وغير مستقرة". 

 

ويقول الكاتب: "لا يكفي القول لا لأي حروب صليبية جيوسياسية جديدة، مثل حرب مع إيران، وهو ما سيشكل كارثة إقليمية، بل على أمريكا الانسحاب من أي صراعات موجودة، ويجب أن يكون إنهاء دعمها للدمار الذي تتسبب به السعودية في اليمن أمرا سهلا، وكذلك خروجها من العراق في وقت يتزايد فيه الغضب بسبب تبادل الضربات مع المليشيات الموالية لإيران في العراق". 

 

ويعتقد بانداو أن "الأهم هو مغادرة سوريا، فقد قضى المسؤولون الأمريكيون تسع سنوات يحاولون تشكيل نتيجة الصراع، لكن إلى الآن دون نجاح، فعلى الإدارة سحب القوات الأمريكية وترك القوى الإقليمية تحدد مصير مستقبل البلد".

 

ويرى الكاتب أن "تدخل واشنطن لم يكن منطقيا أصلا، فالرئيس بشار الأسد رجل شرير، ولم يكن صديقا لأمريكا، لكنه لم يهدد أمريكا ولا فعلت دمشق الكثير لتسبب الخطر لإسرائيل في سنوات طويلة، والسوريون لم يردوا حتى على الغارة الجوية الإسرائيلية على المفاعل النووي الذي كان يبنى بمساعدة من كوريا الشمالية".

 

ويؤكد بانداو أن "انحدار سوريا إلى الحرب الأهلية كان مأساة، لكنه أكثر تعقيدا مما تم تصويره عادة، لقد كانت حكومة الأسد قاسية، لكنها لم ترتكب إبادة جماعية، إلا أن الحروب الأهلية ذات التقنية المتدنية تكون في العادة دموية، وكثير من القتلى كانوا من مؤيدي النظام، حيث قتل المعارضون الجهاديون بشكل كبير وبوحشية، وحتى أنهم استخدموا الأسلحة الكيماوية، إنه نوع من الصراع لا يمكن للشخص إلا يتمنى فيه حظا سيئا للمتقاتلين". 

 

ويستدرك الكاتب بأنه "مع غياب حركة سياسية معتدلة ذات مفعول عسكري، فإن الحل الأفضل لواشنطن كان هو بقاء الأسد، فتسليم دولة قومية لمتطرفين إسلاميين هو الشبح الذي جعل أمريكا تدخل في مثل تلك الصراعات، وكان استعداد إدارة أوباما لإنهاء هذه التدخلات، سواء كان ذلك متعمدا أم لا، أمرا غريبا". 

 

ويشير بانداو إلى أن "هناك الكثير من الأمور السيئة التي يمكن قولها عن سياسة ترامب الخارجية وعن عملية اتخاذ القرار لديه، لكن من الواضح أنه الوحيد في إدارته الذي يفهم ضرورة مغادرة سوريا؛ وذلك لأنه أحاط نفسه بأشخاص يعتقدون بـ(الحرب اللامتناهية) وعندما تم حثه في 2017 لتعزيز القوات العسكرية الأمريكية في سوريا رد قائلا: (لن أرسل المزيد من القوات إلى سوريا، سلحوا الأكراد، وخذوا الرقة، وأخرجوا تنظيم الدولة من هناك، ثم اخرجوا من سوريا)، وبعد ثلاث سنوات يبقى الحل الصحيح هو: (الخروج من سوريا)".

 

ويجد الكاتب أنه مع ذلك فإن الرغبة في أداء دور المهندس الاجتماعي، بغض النظر عن الدين والجغرافيا والتاريخ والأيديولوجيا والاهتمام والثقافة، تبقى قوية، وكتب جوش روجين مقالا في "واشنطن بوست" حول السبب الذي "يجب أن يجعل الأمريكيين يعتنون أكثر بسوريا" في الوقت الذي تنزلق فيه بلدهم نحو أزمة كوفيد 19، مشيرا إلى أن ما يطرحه المقال بطريقة ذكية هو عكس ذلك.

 

ويلفت بانداو إلى أن روجين يطرح النقاط الآتية: 

 

1- "ما يحصل في سوريا لا يبقى في سوريا، وموجة جديدة من اللاجئين ستتسبب بزعزعة الديمقراطيات الأوروبية"، وهذا صحيح، لكن تلك "الديمقراطيات الأوروبية" تساوي أمريكا في القوة الاقتصادية، وتزيد على أمريكا في السكان، فليتعامل الأوربيون، بعد سنوات من الاعتماد على أمريكا، في مواجهة المشاكل العسكرية بدلا من أن يفترضوا أنها مهمة واشنطن.

 

2- "لأمريكا مصالح في أنحاء المنطقة كلها ستكون مهددة بسبب الفوضى المتزايدة"، لكن الشرق الأوسط كان في فوضى لسنوات طويلة، كثير منها كان بسبب السياسات الأمريكية، فواشنطن هي التي دمرت الديمقراطية في إيران، وفجرت العراق، وساعدت في تدمير ليبيا، وتساعد في تدمير اليمن، والقول بأن هناك مصالح مهددة لا يعني الذهاب إلى الحرب، وماذا فعل صناع القرار الأمريكيون على مدى العقدين الماضيين حتى نقول إن بإمكانهم حل مشكلات سوريا؟

 

3- "تنظيم الدولة سيستغل الفرصة لإعادة إحياء نفسه. وفي المحصلة عندما يصبح قويا بما يكفي، سيهاجم الأمريكيين في مكان"، في الواقع أن تنظيم الدولة انشق عن تنظيم القاعدة لأنه يريد إقامة خلافة، ليس لأجل مهاجمة العدو في الخارج، والأمريكيين الذين هاجمهم التنظيم قبل التدخل الأمريكي كانوا ممن سافروا إلى سوريا، أضف إلى ذلك أن الدول كلها تعارض تنظيم الدولة، فهل لم يتبق سوى واشنطن لتوقفه؟

 

4- إذا قام الأسد باستعادة إدلب "وهو هدفه التالي في شمال شرق سوريا، حيث يوجد عدة مئات من الجنود الأمريكيين، وهذا سيجعل الأمر مشكلتنا"، لكن في الواقع ليست هناك مشكلة، فيجب سحب هؤلاء الجنود، فهم يحتلون بلدا بشكل غير قانوني، دون إذن من الكونغرس ولا من الأمم المتحدة، ودون سبب استراتيجي.

 

5- "إن قمنا بسحب الجنود، سنفقد كل وسيلة ضغط سياسي"، لكن ذلك "الضغط" لم يحقق شيئا منذ بداية الأزمة، حيث مولت أمريكا وحليفاتها في المنطقة المعارضة السورية.

 

6- "ستملأ كل من إيران وتنظيم الدولة الفراغ"، في الواقع من سيملأ الفراغ هو النظام السوري مدعوما من روسيا وإيران، وفي الواقع كان من أهم متناقضات السياسة الأمريكية هي محاولة القضاء على تنظيم الدولة والإطاحة بنظام الأسد في الوقت ذاته، فيما يعد الأخير هو أهم أعداء التنظيم.

 

7- "بمجرد عدة مئات من الجنود وبعض المساعدة من حلفائنا، يمكن حماية ملايين الأرواح من حكم الأسد الغاشم"، بعد المراقبة لتسع سنوات والحرب الأهلية تدمر سوريا، يبدو أنه من المتأخر أن نتخيل أن واشنطن ستفعل شيئا لحماية المدنيين هناك، ولا يعرف كيف يمكنها فعل ذلك، هل بدعم من تركيا التي قتلت الأكراد في تركيا قبل أن تجتاح سوريا وتقتلهم هناك، فتلك ستكون خطوة غريبة باسم الإنسانية، ولا إبقاء إدلب تحت حكم هيئة تحرير الشام وحراس الدين، وكلاهما مرتبطتان بتنظيم القاعدة هو حل إنساني، وكون سوريا مدعومة من روسيا وإيران، لن تتخلى عن أراض كانت لها عليها سيادة طوعا، يعني أن الوجود الأمريكي يجب أن يكون دائما دون مصلحة واضحة لأمريكا.

 

8- استشهادا بكلام ديفيد ميليباند من لجنة الإغاثة الدولية: "إن هناك خطرا من أن تصبح الحرب في سوريا هي الطبيعة الجديدة للصراعات الوحشية والمسببة للشقاق"، لكن الصراع استمر لتسع سنوات وتسبب بمقتل ما يزيد على نصف مليون، وإن كانت هناك سابقة ستتشكل فإنها قد تشكلت فعلا، لكن الماضي مليء بمثل هذه الصراعات التي اشتعلت وتسببت بالقتل والدمار دون تمييز، في أفغانستان وميانمار وبوروندي وكولومبيا ورواندا وسريلانكا والسودان واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وعد قليلا للوراء في التاريخ: الجزائر وأنغولا وكمبوديا وإثيوبيا وموزمبيق ونيجيريا، للأسف كانت هناك سابقة دموية تشكلت منذ زمن.

 

9- "إن لم يكن الأمريكيون مقتنعين بالحجج الأخلاقية والاستراتيجية لنأخذ في الاعتبار الآتي: هناك على الأقل 6 مواطنين أمريكيين في سجون الأسد حاليا.. إن تركنا سوريا.. فسوف نفقد فرصتنا في الضغط لأجل إطلاق سراحهم". 

 

10- "إيقاف القتل في سوريا هو مسؤوليتنا الأخلاقية، والطريقة الأفضل لإبقاء بلدنا آمنا"، لكن ما لم تكن واشنطن مستعدة للحرب الدائمة فلا يمكنها "إيقاف القتل" في أماكن أخرى، وأثبت العراق كيف يمكن أن تنتهي الأمور مهما كانت نوايا التدخل حسنة.

 

ويختم بانداو مقاله بالقول: "لقد استمرت مأساة سوريا لتسع سنوات، لكن ليس بمقدور أمريكا، على الأقل بتكلفة معقولة في الأرواح والأموال، حل مشكلاتها، واليوم أمريكا هي أقل مقدرة على ذلك، ويجب على الرئيس ترامب ان يفعل ما يمليه عليه حدسه وأن يجلب الجنود الأمريكيين إلى الوطن، كخطوة تجاه إنهاء حروب أمريكا".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (1)
rmb
الثلاثاء، 24-03-2020 05:53 م
مقال آخر يضاف إلى سلسلة طويلة من المقالات التي تؤكد أن بقاء الأسد ومن شابهه هو مصلحة عليا للولايات المتحدة وإن كانوا يزعمون أنهم لا يحبونه فهم يعترفون أنه أفضل لهم من "الإسلاميين"