كتاب عربي 21

النهاية شبه الكارثية لخمسة أعوام من عاصفة الحزم

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
يوم الخميس القادم الموافق لـ26 آذار/ مارس، ستحل الذكرى الخامسة لعاصفة الحزم، التي بدت عاصفة وانتهت إلى زوبعة من الغبار الأسود الذي يلف الفضاء الجيوسياسي لليمن، ويغطي على فضائع كثيرة ومظاهر عديدة لفشل هذا التدخل ونتائجه العكسية الخطيرة على اليمن والسعودية والإمارات على حد سواء.

جاءت عاصفة الحزم لتحقق أهدافا بعينها منها إنهاء الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية لممارسة ولايتها الدستورية، وإعادة إطلاق العملية السياسية في البلاد، لكن أي من ذلك لم يتحقق بل على العكس، فالشرعية باتت تعيش وضعاً صعبا ربما تفقد معه الأمل في مغادرة معتقل الرياض والعودة إلى أرض الوطن.

بعد السنوات الخمس من حرب التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، تبرز اليوم أسئلة مثيرة للاهتمام، من قبيل لماذا اشتد أوار الحرب على مشارف مأرب، ليفسح المجال لتكهنات بشأن إمكانية سقوط العاصمة الفعلية للسلطة الشرعية في اليمن؟ ولماذا حدث هذا التقدم السريع للحوثيين في جبهة نهم العتيدة، وفي مدينة الحزم، عاصمة محافظة الجوف؟ ولماذا تغرق السعودية أكثر فأكثر في المستنقع الجنوبي الذي ضخت أبو ظبي فيه كماً كبيراً من الأوحال المادية والمعنوية لتضمن هذا الغرق؟

وثمة سؤال رابع متصل بالأسباب التي تقف خلف تطور الوضع العسكري في المثلث الحساس، الذي يشمل الجوف وشرق صنعاء ومأرب، وذلك لعلاقته المصيرية بوجود الشرعية المادي والسياسي على الساحة اليمنية، إلى جانب علاقته المصيرية كذلك بالوجود العسكري السعودي في مأرب، ولأنه يلامس قضية تتصل بمشروعية الوجود العسكري السعودي نفسه في اليمن.

لم تعد تخفى على المتابع الحصيف حقيقة أن السعودية تواجه نتائج كارثية لتدخلها العسكرية الذي افتقد لرؤية واضحة ومنطقية وأخلاقية منذ البداية، وكرست نهجاً شاذا في التعاطي مع تحديات خطيرة كالتي تواجهها في اليمن، لتتصرف وفق مقتضى وصية العاهل المؤسس، بشأن أولوية إضعاف اليمن.

لقد تعمدت الرياض تمزيق معسكر الشرعية وإضعافه وتهميش قواته العسكرية، وكان لها دور أساسي في إنتاج هذه التركيبة المهترئة وغير المتجانسة التي تحتل واجهة السلطة الشرعية، والتي تتوزع بين رؤى متعددة وتنطلق في مواقفها من خلفيات فكرية وسياسية جرى إحياؤها عمداً لاستدامة الصراع بين المكونات السياسية الأساسية داخل معسكر لشرعية على وجه الخصوص.

لكن أخطر ما تواجهه السعودية اليوم ناتج عن تبعات انسياقها وراء الرؤية التي فرضها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي آلت إليه مقاليد السلطة في الرياض على حساب سلسلة طويلة من مستحقي السلطة، ما اضطره إلى التخادم مع بن زايد، وهو أمر انعكس على طبيعة التدخل العسكري للتحالف في اليمن على نحو ما نراه اليوم.

قضت رؤية ولي عهد أبو ظبي بإعادة توجيه معركة التحالف في اليمن نحو إنجاز أهداف الثورة المضادة، وهذا اقتضى أن تستهدف القوة الضاربة للتحالف أول ما تستهدف أعداء ترى أبو ظبي ضرورة استئصالهم من البيئة السياسية والجيوسياسية لليمن، وكلهم موجودون ضمن معسكر الشرعية ويمثلون الكتلة الصلبة المساندة للمهمة العسكرية للتحالف على الساحة اليمنية، والتي ترفع شعار المواجهة مع إيران وأدواتها.

قادت هذه الرؤية إلى ما نراه اليوم من نتائج مشوهة لا تعكس الزخم العسكري للتحالف الذي أعطى انطباعاً أولياً بقدرة المملكة كقوة إقليمية على حسم أكثر التحديات تعقيداً، استناداً إلى تفوقها العسكري الضخم، ولكنها اليوم تحصد نتائج مرة نتيجة إبقاء الجماعة الحوثية المسلحة المدعومة من إيران في مأمن استراتيجي.

فقد أتاح لها هذا الأمان ولمن يدعمها أيضاً، تغيير قواعد المواجهة على الساحة اليمنية لتتحول إلى معركة ذات طبيعة إقليمية؛ السعودية هي اليوم من يدفع ثمنها باهظاً من مكانتها وسمعتها العسكرية والاقتصادية والمعنوية الإقليمية والدولية، خصوصاً بعد أن تعرضت أهم منشآتها الحيوية للاستهداف بصواريخ وطائرات مسيرة جميعها أطلقت إلى عمق المملكة باسم الحوثيين.

في اليمن يتكرس انقسام سياسي وجغرافي خطير من حيث تداعياته الإنسانية قبل أي شيء آخر، فقد خلفت أبو ظبي قبل انسحابها المعلن من اليمن؛ قوات مسلحة ترفع شعار الانفصال، وتجعل من هزيمة السلطة الشرعية إحدى أولوياتها لتحقيق الشعار، وهي اليوم من تدفع الرياض إلى اختبار قدراتها العسكرية باعتبارها المهيمن الجديد في عدن وفي سقطرى، من خلال رفض إحلال قوة عسكرية جديدة قوامها من أبناء محافظة عدن لحراسة المطار الدولي للمدينة.

ليس هذا فحسب، بل إن القوات المدعومة من الإمارات، الجنوبية منها والشمالية، أظهرت قدراً كبيرا من التضامن مع الحوثيين، عبر الشماتة الإعلامية التي تسوق بل وتستعجل هزيمة عسكرية للشرعية في أهم معاقلها في مأرب والجوف وشرق صنعاء بل وفي تعز أيضاً.

هذا التوجه لا يتعلق بهذه الأدوات بقدر ما يرتبط بأهداف أبو ظبي التي تعتقد أنها الآن لم تعد منشغلة بهزيمة قد تلحق بالتحالف وقائدته في اليمن؛ قدر انشغالها بمشاهدة أثر انسحابها وهو يعصف بالشرعية وبمن تعتبرهم أعداءها، خصوصاً المحسوبين على التيار الإسلامي، والأهم من ذلك أنها تتطلع إلى رؤية السعودية وهي تهوي من عليائها في الحقل اليمني الشائك.

تكاد أبو ظبي تقترب من تحقيق أهدافها التدميرية هذه إن لم تحدث تحولات جوهرية للسياسات السعودية في المدى المنظور. فما يجري في اليمن بعد خمسة أعوام من الحرب؛ أن الإمارات نجحت إلى حد كبير في استجماع قوى الثورة المضادة ووضعت تحت تصرفها كمية لا بأس بها من السلاح، ومنحتها الأمل في تحقيق مشاريعها السياسية المنفصلة والمتناقضة أحياناً.

ففي الجنوب يتطلع الانفصاليون إلى استعادة دولتهم الجنوبية، ويتطلع معسكر النظام السابق إلى استعادة السلطة في صنعاء، وكلا الفريقين يرى أن حلمه سيتحقق عبر التخلص من شرعية الرئيس هادي، ولكي يتحقق ذلك دون أن يشعر أحد بالأسف جرى احتساب الرئيس وحكومته على أنهم مجرد أدوات بيد جماعة الإخوان المسلمين "الإرهابية" التي تتحكم بكل إمكانية الشرعية، وفق هذا التصور الذي تسوقه المنظومة الإعلامية المدعومة من أبو ظبي.
التعليقات (0)