قضايا وآراء

كورونا بطعم العقوبات في إيران

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

باتت البشرية برمتها تعيش تحت سطوة خطر عالمي كبير يتهدد سكان المعمورة جميعا. هذا أول ما يُفهم من تصنيف منظمة الصحة العالمية كورونا وباء عالميا. الكل أصبح مذعورا ولو بدرجات متفاوتة، لكون العدو الكورونائي المجهول، لا يميز بين الغني والفقير وبين الرئيس والمرؤوس وبين رئيس دولة ورعاياها. إنه فيروس "ديمقراطي" يطال كل من تعرّض له، أيا كان موقعه ومنصبه. والذعر دفع كثيرين من أبناء البشر إلى العيش تحت وهم الإصابة بكورونا، مع أي قحة بسيطة أو أي رشح أو صداع بسيط. كثيرون يتساءلون: ماذا لو أصابنا كورونا؟ هل سنكون في عداد الوفيات أو المتعافين؟

سألت هاتفيا صديقا عزيزا لي أصيب بكورونا، وهو يرقد حاليا في مستشفى بطهران، عن شعوره؟ فرد تحت وطأة سعال مستمر قائلا: عندما يفتك بالرئة يبقى المصاب كإنسان في حالة الغرق، لكن مع الفارق أن الغريق يموت مرة واحدة، وأنا أموت يوميا مرات عدة. 

لا أقصد من خلال ذكر هذا الحديث، بث الرعب وإنما أقول حقيقة، عسى أن تدفعنا إلى الاهتمام بصحتنا أكثر فأكثر، وإخضاع النفس لحجر صحي طوعي في الدول التي تتسارع وتيرة الانتشار فيها، لأن الفيروس فتاك ولا يرحم.

 

العقوبات زادت الطين بلة
 
لكن ليس من خلال هلع انفعالي، أوقع كثيرين عندنا في إيران، في مصيدة كورونا، قبل أن يطاولهم، بعدما استسلموا إلى شائعات حول ما يقي من الفيروس، ليتناول البعض كحول ميثانول للوقاية منه، إلا أنهم فقدوا أرواحهم. والكحول اليوم ينافس كورونا في حصد أرواح الإيرانيين، حيث قتل حتى اليوم نحو 100 شخصا، أي خمس ضحايا كورونا في إيران حتى اليوم.
 
كورونا في إيران، له طعم مختلف عن بقية دول العالم، التي تفشى فيه الفيروس. نعم، أقصد أنه بطعم العقوبات التي جعلت الفيروس أكثر مرارة وبطشا وسهّل مهمته المخيفة أكثر مما عليه الحال في بقية الدول، ليحقق في كل يوم مستوى قياسي في عدد الوفيات والمصابين، أجلس إيران على المركز الثالث عالميا، بعد الصين وإيطاليا، وإذا ما احتسبنا إيرانيين توفوا وهم يحملون أعراض كورونا من دون أن يخضعوا للفحوص، ليكونوا في عداد ضحايا كورونا، ربما تحتل البلاد الموقع الثاني.

 

كورونا في إيران، له طعم مختلف عن بقية دول العالم، التي تفشى فيه الفيروس. نعم، أقصد أنه بطعم العقوبات التي جعلت الفيروس أكثر مرارة وبطشا وسهّل مهمته المخيفة أكثر مما عليه الحال في بقية الدول

 
الأرقام الرسمية، حتى لحظة كتابة المقال، تشير إلى وفاة 514 شخصا وتجاوز عدد المصابين حاجز 11 ألف شخص ليصل إلى 11364. الوضع أسوأ مما تعكسه هذه الأرقام، فالمستشفيات لم تعد تستوعب، والعمل جار لإنشاء مستشفيات ميدانية والحكومة التي كانت تعتبر عزل المدن خيارا "غير عملي"، بدأت تتجه إلى فرض إغلاق تام اضطرارا، بعدما تجاوز الأمر الحواجز واحدا تلو الآخر. لا شك أنه لو لا إجراءات الحظر الأمريكي على إيران، لم يكن الوضع مأساوي كما هو اليوم رغم القصور أو التقصير على مستوى الآداء الرسمي في مواجهة كورونا والتأخر في اتخاذ الاستعدادات اللازمة. 

العقوبات تسرّع وتيرة انتشار كورونا في إيران وفي الوقت نفسه، تزيد من ضحاياه، بطريقتين، الأولى، من خلال حظر إجراء إيران أي معاملات مالية مع الخارج، الأمر الذي يمنعها من استيراد ما تحتاجه من مستلزمات ومعدات طبية لمواجهة كورونا، ليؤدي شح أو انعدام أبسطها إلى أعقدها بدءا من الكمامات الواقية إلى عدة تشخيص الفيروس إلى حرمان الكثير من المواطنين الإيرانيين من التسلح بأبسط مستلزمات الوقاية من الإصابة بكورونا. كما أن عدم توفر المستلزمات الطبية الخاصة بالمستشفيات والطواقم الطبية، حوّل المستشفيات الإيرانية إلى بؤرة لتفشي المرض بدلا من أن تكون أماكن آمنة من جهة، وتسبب بإصابة ووفاة عدد من أمهر الأطباء والممرضين.

 

نداء عاجل لمواجهة كورونا
 
ودفع انعدام هذه الإمكانيات وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى إطلاق نداء عاجل للعالم في تغريدة عبر حسابه على "تويتر" من خلال نشر قائمة تحتوي على 30 مستلزما ومعدا طبيا، قال إنها تشكل الاحتياجات الفورية لمواجهة كورونا. كما أنه وجه رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورسائل إلى نظرائه في العالم ورؤساء المنظمات الدولية للضغط على الإدارة الأمريكية لإلغاء العقوبات على إيران، ولو مؤقتا لتتمكن من مواجهة فيروس كورونا، والسيطرة عليه اليوم قبل الغد قبل أن يحصد المزيد من أرواح الأبرياء.

 

دفع شح الموارد المالية الحكومة الإيرانية إلى تقديم طلب لقرض من صندوق النقد الدولي لأول مرة منذ خمسين عاما،

 
والطريقة الثانية هي حرمان إيران من الموارد والإيرادات، وخصوصا أموالها المجمدة في الخارج بفعل العقوبات الأمريكية، ما يحجم قدراتها في مكافحة كورونا، لتأمين الاحتياجات الضرورية من المواد الغذائية للمواطنين الإيرانيين الذين أجبرهم كورونا على الحجر المنزلي، كإجراء احترازي لكبح انتشاره. وسيظهر حجم المشكلة أكثر عندما تفرض الدولة إغلاقا تاما، خصوصا بعد تصريحات لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، اللواء محمد باقري، الذي ألمح من خلالها إلى وجود توجه نحو فرض إغلاق تام، عندما قال، الجمعة، إن هناك "قرار وطني" لإخلاء الشوارع والطرقات والأماكن العامة، خلال الساعات المقبلة.

ودفع شح الموارد المالية الحكومة الإيرانية إلى تقديم طلب لقرض من صندوق النقد الدولي لأول مرة منذ خمسين عاما، حيث أن آخر مرة استقرضت فيها طهران من الصندوق، كان عام 1962، لكن من المستبعد جدا موافقة الصندوق على القرض، بسبب التأثير الهائل للإدارة الأمريكية على قراراته. فضلا عن أن هذه الإدارة، تتصرف مع إيران، خلال هذه الأيام بطريقة، تؤكد أنها تريد الاصطياد في المياه العكرة وفي هذه الظروف الكرونائية الصعبة التي تواجهها إيران، الحصول على ما لم تحصل عليه من قبل، فهي رغم قولها إنها عرضت على إيران تقديم مساعدات طبية، إلا أنها تربط ذلك بتقديم طهران طلبا رسميا لها، أي الاستجداء، بينما لو كانت جادة في عرضها لكان تسمح صليب الأحمر الدولي، أن يقوم بتقديم وإرسال ما يلزم لمواجهة الأزمة في طهران، من مستلزمات ومعدات عاجلة، وليس مجانا، بل من خلال دفع مال من تحرير جزء بسيط من الأموال الإيرانية المجمدة من خارج، من دون أن تتكفل أي دولة بعناء قبول الكلفة.
 
اليوم يخاطب الشاعر الإيراني الكبير، سعدي الشيرازي، العالم بأبيات شهيرة، سردها قبل نحو 8 قرون، وهي تزين مدخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قائلا من جديد:
 
بني آدم أعضاي يكديكرند
كه در آفرينش ز يك جوهرند
جو عضوي به درد آورد روزكار
دكر عضوها را نماند قرار
تو كز محنت ديكران بي غمي
نشايد كه نامت نهند آدمي

الترجمة:
 
أبناء آدم بعضهم من بعض
في أصلهم خلقوا من جوهر واحد
إن أصاب الدهر أحد الأعضاء بألم
استجابت له باقي الأعضاء بالاضطراب
إن كنت لا تبالي بمحن الآخرين 
فأنت لا تستحق أن تسمى آدمي

نعم يبدو أن ترامب من هذا الصنف من البشر، الذين لا يبالون بمحن غيرهم.
 
وأخيرا، لا يبقى إلا القول: إن كورونا والعقوبات الأمريكية وجهان لعملة واحدة.

التعليقات (0)