قضايا وآراء

وباء كورونا والوحدة الوطنية التونسية

عادل بن عبد الله
1300x600
1300x600
رغم قلة حالات الإصابة بفيروس كورونا في تونس (سبع حالالت موثّقة رسميا)، ورغم تمتع البلاد بسقف من حرية الإعلام يسمح بمراقبة التعاطي الرسمي مع الخطر الوبائي من جهة الوقاية ومن جهة الأرقام، يبدو أن تحوّل الإصابة بوباء كورونا إلى وباء عالمي (حسب منظمة الصحة العالمية)، سيكون مناسبة للحظة جديدة في سياسات الإرهاب التي مارستها أغلب المنابر المحسوبة على "الدولة العميقة" منذ 2011، أي منذ هروب المخلوع زين العابدين بن علي.

ولا شك في أننا لا يمكن أن نفصل هذا "الخط التحريري" الموحّد لتلك المنابر عن واقع إسناد وزارة الصحة لشخصية نهضوية (إسلامية)، هو السيد عبد اللطيف المكّي، وكذلك واقع تململ عدد كبير من النخب "العلمانية" من حكومة السيد إلياس الفخفاخ، ومن ورائها مواقفهم السلبية الصريحة من سند شرعيتها الأول المتمثل في رئيس الجمهورية السيد قيس سعيّد، هذا "الرئيس المُشكل" الذي جاء من خارج الأحزاب التقليدية، ومن خارج المنحدرات الجهوية المعروفة لأغلب النخب السياسية المهيمنة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا.

لا يعني ما تقدم أنّ التعامل الجاد مع الخطر الوبائي رغم قلة الإصابات هو أمر غير مرغوب فيه (فالوقاية خير من العلاج)، ولا يعني أيضا التعامل مع التصريحات الرسمية بسلبية وتسليم (فلكل سلطة حساباتها ومنطقها الذي قد لا يتطابق بالضرورة مع الحقيقة)، ولكنّ ما نعنيه هو تنزيل التعامل الإعلامي المهيمن مع وباء كورونا في استراتيجيات "التضليل" أو "الدمغجة" أو "الوصم"، الذي بلغ ببعض أدعياء الحداثة حد توظيف "الفكر الخرافي"، وربط الوباء بـ"نحس" النهضة أو "شؤمها" على المجتمع التونسي.

ونحن لا نريد أن نركن إلى منطق المؤامرة، ولكن من حقنا أن نتساءل عن حقيقة الإعلان عن أول إصابة بكورونا مباشرة بعد تولي السيد عبد اللطيف المكي وزارة الصحة. منطقيا، قد لا يوجد تلازم مفتعل بين الحدثين، ولكنّ استقراء أداء الإعلام التونسي منذ الثورة (في علاقته بحركة النهضة)، يثبت أن هذا الإعلام يجانب في أغلب تدخلاته معيار الموضوعية والضوابط الأخلاقية للمهنة.

تشير أرقام بحسب منظمة الصحة العالمية إلى تضاعف عدد الإصابات بالفيروس في الأسبوعين الأخيرين خارج الصين إلى حدود 13 مرة، كما تفيد الأرقام المحدّثة لتضاعف عدد البلدان التي وصل إليها الوباء مرات. وقد ارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم إلى أكثر من 126 ألف حالة، وفاق عدد الوفيات 4600 حالة في مختلف البلدان التي وصل إليها الوباء، وعلى رأسها الصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران.

وفي ظل هذا الوضع الكارثي، قد يبدو من الحيف أو من التناقض الحديث عن مبالغات أو استراتيجيات قصدية، تتغيّا تضليل الرأي العام أو إرعابه (سواء أكان ذلك في الإعلام التقليدي أو في وسائل التواصل الاجتماعي). ولكن عندما يكون سقف التعامل مع الخطر الوبائي هو التهويل والتشكيك في المعطيات الرسمية، أو تأكيد عجز الدولة عن مواجهة هذا الخطر الداهم، دون المساهمة في بناء استراتيجيات وطنية (رسمية وشعبية) للتعامل العقلاني و"البارد" (أي البعيد عن الشحنات العاطفية السلبية)، فإنّ الإعلام بكل أشكاله يصبح أداة لتعميم الفوضى والرعب والسلوك الأناني الذي لا يستفيد منه إلا طرفان: أولا؛ أطراف سياسية تسعى إلى إضعاف هذه الحكومة وإفقادها "شرعية الأداء" مهما كانت كلفة ذلك، وثانيا؛ أطراف مالية أو تجارية تريد أن تجعل الوباء طريقة للكسب السريع على مذهب "أثرياء الحرب".

ونحن لا نحصر الإرعاب في الإعلام وحده (بمنابره التقليدية والحديثة)، ولا نزعم أنه المؤثر الأهم في تشكيل الوعي الجمعي وتحديد آليات تعامله مع وباء الكورونا. فلأجهزة الدولة أيضا (بكل وزاراتها بحكم التضامن الحكومي من جهة، وبحكم تعدد الأطراف المتدخلة في وباء الكورونا محليا وجهويا ووطنيا من جهة أخرى)، مسؤولية قد تكون هي الأهم واقعيا.

ولعل ما تعاني منه الإجراءات الحكومية والإجراءات البلدية هو تأثيرها المزدوج أو المتناقض: كل إجراء جذري ومعمّم سيحد من إمكانة تفشي الوباء (منع التجمعات العامة، إيقاف الرحلات إلى بؤر تفشي الكورونا، تشديد إجراءات الرقابة الحدودية والصحية، فرض نظام جديد على المقاهي وغيرها.. إلخ)، ولكنه سيزيد من حالة الخوف لدى المواطنين. ولا يمكن تجاوز هذا التناقض إلا باعتماد استراتجيات اتصالية معقلنة وفعّالة، وهي استراتجيات تظل محدودة التأثير ما لم تساهم فيها كل وسائل الإعلام التقليدية، وما لم ينخرط فيها المواطنون طوعيا في وسائل التواصل الاجتماعي.

ختاما، قد تكون كورونا هي "الضارة النافعة"، أو لنقل هي الشر الذي لا بدّ منه للخروج من حالة الانقسام المجتمعي والصراعات السياسية التي أزّمت الوضع العام وأضعفت البلاد اقتصاديا واجتماعيا، وجعلت "الوحدة الوطنية" مجرد مجاز لا محصول تحته. ولا شك في أن التعامل الرسمي والإعلامي والمواطني مع وباء الكورونا سيكون محدّدا لما بعده، أو سيكون معيارا يمكن القياس عليه في استشراف التعاطي السياسي والمدني مع باقي الملفات العالقة. فالبلاد لا تتحمل أية مناكفات لأنها في حالة لا تختلف كثيرا عن حالة الحرب التي تستدعي ترحيل كل الخلافات إلى حين التخلص من العدوّ. ولا شك في أن كورونا عدوّ أخطر كثيرا من الأسلحة التقليدية، إذا ما تعاملنا معه باستخفاف أو بتهويل؛ لا غرض له إلا إضعاف الجبهة الداخلية.
التعليقات (0)