كتب

هل تكون الخلافة بديلا للدولة القومية والنظام الديمقراطي؟

عويمر أنجوم: الدولة القومية للمسلمين كانت وسوف تبقى نظاما وحشيا ومسببا للخلافات (عربي21)
عويمر أنجوم: الدولة القومية للمسلمين كانت وسوف تبقى نظاما وحشيا ومسببا للخلافات (عربي21)

الكتاب: من يريد الخلافة؟
المؤلف: عويمر أنجوم
الناشر: معهد يقين للبحوث الإسلامية 
سنة النشر: 2019 
عدد الصفحات: 52

يزداد عدد الإصدارات والأدبيات والنقاشات في النظريات السياسية في الوقت الراهن خاصة حول الأزمات المخُتلفة التي تواجه ما يعرف بـ "الدولة القومية"، حيث باتت تطرح أفكار حول انحصار وتراجع الديمقراطيات ودخول حركات يمينية مُتطرفة الساحات السياسية عبر صناديق الاقتراع في عدد من الدول الغربية التي تعرف بكونها الأكثر ديمقراطية في العالم

لا شك أن التفكير بما بعد "الدولة القومية" يحتاج لجهد فلسفي عميق لكن من الممكن الادعاء بأن معظم ما كُتب أو على الأقل الكثير مما كُتب بهذا الصدد ينتقد الدولة القومية والنظام الليبرالي والنظام الدولي الذي أُسس على فكر الدولة القومية لكن بدون طرح حلول لماهية النظام الدولي الجديد أو الأنظمة الداخلية للدول. 

بطبيعة الحال فإن مشاكل الدولة القومية ليست مَحصورة على الغرب بل لها أبعاد أخرى قد تكون أعمق بالعالم العربي والإسلامي. 

الكتاب الذي أناقشه هنا، هو في الأصل عبارة عن بحث مطول، ويطرح تساؤلا جوهريا مرتبطا بهذه القضية وهو "من يريد الخلافة؟" كونها وبحسب الكاتب البديل الأفضل للدولة القومية والنظام الديمقراطي. 

يؤكد عويمر أنجوم أن هناك من يُعارض فكرة إحياء الخلافة وذلك لثلاثة أسباب مختلفة: أولًا أنها غير مرغوب بها، فالمعترضون من هذه الفئة يزعمون أن فكرة الخلافة غير مرغوب بها كونها مرتبطة بنظام استبدادي مطلق، وأنها تتعلق بعصر بدائي قبل ظهور حقوق الإنسان وحقوق المواطنة والحريات الدينية. أيضا كون الخلافة مرتبطة بحركات إرهابية مثل "داعش". 

ثانيًا: الذين يدعون أن فكرة الخلافة غير ممكنة التطبيق بالوقت الراهن فهم يصرون أنه ورغم عيوبها فإن الدولة القومية وجدت لتبقى. 

وأخيرًا، الذين يؤمنون أن الخلافة ليست ضرورة دينية، فبحسب هذه الفئة فإن الخلافة ليست مؤسسة دينية إسلامية بل هي مؤسسة لها سياقاتها التاريخية. في كتابه "من يريد الخلافة؟" يرد الكاتب على هذه الاعتراضات الثلاثة بالتفصيل.

 

الخلافة والوحدة الإسلامية

يجادل الكاتب أن من يدعون أن فكرة الخلافة ببساطة غير ممكنة كونها لم تعد موجودة في العصر الراهن يرتكزون على فشل بالتصور والشجاعة الفكرية، وذلك كون الديمقراطية على سبيل المثال قد بدأت بشكل محدود وفي مدن يونانية صغيرة، حيث ازدهرت لمئات من السنوات ثم تلاشت لمدة ألفي عام. حتى عندما ظهرت الديمقراطية بعد التلاشي الطويل ظهرت ضمن سياق يزدريها، فالمؤسسون الأمريكيون الأوائل والنخبة نظروا إلى "الديمقراطية الجمهورية" على أنها مجرد سفسطة لكن وبسبب الضغوطات الشعبية اضطروا لتغيير موقفهم المُحتقر للديمقراطية. لذا، فلا يوجد داعي لاعتبار الخلافة غير ممكنة كونها ليست موضة سائدة. 

إن الخلافة تعني على الأقل الوحدة الإسلامية، وهذه الفكرة بحسب الكاتب تنعكس بكل الدروس المستوحاة من القرآن الكريم التي لها علاقة بالوجود الاجتماعي. كما أنها فكرة مُكرسة بكل التعاليم النبوية وكل خطب الجمعة حتى يومنا الحاضر. 

يبين الكاتب أنه وعبر العصور كان هناك توافق على فكرة الوحدة الإسلامية وبالتالي فإنها ليست مجرد شريعة إسلامية سابقة بل أنها شرط لولادة الأمة وتماسكها. وبالتالي يبين أنجوم ان الوحدة السياسية للمسلمين والاستمرار بهذه الوحدة هو جزء من الهوية الإسلامية عبر التاريخ. 

يذكرنا الكاتب بأن فكرة الخلافة لم تكن مجرد فكرة مثالية حتى في أفضل أيامها. وبالتالي يجب علينا رفض التفسير الرومانسي للخلافة بأنها مؤسسة تضمن استقلال المسلمين ورفاهيتهم. كما أن الخلافة لم تستمر بشكل متواصل وبدون مشاكل خلال ثلاثة عشر قرنا، وبالتالي يجب النظر للخلافة بنظرة واقعية موضوعية.  

 

الخلافة كفدرالية من الحكومات المحلية التي من الممكن أن تحكم بالديمقراطية أو من قبل عدد من مؤسسات تقوم على أساس مفهوم الشورى وهذا يبنى على المساءلة والمسؤولية والتمثيل.


الكاتب يؤيد أن فكرة الخلافة ضرورة دينية، ويقتبس رأي عدد من العلماء المسلمين بهذا الصدد، مثالا على ذلك حجة الإسلام أبو حامد الغزالي اعتبر الخلافة فرضا بصرف النظر عن فاعليتها، فالخلافة بالنسبة له كما العبادات وبالتالي فهو يفصلها عن وظيفتها السياسية. في المقابل، آخرون كشيخ الإسلام ابن تيمية وإمام الحرمين الجويني يشددون على الطبيعة العقلانية للخلافة. 

عويمر أنجوم يتفق مع الجويني وابن تيمية حيث يقول: إن أي تحرك نحو إعادة تفعيل مؤسسة الخلافة على المستوى الدولي يجب أن يكون على أساس القدرات والإمكانيات التي من الممكن لها أن تواجه التحديات الملحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تواجه المسلمين. يُذكرنا الكاتب بأن تشكيل رأي لوجوب الخلافة فإنه يجب العودة إلى النصوص الدينية والفقه الإسلامي لكن إذا ما أردنا الحديث عن إمكانية إعادة تأسيس الخلافة او الرغبة بها فإنه يجب العودة إلى التاريخ والسياسة أو ما يعرف بفقه الواقع. 

ينتقد الكاتب بشكل صارم الدولة القومية بشكل عام، كما يبين كيف أن الدولة القومية للمسلمين كانت وسوف تبقى نظاما وحشيا ومسببا للخلافات بل يصفها بأنها "جهنمية". بالنسبة له هذا ليس لمجرد كونها تم ترسيمها والتخطيط لها من المستعمرين بل لإن الدولة القومية تتعارض مع طبيعة الإسلام. يعطي الكاتب أمثلة كثيرة من دول يوجد بها مسلمون من فلسطين إلى مينمار وأقلية الإيغور بالصين مرورا بكشمير وغيرها من الأماكن التي يعاني المسلمون بها من بنية وهيكلية الدول القومية. فهم بهذه الدول يتعرضون للعنف والاضطهاد والتمييز العرقي. 

خمس نماذج للخلافة

حتى يبين لنا الكاتب تعقيد التاريخ السياسي المتعلق بالخلافة فهو يذكرنا بوجود خمس نماذج للخلافة. أولها وأكثرها معيارية هي فترة الخلفاء الراشدين. بعد حوالي مئة عام ظهر نموذج آخر وهو سلطة سياسية ودينية أصبحت تُشارك بين العلماء والخليفة، حيث لم تكن للخليفة سلطات مطلقة قط ولكن العلماء بدأوا التنظير لحدود صلاحياته، بدأت هذه الفترة من القرن العاشر ميلادي. 

في المرحلة الثالثة، كانت الخلافة أكثر رمزية وسلطة روحية، وكان القادة الحقيقيون عدد من الحكام المحليين والقادة العسكريين الفاتحين. أشهر قادة هذه المرحلة هو صلاح الدين الأيوبي. في هذه المرحلة التي استمرت لخمس قرون تبلورت الشريعة الإسلامية، علم التوحيد إضافة إلى الفكر الإسلامي.

المرحلة الرابعة، عبارة عن دمج للنموذج الثاني والثالث، تشكل هذا النموذج عندما قام العثمانيون بتوحيد أوروبا الشرقية وغرب آسيا وشمال إفريقيا تحت إمبراطورية مُوحدة، حَكمت حوالي خمس قرون كواحدة من أكثر الإمبراطوريات نجاحا واستقرارا وقوة في ذلك الوقت. 

النموذج الخامس هو عندما تصادمت الدول القومية الحديثة في القرن التاسع عشر مع الإمبراطورية العثمانية وتحديدا عندما قام العثمانيون بتحديث جيشهم واقتصادهم، يسمي الكاتب هذه المرحلة الخلافة الدستورية. 

دراسة هذه النماذج تثبت لنا إمكانية تطبيق فكرة الخلافة كما ويبين لنا بوضوح وفقا للكاتب أن الخلافة لم تكن مجرد حكم ديني ولا حتى استبدادي. على العكس من ذلك ضمنت الخلافة في هذه النماذج المختلفة حرية للمجتمعات والأقليات غير المسلمة مثل اليهود والنصارى وغيرهم. يُقر الكاتب مرة أخرى بأن الخلافة لم تكن مثالية بطبيعة الحال لكنها وبحسبه أفضل حالا من الدول الحديثة الإسلامية بل وأفضل من عدد من الدول الديمقراطية. 

يختم الكاتب كُتيّبه بتعريف الخلافة كفدرالية من الحكومات المحلية التي من الممكن أن تحكم بالديمقراطية أو من قبل عدد من مؤسسات تقوم على أساس مفهوم الشورى وهذا يبنى على المساءلة والمسؤولية والتمثيل. كما يؤكد على أن الشريعة الإسلامية تعددية بطبيعتها من الناحية القانونية وهي لا تسعى إلى فرض قواعدها المجتمعية على غير المسلمين. هذا لأن المفهوم الإسلامي للحياة المُجتمعية والحكم هو في الأساس من القاعدة إلى القمة، أي أنه لا يمكن أن يخضع الناس إلا للقوانين التي يؤمنون بها.

بعد نشر هذا الكُتيّب دارت نقاشات مُختلفة بين مثقفين وأكاديميين خصوصا بالولايات المتحدة الأمريكية حول هذا الكتيب وموضوعه، حيث اتهم الكاتب ومركز يقين للدراسات للبحوث الإسلامية بأمور كثيرة مثل الدعوة لتأسيس خلافة وربط ذلك بالحركات الإرهابية و"داعش" وغيرها من الأمور المزعومة.  لذا فإن الوقوف على فحوى هذا الكتيب والاطلاع بتمعن على ما جاء به أمر مهم للغاية ليس للمهتمين بالإسلام والسياسة بل والنظريات السياسية. 

في النهاية يجدر القول بأن هناك تزايد بالأدبيات التي تكتب عن الخلافة بالغرب، فعلى سبيل المثال كتب أستاذ العلوم السياسية أندرو إف مارش كتاب في أيلول (سبتمبر) الماضي بعنوان "خلافة الإنسان: السيادة الشعبية في الفكر الإسلامي الحديث". أيضا هناك كتابات ترصد جوانب معينة بمفهوم الخلافة ككتاب حسين يلمز الذي نُشر بداية العام الماضي والمعنون بـ "إعادة تعريف الخلافة: التوجه الصوفي في الفكر السياسي العثماني".

*باحث مُشارك في مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة إسطنبول "زعيم" ومحاضر في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بنفس الجامعة.

التعليقات (0)