اقتصاد عربي

هل يشعل "رغيف الخبز" شرارة ثورة جديدة بوجه حكومة حمدوك؟

لم تستطع الحكومة الانتقالية حتى الآن، إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي لا تبرح مكانها- جيتي
لم تستطع الحكومة الانتقالية حتى الآن، إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي لا تبرح مكانها- جيتي

تحولت أزمة الدقيق والخبر في السودان، من مجرد ملف عادي يتسبب بين الفينة والأخرى بأزمات عابرة، إلى معضلة كبرى باتت الشغل الشاغل للمواطن، ومادة دسمة لتوجيه النقد اللاذع لسلوك الحكومة، بعد الكشف عن تلاعب في حصص بعض المحافظات، وتهريب القمح لأسواق دولية مجاورة بحسب مسؤولين حكوميين.

 

وتحفر أزمة ملف الخبز والدقيق بذاكرة السودانيين أشياء كثيرة، فهي التي كانت محركا أساسيا "لثورة ديسمبر"، والتي كانت سبباً في تغيير نظام حكم البشير بعد ثلاثين عاما من السلطة (1989-2019).


وأشعل الخبز ثورة شعبية سودانية اندلعت شرارتها الأولى من مدينتي الدمازين (جنوبا) وعطبرة (شمالا) في كانون الأول/ ديسمبر 2018، بعد اختفاء السلعة من المدينتين لفترة أسبوع.

وخرجت الاحتجاجات الشعبية التي امتدت إلى كل المدن السودانية، وتكللت بسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير بعد عزله من قبل الجيش في نيسان / أبريل الماضي.

وأزمة الخبز هي إحدى تجليات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان على خلفية فقدان احتياطياته من النقد الأجنبي بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 وما خلّفه من حرمان السودان من الموارد النفطية التي كانت تساوي 80% من احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

ولم تستطع الحكومة الانتقالية حتى الآن، إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي لا تبارح مكانها وتتجدد بين فترة وأخرى بسبب عجز البلاد عن توفير موارد كافية لاستيراد القمح.

ودعا رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في وقت سابق، إلى "تكاتف الجميع لتجاوز التحديات التي تمر بها البلاد".

وقال في تدوينة عبر صفحته الرسمية في "فيسبوك" إن حكومة الفترة الانتقالية، تدرك تماما حجم التحديات التي تمر بها البلاد، لا سيما الأزمات الماثلة أمامنا، وتسعى لإيجاد حلول جذرية لها.

ويعاني السودان حاليا، من تصاعد أزمة الخبز في السوق المحلية، لعدم استيراد الكميات اللازمة من القمح بسبب قلة النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، وتلاعب في حصص بعض المحافظات، وتهريب القمح لأسواق دولية مجاورة بحسب المسؤولين الحكوميين.

موارد ضخمة والأزمة مستمرة


ورغم توفر موارده الزراعية فإنه لا يستطيع السودان الاكتفاء من سلعة القمح لأسباب عديدة من بينها عدم مواءمة المناخ لزراعته إلا في شهور معينة من السنة، لاحتياج المحصول إلى أجواء باردة، بالإضافة إلى عزوف المزارعين عن زراعته لارتفاع تكلفته ومحدودية عائداته.

وتلزم الحكومة السودانية المزارعين ببيع محصول القمح لصالح المخزون الاستراتيجي عبر أسعار تركيزية يعتبرها المزارعون ضعيفة ولا تتناسب مع تكلفة الإنتاج.

وبحسب إحصائيات حكومية فإن استهلاك البلاد من القمح يقدر بنحو 2.400 مليون طن فيما لايتجاوز الإنتاج المحلي منه الـ350 ألف طن.

ويعيش السودان هذه الأيام أزمة خانقة في الخبز والوقود تجلت في اصطفاف عدد كبير من المواطنين أمام المخابز لساعات طويلة فيما أغلقت عدد كبير من المخابز أبوابها بسبب عدم توفر الدقيق.

وكشفت ورقة صادرة من وزارة التجارة والصناعة السودانية أن عدد المخابز بالبلاد يصل إلى 13.760 ألف مخبز.

استمرار الأزمة.. "فضيحة القرن"


واعتذر وزير الصناعة والتجارة السوداني، مدني عباس مدني، في مؤتمر صحفي الأربعاء، عن عجز الحكومة عن حل الأزمة كما وعدت، واصفاً استمرارها بـأنه "فضيحة القرن".

وحدد مسببات الأزمة بعدة أسباب؛ منها عدم توفر القمح وضعف الرقابة على السلعة المدعومة، ما يؤدي إلى تسريبها وتهريبها خارج المنظومة.

وأكد الوزير السوداني على أن الدولة ستظل ملتزمة بدعم الخبز، قائلا “هذا الالتزام لا رجعة عنه على الرغم من ظروف الدولة الاقتصادية".


اقرأ أيضا :  4 قرارات حكومية عاجلة لاحتواء أزمة الخبز والوقود بالسودان


وتدعم الحكومة السودانية الدقيق بقيمة 1650 جنيها (32 دولارا) عن كل 50 كيلوغراما، ويستورد السودان سنويا قمحا بقيمة 1.144 مليار دولار وفقا لإحصائيات رسمية.

وأعلن مدني عن إجراءات وحلول لحل الأزمة الحالية من بينها عقوبات تفرض على وكلاء الدقيق الذين يقع على عاتقهم توزيع الدقيق من المطاحن إلى المخابز وأصحاب المخابز الذي يستلمون حصة الدقيق ويسربونها إلى الأسواق غير الرسمية وطرح خبز تجاري لاستخدامات المطاعم والفنادق بأسعار غير مدعومة.

احتجاجات الخبز تعود 


خلال الأيام الماضية شهدت مناطق متفرقة من البلاد إحتجاجات على انعدام الخبز وعدم توفره في المخابز في ظل تخوفات من قيام ثورة ضد الحكومة الانتقالية.

ولأجل ذلك عقد مجلس الدفاع والأمن اجتماعاً طارئاً الاثنين الماضي، بحث فيه اتخاذ التدابير اللازمة لنزع فتيل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وذلك عقب وصول الاحتجاجات إلى العاصمة الخرطوم تنديدا بانعدام الخبز والوقود.

ويترأس عبد الفتاح البرهان (رئيس مجلس السيادة) مجلس الدفاع والأمن، ويضم في عضويته كل أعضاء مجلس السيادة، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والقائد العام للقوات المسلحة، ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والمالية والتخطيط الاقتصادي.

ورأى محللون أن خطوة اجتماع مجلس الأمن والدفاع قد تكون مؤشراً على تخوف من أن تزداد الاحتجاجات الشعبية، مكررة مشاهد ثورة ديسمبر.

إلا أن الأمين العام لحماية المستهلك، ياسر مرغني رأى أن الحكومة الانتقالية تسعى بشكل جاد نحو حل الأزمة عن طريق حلول مبتكرة وعبقرية.

وقال مرغني في تصريح لـ الأناضول إن خطوة طرح خبز تجاري ستعمل على تخفيف الضغط عن الخبز المدعوم وعلى مستحقي الدعم.


اقرأ أيضا :  حكومة السودان: مستمرون في دعم أسعار الخبز.. ولكن


واستبعد أن تساهم أزمة الخبز الحالية في قيام ثورة مضادة لجهة أن "هناك تفويضا من غالبية الشعب السوداني للحكومة الانتقالية لعبور التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد".

ورهن نجاح الحلول المطروعة بتنفيذ قوانين رادعة في حق المتلاعبين بسلعة الخبز عبر إغلاق المخابز غير الملتزمة بالعمل وسحب حصص الدقيق منها.

وطالب مرغني القوات النظامية بتكثيف العمل في مراقبة سلعة الدقيق تجنبا لتهريبها خارج البلاد للاستفادة من انخفاض اسعارها.

في المقابل برر مصدر بأحد المطاحن العاملة للبلاد -غير مخول له بالحديث مع الإعلام- تجدد أزمة الخبز بوجود عوامل متشابكة.

وقال لـ الأناضول "عندما يتوفر القمح تكون هناك أزمة وقود يصعب معها ترحيل القمح من الميناء إلى بقية الولايات ما يؤثر على انسياب القمح".

وأوضح أن هناك بطءا في اتخاذ القرارات من جانب الحكومة في موضوع تكلفة الدقيق والخبز وعدم تفهم الدولة للتطورات في ما يخص سعر الصرف الذي يشكل أكبر عقبة لتجاوز الأزمة.

وفي كانون الثاني / يناير الماضي، سجل الدولار هبوطا قياسيا أمام الدولار بعدما وصل سعره في الأسواق الموازية إلى أكثر من 100 جنيه للدولار الواحد.

وشكا المصدر من تساهل الحكومة مع المطاحن غير الملتزمة بالحصص المتفق عليها مما يؤثر في توزيع الكمية اليومية للدقيق والتي تقدر بـ 100 ألف "شوال" زنة 50 كيلوغراما.

وتعتمد الحكومة السودانية على خمس مطاحن لطحن الدقيق تتبع جميعها للقطاع الخاص. 

ويظل السؤال المطروح في الساحة السودانية، حول نجاعة الحلول التي ستقدمها الحكومة الانتقالية للخروج من مشكلاتها الاقتصادية المزمنة وعلى رأسها أزمة الخبز، وما إذا كانت ستقيها غضب الشارع.

التعليقات (0)