صحافة دولية

روائية أمريكية: ابن سلمان ليس مصلحا وأمريكا تدعم اسبتداده

NYbooks: إصلاحات ابن سلمان هي لحرف النظر عن القمع ولخداع الغرب- جيتي
NYbooks: إصلاحات ابن سلمان هي لحرف النظر عن القمع ولخداع الغرب- جيتي

نشر موقع "نيويورك ريفيو أوف بوكس" مقالا للروائية الأمريكية كييجا بارسنين، تحت عنوان "العلاقات الأمريكية السعودية من خلال عيون بنت مدللة في أرامكو"، تستعيد فيه رؤيتها بصفتها فتاة صغيرة ولدت في السعودية، حيث كان والدها يعمل في شركة النفط "أرامكو". 

 

وتتذكر بارسنين في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، احتفالا لعيد الشكر عام 1991 عندما وجهت العائلة دعوة للجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب الخليج، وكانت في حينها، وهي المولودة في السعودية، طفلة لقنت بأن هؤلاء الجنود هم الذين حموا السعودية وأمريكا من صدام حسين، حتى عملية أبراج الخبر التي قتل فيها 19 جنديا، حيث تساءلت عن السبب الذي يجعل سعوديين يقتلون أمريكيين جاءوا لحمايتهم.

وتشير الكاتبة إلى أنها في ذلك الوقت لم تكن تعرف أن هناك في السعودية من رأى في نشر نصف مليون جندي -وهو العدد ذاته الذي نشرته أمريكا في ذروة حرب فيتنام- احتلالا، وفي تفكيرها ذلك الوقت كانت تعتقد أن العلاقة الأمريكية الخاصة تتجاوز المصالح النفطية، وربما جاء هذا التفكير من الزيارات الأسبوعية التي كانت تقوم بها العائلة لأصدقائها السعوديين في الخبر، وبعد أقل من نصف عام من حفلة عيد الشكر غادرت عائلتها السعودية وعادت إلى موطنها الأصلي- أمريكا. 

وتلفت بارسنين إلى التحولات التي بدأت في السعودية بعد وصول الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة، من إلغاء الفصل بين الجنسيين وما يجري تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث وضعت صديقات من "مدللات" أرامكو على صفحات "فيسبوك" تعليقات، مثل: "لا حاجة للجلوس في قسم العائلة". 

 

وتقول الكاتبة إنها وصديقاتها من بنات "أرامكو" المدللات يعتبرن السعودية وطنهن مع أنهن لا يتحدثن اللغة العربية ولسن مسلمات، ولا توجد رابطة دم تربطهن مع قبائل الجزيرة، و"لن نكون أبدا مواطنات في ذلك البلد"، لكنهن قضين وقتهن يسبحن على شواطئ الخليج العربي ويخيمن في الصحراء، فعلاقتهن مع البلد قوية كما كانت في بوتقة الطفولة. 

 

وتقول بارسنين إن فتح الباب أمام دور السينما والتغيرات التي أحدثها محمد بن سلمان جعلت السعودية مختلفة ليس عن سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بل قبل عامين، مشيرة إلى أن الطريقة التي عزز فيها ابن سلمان سلطته لم تكن حميدة. 

وتنوه الكاتبة إلى أن السعودية التي كبرت فيها كانت مكانا محرما يختلف عن المملكة التي نشأت فيها والدتها في خمسينيات القرن الماضي، ففي ظل والدتها كان البلد محافظا ولكنه ليس متشددا، و"أرشيف (أرامكو) مليء بصور النساء الأمريكيات وهن يمشين حاسرات الرأس في شوارع الخبر". 

 

وتقول بارسنين إن البلد أصبح متشددا لعدة أسباب؛ منها الثورة الإيرانية عام 1979، وحركة جهيمان العتيبي التي سيطرت على الحرم المكي، التي استطاعت الحكومة القضاء عليها بمساعدة القوات الفرنسية الخاصة، وتم سحق ثورة الشيعة في المنطقة الشرقية التي تأثرت بالثورة في إيران، ولم يعد أحد طلاب والدها في جامعة الظهران للبترول والمعادن إليها. 

 

وتفيد الكاتبة بأن العائلة المالكة قررت إحداث التحول خشية من ولادة نظام جديد على الطريقة الإيرانية التي اندلعت ضد الشاه الذي قامت أمريكا بإعادته إلى السلطة، واشترك الشاه مع السعوديين بالقمع والديكتاتورية، ومنح الملك خالد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة واسعة، حيث طبقت "الهيئة"، كما عرفت، القوانين المشددة، ومنعت الاحتفالات، وأوفقت من تريد في الشوارع. 

 

وتتذكر بارسنين كيف رمى رجال الهيئة حجرا على أختها وهي في ساحة المدرسة؛ لأنها لم تكن ترتدي الحجاب، وفي العام ذاته حثت الجامعة والدها وغيره من المدرسين الأجانب على البحث عن وظائف جديدة، ولهذا انتقل إلى "أرامكو". 

 

وتقول الكاتبة إن محمد بن سلمان يحاول اليوم إعادة كتابة التاريخ ويلقي اللوم على جهيمان ورجال الدين ويحملهم مسؤولية التشدد، لكن العائلة المالكة هي التي دعمت في ذلك الوقت رجال الدين واعتبرتهم أمرا ضروريا لحماية حكم العائلة، مشيرة إلى أنه بعد عودتها إلى أمريكا شعرت بأنها تعيش في منفى عن وطنها الأول، مع أن عائلتها أخبرتها أن البلد الذي تعيش فيه الآن هو وطنها. 

 

وتشير بارسنين إلى أنه مع دخولها في الحياة اليومية بدأت تكتشف أن الكثير من أصدقائها يكرهون السعودية، وجاء مصدر الكراهية بسبب حظر تصدير النفط والفصل بين الجنسين والفساد، لافتة إلى أنهم عندما اكتشفوا أنها ولدت ونشأت في السعودية استغربوا، وبدت في حالة اعتذارية في دفاعها عن السعودية أمام النقاد، قائلة إن التغير في مجتمع قبلي عادة ما يكون بطيئا، وأن أمريكا دون النفط السعودي ستنتهي وغير ذلك، وركزت على الجماليات السعودية من الصحراء والطعام وصوت المؤذن الجميل ودفء الناس ولطفهم. 

 

وتلفت الكاتبة إلى أنه حدثت بعد ذلك هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، حيث كانت بارسنين في العشرين من عمرها تدرس في الجامعة، وعرفت بعد ذلك أن 15 من المنفذين هم سعوديون، "وأخرسني هذا الأمر، ولم يكن لدي ما أقوله لمواجهة الأجساد المتطايرة من السماء والوجوه المغطاة بالرماد والخائفة، وعرفت أن الرئيس جورج دبليو بوش وإن لم يشمل السعودية في محور الشر لكنها في عقول الأمريكيين موجودة فيه منذ وقت". 

 

وترى بارسنين أن المرحلة الاعتذارية في حياتها انتهت بعد هجمات أيلول/ سبتمبر، التي كانت بمثابة الصحوة لها، وبدأت بالقراءة وكانت غاضبة على وطنها بالمولد ولشعورها بحس الخيانة، لكن القراءة كانت محاولة منها لفهم طبيعة العلاقة التي ظلت قائمة على الحس الاستعماري، و"الشعور بالخيبة ممن قدمنا لهم الكثير ثم ضربونا في عقر دارنا، وبعد هذا كله فقد كانت القراءة لا تقوم على ثنائية نحن/ هم التي روج لها محافظو إدارة بوش الجدد، واكتشفت الاختلاف بين البلدين، فلم نعد تلك العائلة المبتسمة في (أرامكو)، التي تحاول مد يدها وسط الخلاف الثقافي، فقد كنا أمتين مختلفتين بطريقة جذرية وحدنا النفط والمصالح المشتركة، وفي النهاية لم تكن هناك (علاقة خاصة) بقدر ما هي علاقة تبعية لم يكن من الممكن فيها كراهية السعودية دون شجب الأعمال الأمريكية والبترودولار الذي حول المملكة للوضع الذي وصلت إليه". 

 

وتقول الكاتبة إنها ظلت تؤمن بأسطورة عدم تعرض السعودية للاستعمار مثل البحرين وعمان، واكتشفت لاحقا الإمبريالية الأمريكية التي ولدت في الحرب الأمريكية الإسبانية ونسختها المعدلة في عهد هنري كابوت لودج، وأصبح لها صوت في عهد تيودور روزفلت، ودون هذه المعرفة آمنت أن "أرامكو" هي عامل خير تتعاون في أمريكا مع السعودية لتوفير النفط للعالم. 

 

وتلفت بارسنين إلى أن ثقافتها السياسية بدأت عندما نشرت روايتها الأولى "دمار أنفسنا"، لكنها تعمقت وتوسعت مع روايتها الثالثة التي حكت فيها قصة العلاقات الأمريكية السعودية من خلال علاقة بين موظف سعودي وأمريكي يعملان في "أرامكو"، وتساءلت إن كانت طفولتها تشبه حياة أبناء المستعمرين، و"الجواب نعم إن كانت (أرامكو) شركة وكيلة عن المصالح الأمريكية". 

 

وتنوه الكاتبة إلى أنه في أثناء النزاع حول صحراء البريمي مع عمان في عقد الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، أرسلت الشركة عرباتها إلى الحدود لأغراض أمنية، لكن تحت غطاء التنقيب عن النفط، وعندما تعلق الأمر بشؤون الدولة كان مديرو "أرامكو" يتمتعون بتأثير أكبر من أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في الرياض، مشيرة إلى أنه عندما بدأ والدها العمل في الشركة عام 1980 كانت السعودية قد أممت الشركة، وأصبح اسمها شركة النفط السعودية، وأصبح علي النعيمي أول مدير سعودي لها. 

 

وتقول بارسنين إن حياة والدتها في السعودية ما بين 1951- 1969 ربما كانت شبيهة بحياة المستعمرين، ففي تلك الفترة كانت تديرها الشركة أربع شركات أمريكية تقدم للسعودية حصة بحسب الاتفاق، وكانت هذه الشركات تنظر لنفسها بأنها تقدم خدمة للسعودية من خلال بناء البنى الضرورية لدولة حديثة.

 

وترى الكاتبة أن "مجمع النادي" في رواية إي أم فورستر "ممر للهند" قد يصلح لوصف المجمعات السكنية لـ"أرامكو"، التي احتوت على مسابح وملاعب غولف، و"ما كان ناقصا في (أرامكو) بصفتها أداة استعمارية هو الهدف مثل أهداف أشكال الاستعمار الأخرى التي تخفت وراء حس الواجب الأخلاقي لسرقة ثروات المستعمرات، وفي الوقت الذي تتحدث فيه كتب التاريخ الخاصة بـ(أرامكو) عن دورها في مجال الصحة والتعليم، إلا أن الهدف الأول والأخير كان إثراء النفس، والتعليم الذي قدمته الشركة للسعوديين كان كله خدمة لهذا الهدف".

 

وتشير بارسنين إلى أن "على خلاف الاستعمار البريطاني الذي شهد نشر المسيحية واللغة الإنجليزية جزءا من المشروع الاستعماري، قيدت (أرامكو) الثقافة الأمريكية في مجمعاتها، خاصة أن نشر المسيحية ممنوع في المملكة وعقوبته قاسية، وعاش مديرو (أرامكو) خوفا مستمرا من تخلي السعودية عن خدماتهم، وهدد الملك عبد العزيز عام 1950 بهذا وتبعه الملك سعود عندما منح حقوق الشحن لأرسطو أونانيس، فأدخل الشركة في معركة قانونية، وقبل حرب عام 1973 شعر مديرو الشركة بمخاطر دعم أمريكا لإسرائيل، وقاموا بحملة ضغط وقائية دون تحقيق أي نجاح، وفي الوقت الذي يناقش فيه البعض أن السعودية لم تفكر أبدا، وليس لديها القوة لإنهاء خدمات (أرامكو)، لكن على الشخص النظر إلى تجارب تأميم عنيفة في الشرق الأوسط، حيث لم تكن لدى بريطانيا أوراق مقايضة قوية".

 

وتجد الكاتبة أنه في الوقت الذي يحترم فيه السعوديون دور الشركة في حياتهم، ويقدرون ما قدمته لهم، لكنهم لم يحتملوا وجود القوات الأمريكية في بلادهم، فقد احتجوا عام 1956 عندما اندلعت تظاهرات في قاعدة جوية مرة أخرى بعد حرب الخليج، حيث انتهزت أمريكا الفرصة لإعادة بناء قواعدها في الجزيرة، وفي الحقيقة كان هذا الوجود العامل التي دفع أسامة بن لادن لضرب الأمريكيين، أما "أرامكو" فقد نظر إليها على أنها أمر جيد وضروري، وبالعودة للوراء، فإن الطفولة التي عاشتها في مملكة النفط كانت معزولة وليست كحياة المستعمرين التي صورها فورستر وغيره.

 

وتذكر بارسنين أن العائلة الأمريكية لم تكن تغادر مجمعها إلا عندما تريد الذهاب إلى المطار للإجازة، ويمكن للعائلة الأمريكية العيش سنين دون مقابلة عائلة سعودية، مشيرة إلى أنه بعد منع الأطفال السعوديين من الدراسة في مدارس "أرامكو" فإنه بات من الصعب الاختلاط مع أي منهم، فيما كان الخدم المنزليون من الفلبينيين والبنغاليين والسريلانكيين، أما الأساتذة فكانوا من الأمريكيين البيض.

 

وبالنسبة للكاتبة فإن "السعودية تبدو اليوم مثل أب غريب، ورغم أن الأمريكيين يعيشون حرية أفضل من السعوديين، إلا أن حياتهم عرضة للخطر وزادت نسبة الانتحار بينهم، وتراجعت معدلات الحياة لأول مرة منذ جيل، والإدمان مستشر، فيما يعيش السعوديون في ظل نظام قمعي، لكن الأمريكيين ورغم ما لديهم من حرية ليسوا سعداء".

 

وترى بارسنين أن "إصلاحات محمد بن سلمان هي كليشيه لحرف النظر عن القمع وخداع الغرب ورجال الإعمال ودفعهم للاعتقاد بأنه مصلح، أو على الأقل منحهم غطاء لمواصلة التعامل مع المملكة وغض الطرف عن الانتهاكات، ويبدو ان هذه الاستراتيجية نجحت، فبعد عام على اغتيال جمال خاشقجي عاد رجال الأعمال الذين قاطعوا مؤتمر الاستثمار عام 2018 إلى السعودية من جديد".

 

وتعتقد الكاتبة أن "محمد بن سلمان ليس زعيما يحمل رؤية، بل هو مستبد حول السعودية من ديكتاتورية ناعمة كان يتم فيها التسامح مع النقد اللطيف إلى دولة بوليسية، فسجن وعذب أعداءه ومنافسيه، وقتل جمال خاشقجي وقطعه، وأسكت (تويتر) ليضمن صعوده إلى السلطة، وعذب النساء اللواتي طالبن بحريات للمرأة، ومنعت عزيزة اليوسف التي أفرج عنها في الربيع من السفر هي وابنها، وسجن صلاح حيدر الأمريكي السعودي لضمان خضوعه للنظام، وهناك لجين الهذلول التي كتبت شقيقتها عن تعرضها للتعذيب". 

 

وتستدرك بارسنين بأنه "رغم هذا كله فإن السعودية حصلت على دعم كامل من أمريكا الرئيس دونالد ترامب، لكن أمريكا قوت الطغاة حول العالم عندما ناسب هذا مصالحها القومية، ومحمد بن سلمان هو واحد منهم".

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "اليوم، يمكن في السعودية للرجل والمرأة الجلوس جنبا إلى جنب في ماكدونالدز، وربما قادت المرأة سيارتها إلى العمل، لكن تم إسكات السعوديين أكثر من أي وقت مضى، والفضل في ذلك يعود في جزء منه لتاريخ (أرامكو) المؤثر في المملكة، وأمريكا متواطئة في القمع".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)