سياسة عربية

هل تكون دير الزور السورية ساحة لصراع إيراني-أمريكي مباشر؟

ترقب حذر في المدينة - جيتي
ترقب حذر في المدينة - جيتي

تصدرت مدينة دير الزور واجهة الأحداث في سوريا، مع زيادة التوتر الإيراني- الأمريكي، على خلفية اغتيال الأخيرة لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بضربة صاروخية في بغداد.

ويسود الترقب أوساط المدينة، إلى جانب مخاوف شعبية من تحول المنطقة لساحة صدام مباشر بين القوات الأمريكية المنتشرة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرق نهر الفرات، والمليشيات الإيرانية جنوب نهر الفرات، بدأت أولى ملامحه بالظهور، مع تعرض معسكرات الأخيرة لقصف جوي على مدار اليومين الماضيين، يعتقد أنه أمريكي.

في موازاة ذلك، بدأت المليشيات الإيرانية بتعزيز مواقعها العسكرية في ريف دير الزور الشرقي، وهو الأمر الذي أكدته شبكات محلية، مبينة أن عناصر تابعين للميليشيات وصلوا خلال الأيام الماضية إلى منطقة الحزام في البوكمال ومحطة الـ T2 في البادية.

وحسب  شبكة "فرات بوست"، فإن المليشيات الإيرانية أعطت أوامر لجميع عناصرها برفع الجاهزية في بادية الميادين، وفي شاطئ نهر الفرات في مدينة صبيخان ودبلان وغريبة في ريف دير الزور الشرقي، مؤكدة أن مناطق دير الزور تشهد حالة استنفار كبيرة من جميع الميليشيات التابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني"، من ميليشيات؛ فاطميون، وزينبيون، وحيدريون، والحشد، وحزب الله، واللواء 47.

وأكدت مصادر محلية أن قادة ميدانيين في الحرس الثوري الإيراني، أبلغوا عناصرهم، بأن يكونوا على استعداد كامل لـ"عملية عسكرية كبيرة" قد يطلب منهم المشاركة فيها أو تنفيذها ضد القوات الأمريكية المنتشرة في منطقة سيطرة "قسد" في الضفة المقابلة لنهر الفرات ، مشيرة إلى وجود شائعات يتم تداولها بين عناصر الميليشيات أن المواقع الأمريكية في قريتي الباغوز وأبو الحسن بمنطقة "قسد" ستكون هدفًا رئيسيا لعمليات ثأرية لمقتل سليماني.

ومن وجهة نظر مراقبين، فإن دير الزور من بين أكثر المناطق السورية ترجيحا لمواجهة أمريكية- إيرانية مفتوحة.

صفيح ساخن

وفي حديث لـ"عربي21"، قال اللواء المنشق عن النظام، محمود العلي، إن موقع دير الزور الاستراتيجي الذي يربط العراق بسوريا، يجعل من المدينة محط أنظار إيران، إلى جانب تركز إنتاج النفط والغاز السوري فيها بكثرة.

وأضاف أن وجود القوات الأمريكية والمليشيات الإيرانية في دير الزور، يجعل المنطقة ترقد على صفيح ساخن، وخصوصا بعد التوتر الأخير على خلفية مقتل سليماني.

وحسب العلي، وهو القائد السابق لشرطة دير الزور، فإن جعل الأراضي السورية مسرحا لصراع أمريكي- إيراني مباشر، يخفف الأضرار ويجعل كلفة المواجهة في حدودها الدنيا، بدلا من أن تكون المواجهة في مناطق أخرى، من بينها الخليج العربي.

ومشاطرا العلي في الرأي، قال مدير منظمة "العدالة من أجل الحياة"، جلال الحمد، إن دير الزور كانت مرشحة لأن تتحول إلى ساحة صراع مفتوح بين واشنطن وطهران، والآن جاءت حادثة مقتل سليماني، لتزيد من حدوث هذا السيناريو.

وأوضح لـ"عربي21"، أن وجود الخلل الأمني في مناطق سيطرة "قسد"، يسهل على مليشيات إيران استهداف القواعد العسكرية الأمريكية، في حال قررت طهران التصعيد بشكل محدود ردا على مقتل سليماني.

وأضاف أن قيام المليشيات الإيرانية بهكذا أعمال، يوجب ردا أمريكيا، وفي حال حصل ذلك، فإن المنطقة برمتها مهددة بالانزلاق نحو مواجهة عسكرية.

الخبير بالشأن الإيراني، الدكتور نبيل العتوم، أكد لـ"عربي21" أن إيران ستدافع بكل قوتها عن وجودها في سوريا والعراق، وربما تحسم أمرها وتقرر الدخول في مواجهة مفتوحة، أو "الخطة ب"، بهدف خلط الأوراق، منعا لإنهاء وجودها وتمددها في المنطقة.

ورأى أن إيران هي المستفيدة من زيادة العنف، ونشر الفوضى الإقليمية، في سوريا والعراق.

إيران أقوى على الأرض

وحسب جلال الحمد، وهو من دير الزور، فإن الوجود الإيراني في دير الزور على الأرض أقوى بكثير من نظيره الأمريكي، مؤكدا في هذا السياق، أن إيران منذ بداية العام الماضي 2019، عززت من مناطق انتشارها العسكري، وبنت القواعد الكبيرة والمعسكرات، خلافا للوجود الأمريكي الذي يعتبر تواجدا هشا، وغير مستقرا، بسبب إعلان إدارة ترامب في وقت سابق الانسحاب من سوريا، ومن ثم العدول عن ذلك.

 

اقرأ أيضا: هكذا بدا شمال سوريا عام 2019.. ساحة دولية ساخنة

وأشار إلى وجود العديد من الخلايا التابعة للمليشيات الإيرانية في مناطق النفوذ الأمريكي، ما يسهل ضرب قواعد الأخيرة.

وعلى المستوى الشعبي، هناك حذر واضح من الأهالي تجاه القوات الأمريكية بسبب تبنيها ودعمها لـ"قسد"، وتجاه المليشيات الإيرانية، بسبب المشاريع المذهبية، وفق الحمد، الذي أردف "الأوساط الشعبية ليس لديها رفاهية الاختيار، وهي  بين السيء والأسوأ، وبالتأكيد ليست إيران هي السيء، بل الأسوأ".

عشائر دير الزور أين؟

وفي رده على ذلك، أقر الناطق باسم "مجلس القبائل والعشائر السورية" مضر حماد الأسعد، بأن العشائر السورية جميعها، ودير الزور على وجه الخصوص، تعاني من انقسام الولاءات.

وقال إن غالبية العشائر منقسمة في الداخل بين فريق يناصر النظام السوري وإيران، وآخر متحالف مع الولايات المتحدة و"قسد"، وفريق مع الثورة السورية، وهم الأكثرية، وفق الأسعد.

والحال كذلك، يُخشى أن تكون العشائر العربية وقودا لمواجهة أمريكية- إيرانية، بأدوات محلية، وهو ما عبر عنه الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد.

وقال لـ"عربي21"، إن الطيف الأوسع من عشيرة "العكيدات" التي تعد من أكبر عشائر دير الزور، من المتحالفين مع الولايات المتحدة و"قسد" بطبيعة الحال، بالمقابل تحالفت إيران مع عشائر عربية أخرى أو قسم منها، كما هو الحال مع عشيرة "البكارة"، التي شكلت مليشيا "لواء الباقر" الممول من الحرس الثوري الإيراني.

وحسب السعيد، قد تفضل إيران الزج بأبناء العشائر العربية في مواجهة القوات الأمريكية، ومن شأن ذلك أن يشكل محرقة لهؤلاء، نظرا للقوة الكبيرة التي تمتلكها الولايات المتحدة.

وزاد بقوله: "الأمثلة حاضرة على ذلك، فالطائرات الأمريكية أحرقت من قبل المليشيات الروسية "فاغنر" عندما حاولت الاقتراب من قواعدها العسكرية شرقي دير الزور".

الحضور الإيراني في دير الزور

وجاء في ورقة بحثية صادرة عن مركز "مسارات الشرق الأوسط" في العام الماضي، أن حضور إيران العسكري في محافظة دير الزور، يتجسد في أنواع ثلاثة:

- الميليشيات التابعة للحرس الثوري: مجموعات أجنبية شكلت في أوقات مختلفة قبل اندلاع الثورة في العام 2011 وبعدها.


- ميليشيات سورية: يعبر عنها لواء الباقر، الذي أُنشئ وفق صورته الحالية في العام 2014 في محافظة حلب.

- ميليشيات محلية تأسست تحضيرا للحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة في دير الزور، في صيف العام 2017.

وطبقا للمركز، تتألّف هذه الميليشيات بمعظمها من السكان المحليين، وتخضع جميعها لقيادة خلية من ضباط الحرس الثوري، الذين يعملون عادة انطلاقا من مقرات قيادية في مدينة دير الزور، يقدر عدد هؤلاء بـ 25 إلى 30 ضابطا، ويترأّسهم قائد أعلى يعرف بلقب الحاج علي، ويعاونه 4 إلى 5 مساعدين كبارا مختصين بالتسليح، والإمداد، والتموين، والتجنيد، والمالية، يضاف إلى هؤلاء قادة من حزب الله اللبناني، الذي يؤدي مهام مختلفة في شؤون الإعداد، والتدريب، والقيادة الميدانية أثناء المعارك.

ويمتد الوجود الإيراني، من معبر البوكمال مع العراق شرقا، إلى مركز مدينة دير الزور غربا، وتعتبر مدن البوكمال والميادين مراكز ثقل إيران في دير الزور.

التعليقات (0)