صحافة دولية

أتلانتك: هل ينجح مودي بمواصلة مشروعه لتحويل الهند لهندوسية؟

أتلانتك: المتظاهرون في الهند يحاولون إنقاذ الهند الليبرالية ومنع التعصب- جيتي
أتلانتك: المتظاهرون في الهند يحاولون إنقاذ الهند الليبرالية ومنع التعصب- جيتي

نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للكاتب والصحافي سامانث سبرامانيان، يقول فيه إن المتظاهرين في الهند يحاولون إنقاذ الهند الليبرالية، ومنع التعصب من أن يصبح قانونا للبلاد.

 

ويقول سبرامانيان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "لمدة ثلاثة أسابيع الآن هزت الاحتجاجات الهند، وزادت الجماهير يوميا الذين يجوبون الشوارع والحدائق وساحات الجامعات في المدن، ويعبرون عن غضب كبير، لكنهم يحتجون بسلام رغم ذلك".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "في دلهي، التي يحفظ وزير داخلية مودي فيها الأمن وفي الولايات الأخرى التي يحكمها حزب مودي، أظهر عناصر الشرطة وحشية معهودة، فقاموا بضرب المتظاهرين بعصي ثقيلة، وأطلقوا الغاز المسيل للدموع داخل مكتبة الجامعة، وقاموا باعتقال الناس حتى الأطفال، واحتجزوهم في محطات الشرطة، ومنعوا المحامين من الدخول لتمثيلهم". 

 

ويلفت سبرامانيان إلى أنه "في أوتار براديش، وهي ولاية يعيش فيها أكثر من 200 مليون شخص، تم فرض حظر على التجمع العام وأغلقت الإنترنت، فكيف يمكن للناس أن ينظموا مظاهرات دون (واتساب)؟، هكذا تبرر الحكومة قطع الإنترنت وكأن المظاهرات العامة هي من اختراع القرن الحادي والعشرين".

 

ويستدرك الكاتب بأنه "مع ذلك حصلت المظاهرات واستغلتها الشرطة لإطلاق النار والنهب، ومات 25 شخصا وتم اعتقال المئات، وقامت الدولة بالاستيلاء على الممتلكات دون أي إجراء قضائي، وداهموا البيوت لتكسير محتوياتها، وقال رجل عمره 74 عاما، كان محتجزا في محطة شرطة، لصحيفة (إنديان إكسبرس) بأنه كان يسمع أصوات صراخ طيلة الليل".

ويصف سبرامانيان الوضع قائلا: "العنف يقلب المعدة ويرهب العقل، لكن المظاهرات أصبحت أكثر نقطة مشرقة في ديمقراطية الهند على مدى سنوات".

 

ويفيد الكاتب بأن "ما أشعل هذه المظاهرات هو تمرير قانون جديد، ففي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر أصدر البرلمان قانونا ينص على أن أفراد الأقليات المضطهدة من كل من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان -يمكن حصولهم على الجنسية الهندية بسرعة، وتم تحديد تلك الأقليات على أنها (الهندوس والسيخ والبوذيين والجينز والفرس والمسيحيين)- أعضاء في الأديان الكبيرة كلها ما عدا الإسلام، وتم تصوير القانون على أنه عمل خير، لكنه في الواقع فعل استثناء مقصود وإعلان واضح لمن ينتمي للهند ومن لا ينتمي، ولم يخف حزب مودي، بهاراتيا جانتا (BJP)، أولويته في تحويل الهند من دولة علمانية إلى دولة هندوسية، وتمت ترجمة هذا عمليا بإبداء كراهية واضحة للمسلمين، الذين يبلغ عددهم 182 مليونا، وهم أكبر أقلية دينية في الهند، وقانون الجنسية منح هذا التمييز شكلا وجوهرا".

 

وينوه سبرامانيان إلى أنه "في أنحاء العالم كله يجد المنادون بالنظام الليبرالي أنفسهم في لحظة أزمة وجودية، فإما أن تحافظ على الجمهوريات المختلفة أو تدمرها، وفي بعض الحالات، قد يكون هناك خوف مبالغ فيه، لكن ليس في الهند، فتعصب حزب (BJP) الأعمى يهدد الدستور الهندي، ليس فقط الوثيقة التي تعرف الروح الهندية، لكنها تحدد أيضا طبيعة ديمغرافيتها، ويتحدى الحزب الهنود أن يختاروا ما الذي يريدون أن تكون عليه الهند".

 

ويقول الكاتب إن "أحد الأجوبة على هذا السؤال كان قد تم الاتفاق عليه مباشرة بعد أن تخلصت الهند من الاستعمار البريطاني عام 1947، وأراد الجيل الأول من الزعماء الهنود أن تكون الهند ديمقراطية ليبرالية، حيث لا تنظر الدولة إلى لغة الشخص أو طبقته أو دينه أو جنسه، وكان طموح هذا المشروع واضحا دائما، فجعل بلد فقير متعدد الأديان ومتعدد اللغات بلدا حديثا يحتاج إلى ثقة عمياء بقوة النموذج الليبرالي".

 

ويبين سبرامانيان أن "الأمر كان يشبه من حاك أول مظلة للقفز من الطائرات، جربها من طائرة تطير على ارتفاع 60 ألف قدم، فليس غريبا أن تكون التجربة قد بدت صعبة للغاية ومستحيلة، وكان هذا التخوف موجودا لدى جواهر لال نهرو، وهو أول رئيس وزراء هندي، وخشي بي آر أمبيدكار، وهو كاتب مسودة الدستور الهندي الرئيسي، من أن (إشباع) الهند بالأخلاق الدستورية سيكون صعبا، ففي بلد مليئة بعدم المساواة، لم يشعر أن هذا النوع من الأخلاقيات هو الطبيعي، وكان يشعر أن (شعبنا لم يتعلمها بعد)، وقال ذات مرة إن (الديمقراطية في الهند ليست سوى الغطاء على الأرض الهندية، التي هي في الأساس غير ديمقراطية)".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "على غير المتوقع فإن الجذور ترسخت في هذه الأرض، وعلى مدى عقود بدت وكأنها متماسكة، وبالتأكيد عانت الديمقراطية الهندية من عيوب، وقسمت الأحزاب الناس على أساس الدين والطبقة، وحافظت الهند على نفسها بالعنف، فقمعت المعارضة في كشمير ومناطق القبائل في شمال شرق الهند، ودخل الفساد إلى الثقافة السياسية. وفي عام 1975 أعلنت حالة الطوارئ وعلقت الديمقراطية لمدة عامين، ومرة تلو أخرى أدت أحداث الشغب الدينية إلى ثغرة كبيرة في نسيج المجتمع، لكن بالرغم من ذلك كله فإنه بدا أن الميثاق الأساسي لعام 1947 -بأن الهند بلد يعيش فيها الجميع- متماسك".

 

ويقول سبرامانيان إنه "بالنسبة لمن تعز عليهم تلك الرؤية للهند فإن الأمور تغيرت في أيار/ مايو، وكان قبلها مقدمة: انتخاب مودي رئيسا للوزراء عام 2014، بعد أن عرف عنه أنه قومي يميني، واشتهر عنه أنه فشل في إيقاف -بل ربما شجع- مذابح بشعة ضد المسلمين خلال حكمه لولاية كوجرات عام 2002، وبدا الأمر غير ممكن أن يعطي الناخبون أصواتهم في انتخابات رئاسة الوزراء لشخص بصق بوقاحة على المثل الهندية، وعلى مدى الخمس سنوات اللاحقة أصبحت الهند بلدا يمكن فيها للرعاع أن يهاجموا المسلمين ويقتلوهم دون عقوبة، وحيث يصبح يوغي إديتياناث، وهو راهب هندوسي محرض على العنف الديني، حاكما لولاية أوتار باراديش، وحيث تم تحريف التاريخ والتعليم والثقافة لخدمة الأصولية الهندوسية، ثم ما هو أصعب على الفهم وبينما يترنح الاقتصاد الهندي ويهترئ المجتمع يقوم الناس بانتخاب مودي مرة تلو أخرى، وبمزيد من الأصوات".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "اللحظة أو اللحظات التي قام بها حزب بهارتيا جاناتا بإعادة تفعيل بنود من أجندته السامة بدت كأنها مليئة باليأس، وقامت الحكومة بإلغاء الوضعية الدستورية لكشمير، ووضعت ساسة الإقليم تحت إقامة جبرية وأغلقت الإنترنت، ولم يظهر الرأي العام وكأنه مهتم، وقررت المحكمة العليا التي بدت خانعة في قضية مسجد أيوديا الذي دمره الهندوس في عام 1992، ومنحت أرض المسجد للهندوس لأن دينهم يقضي ببناء معبد على آثار المسجد، ولم يحدث أي نوع من الغضب في الشارع الهندي على ما جرى في كشمير أو المسجد". 

 

ويقول سبرامانيان: "السؤال هو هل كانت الليبرالية العلمانية هي نوع من الإعجاب الذي يقتصر على النخبة؟ وأن هذه المبادئ التي فرضت عام 1947 على الهنود بناء على الشعور بالعجز لم تكن تعني كثيرا لغالبية الناس؟ وقال صديق لي في مقال رأي نشر في مجلة (نيويوركر) إن (الهند أصبحت البلد الذي كانت تريد أن تكون مثله)". 

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لكن تظاهرات كانون الأول/ ديسمبر 2019 قدمت عزاء على الأقل، وكانت كبيرة ومتنوعة، وانتشرت في أنحاء الهند كلها، ولم يقم أحد بتنظيمها أو استغلالها، واستطاعت استيعاب قسوة الشرطة، واستمرت على أمل أن توقف القومية الهندوسية، وكما كشفت لنا تظاهرات الأعوام الأربعة الماضية، فإن تظاهرات كهذه قد تكون عبثية، فلدى مودي غالبية برلمانية لمدة أربع سنوات ونصف، وقد يكون قادرا على إقناع ناخبين بما فيه الكفاية للبقاء في السلطة، لكن العقد الحالي ينتهي بملاحظة وهي أن المقاومة لا تزال مستمرة".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)