كتاب عربي 21

نقد الغزالي لسيد قطب

محمد عمارة
1300x600
1300x600
كان الإسلاميون هم الأسبق إلى نقد مفاهيم "الحاكمية" و"الجاهلية" التي تبناها سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق".

ومن الذين انتقدوا هذه المفاهيم؛ الشيخ محمد الغزالي الذي قال في "محاوراته": "إنني لم أسمع بفكرة الحاكمية إلا بعد موت حسن البنا الذي كان في فكره أشبه بعلماء الأزهر عندما يصورون فكرة الحاكمية يتكلمون بعقل وبدقة منطقية، وأكاد أقول إن الإسلام الذي يدرس في الأزهر من أدق المدارس لتصوير الإسلام، فالحاكمية كلمة دخيلة، فإذا كان لا حكم إلا لله، فهي كلمة حق أريد بها باطل، وكون الإنسان يشّرع، فهذا في الفروع التي جاءت وفي شرح القواعد، ومن حق الإنسان أن يشّرع دستورا.

القاعدة عندي هي الشورى "وأمرهم شورى بينهم"، لكن كيف أنظم هذه القاعدة؟ أقول: الحكم لله. وأنا أضع القاعدة، أقول: إن الأمة مصدر السلطات، والحاكم عليه أن يجري انتخابات. هذه تشريعات العقل البشري فيها أساسي، تعتمد على القاعدة، وهي حكم الله، وهي الشورى، والفروع متروكة للقياس والاستصلاح والاستحسان.

فالمدرسة الأصولية الإسلامية (التي تهتم بأصول الفقه) كما شرحها علماء الأصول، بدءا من الإمام الشافعي، وحتى ما كتبه الشاطبي في كتابه "الموافقات" هؤلاء كتبوا ووسعوا.

إنما المودودي، عندما تكلم عن الحاكمية، كان يريد أن يقول للإنجليز في بلاده: ليس لكم صلة بالحكم، الحكم لله، أي للإسلام، فجاء بعض الناس ونقل هذا إلينا دون أن يعرف الملابسات التي أحاطت بالكلمة هناك.

أما عندي: الإسلام دين الدولة، إذا أرجع إلى نصوصه وإلى تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم وإلى فقه رجاله، فالأصول الفقهية عندنا ثروة أصلية، ويجب أن يؤخذ الفقه من علمائه ومن أئمته، وأنا لا أستطيع أن أقول أن الإمام أبا حنيفة يمثله إمام مسجد في "العتبة الخضراء" يقول أنا حنفي لأنه قرأ كتابا في الفقه الحنفي!.

لقد قالها من قبلك أناس أرادوا بها اعتراض الخليفة الراشد علي بن أبي طالب في أنه قبل تحكيم الناس في بعض الأمور، ولقد أباح الله في خلاف الزوجين أن نجيء بحاكم من هنا حاكم من هنا، فما المانع أن يكون هناك حكمان، يبدي هذا الرأي وهذا الرأي الآخر، والحاكمية لله".

ولقد أرجع الشيخ الغزالي خطأ الأستاذ سيد قطب في ما كتبه عن الحاكمية إلى سببين:

أولهما: الظلم الذي وقع عليه من قبل نظام ثورة يوليو، الأمر الذي جعله "ينفرد برأي أملته عليه ظروف المحنة التي وقع فيها. فالأستاذ سيد له ابن أخت سجن ظلما وعدوانا، ثم إنه رأى في السجن بلاء كثيرا، والواقع أن محاكمته كانت مهزلة، فالرجل كتب كتابه في حدة وعنف ضد الحكام، وتأول آيات القرآن على أنه لا بد من اشتباك صريح مع هؤلاء، وهذا ليس من الممكن".

والسبب الثاني للخطأ في تفكير الأستاذ سيد أن "الرجل من الناحية الفقهية ليس متعمقا أو جامعا لما لا بد منه من الأحكام الفقهية، لذلك يقول كلاما يستحيل أن يقبله الفقهاء، مثل: "اجعلوا بيوتكم قبلة، لتكن مساجد، وصلوا فيها" وهذا كلام لا يمكن أن يكون مقبولا، والسبب في ذلك أنه غلبت عليه عاطفة اعتزال المجتمع، وضرب الحاكم.

لقد كان الأستاذ سيد (رحمه الله) ألمع واحد في مدرسة العقاد وعلمه بالأدب الإسلامي والأدب العربي عموما علم جيد، ولقد تبعه من يسمون أنفسهم قطبيين، وهؤلاء لا عقل ولا فقه، ولا ينظر لهم في شيء".

هكذا انتقد الشيخ الغزالي في "محاوراته" مفاهيم الحاكمية كما جاءت في "معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب، عليهم جميعا رحمة الله.
التعليقات (7)
أبو أمينة
الأربعاء، 15-04-2020 05:37 م
لقد أثلجت تعليقات أخينا محمد الشرقي صدورنا و وضع يده على الجرح و نؤيده في كل ما ذهب إليه و يظهر من خلال مقالته أنه غاص كثيرا في فكر سيد قطب رحمة الله عليه و فهم جيدا ما كان يهدف إليه الشهيد رحمه الله و نحن نعجب كيف غاب هذا عن الداعيين رحمهما الله الشيخ محمد الغزالي و الشيخ محمد عمارة .
محمد الشرقي
الخميس، 09-01-2020 05:02 ص
الشهيد سيد قطب ... مازال يسطع في سماءنا المظلمة . (4) تعلق قلب الإستاذ سيد قطب بالإسلام بشكل مفاجئ وطفري وبصورة تثير الغبطة والدهشة في نفس الوقت ، وقد شكلت هذه الحالة نقلة بعيدة المدى على خارطة حياته ، فرغم أن الرجل كان مشغولا بشكل مكثف إلى درجة الاستغراق والذوبان في مسار شديد الجاذبية والإغراء يصعب الفكاك منه إلا بشق الأنفس، فقد كان الرجل قد بدأ يشق طريقه بقوة واقتدار أديبا ألمعيا لايشق له غبار ويتنبأ له أهل الإختصاص بمستقبل زاهر في مجال الأدب والنقد الأدبي ، ولكن مسار الرجل تغير وتبدل بالكلية بشكل مدهش، فقد عمل الرجل على إعادة إكتشاف نفسه وإنتاج ذاته من جديد ، وبالرغم من أنه كان قد قطع شوطا ناجحا ومغريا في عالم الأدب الذي بدأ يستوعب تفوقه وتميزه وريادته الفكرية من خلال إرتباطه واتصاله على نحو واسع ومتخصص بالمشكلات والقضايا الادبية والفكرية ، فقد كان الوسط الذي يعمل فيه في تلك الفترة يوفر له الإشباع والامتلاء الفكري والوجداني بشكل عميق إلى الحد الذي يصده عن الإهتمام بأي مجال آخر منافس ولكنه كان على موعد من القدر الغالب . لقد برز الإستاذ سيد في سماء الحلم الأدبي بشكل ساطع ، ومع كل ذلك تمرد الرجل الأريب على كل ذلك ، وآثر على أن يولد ولادة جديدة وإن كانت متعسرة عندما إندفع نحو الإسلام بشكل كلي بعد إن صدمته الحقيقة الإسلامية بشكل زلزل أركان نفسه وكيانه المعنوي ، وكأن هذا الوافد الجديد عمل على إعادة ترتيب جيناته بشكل مغاير ومختلف ، فتغيرت وجهته ووقع الانقلاب الاستراتيجي الأعمق والأشمل والأوسع في حياته . هكذا كانت رحلته الشاقة الواعدة ، في البداية بدأ يطفوا على السطح وهو يعبر عن خياره الجديد على مهل ثم حسم أمره بقوة ووضوح ، ثم ارتقى وارتقى لينتقل من إنقلاب إلى إنقلاب ومن حال الى حال ومن وضع إلى وضع ، ولم يترجل الرجل إلا بعد أن إمتطى حبل المشنقة ، بعد أن أفرغ كل ما كان يغلى ويمور في نفسه وأعماقه في شكل دفقات وشحنات وموجات عارمة من الغضب الإيجابي الشرعي دفاعا عن عقيدته وخياره الفكري والحركي بصورة نادرة فاقت وتجاوزت حدود الممكن والمتاح في ظل الظروف والمناخات العدائية الذي كانت سائدة خلال تلك المرحلة والتي كانت لا تجيد إلا إستخدام الأنياب والأظافر . أوضاع غالبية المسلمين في العالم ومن منذ آماد بعيد سيئة ومأساوية سواء بالنسبة لعلاقتهم بالإسلام على المستوى الخاص، أوعلى مستوى علاقتهم بالواقع الجمعي والشأن العام ، تلكم الأوضاع الصادمة كانت تشكل جزءا محوريا في حياة المسلمين وكان من الطبيعي أن تستفز كل مسلم غيور على دينه وأمته ولذلك كان تفاعل الاستاذ مع تلك الأوضاع تفاعلا غاضبا وثوريا وحادا إلى أبعد الحدود في الدول التي تنفصل فيها حاكمية الدين وتشريعاته عن تسيير وإدارة المجتمع ، فمن الطبيعي أن تظهر فيها ويغلب عليها مظاهر تعكس الأوضاع الجاهلية التي تخضع لرغبات وأهواء البشر ، وتلك تعد وفق الرؤية الإسلامية دول ومجتمعات جاهلية ، وبلاد العالم الإسلامي أكثرها إن لم تكن كلها تنطبق عليها وصف الجاهلية بشكل ما لأن انتماءها للإسلام إنتماء إسمي وشكلي وليس انتماء حقيقيا يشهد به ويؤكده الواقع ومن ثم لا يعول عليها في ترسيخ الحياة الإسلامية . الظواهر الخادعة قد توحي للناس أن الإسلام كدين وإيديولوجية حر وطليق ومستقر ، وأن كل مسلم في مقدوره أن يلتزم بأحكامه على المستوى الشخصي والمستوى العام كما يرغب ويريد بدون أى معوقات ، وتلك أمنية ليست متاحة في مجتمعاتنا ، فالتضييق على المسلم تكاد تكون السياسة العامة الغالبة في واقع المسلمين ، ونؤكد بأن هذا الوضع واقعيا وعمليا يعني تجميد الإسلام ، فالإسلام كل شامل وغير قابل للتجزئة والتقسيم ، وحضور الإسلام على مستوى النظام والشأن العام يعد الضامن الأكبر والحقيقي الذي يساعد على تحقيق الجدية على مستويات الإلتزام الفردي ، ولكن الإسلام يعامل في مجتمعاتنا كالفرد الذي تم تحديد إقامته وفرضت عليه الإقامة الجبرية ، وحيال هذا الوضع العبثي الذي يفرغ الإسلام من مضمونه ودوره ووظيفته كانت وقفة وانتفاضة الاستاذ الإسطورية ، وقد قدم في هذا السياق رؤيته الخاصة واجتهاداته وطرح كل ما يستطيعه من أجل توعية الناس بحقيقة الإسلام وما يجب عليهم القيام به لحلحلة وتصحيح الأوضاع ووضع النقاط على الحروف الحقيقة من المسلم به من منظور السياسة الشرعية التأكيد على ضرورة وأهمية مراعاة الظرف التاريخي الذي نعيشه بكل ما فيه من تحديات وتناقضات ، وعندما نقدم طروحاتنا يجب إن نضع نصب أعيننا المتاح والممكن من الأهداف والأفكار والأعمال والمواقف ، ولذلك يستحب أن نقتصد فيما يمكن إن يقال لأننا نعيش في عالم يغلب عليه الأطماع الصراعات والمؤامرات فليس كل ما يعرف يقال بدون تفكير في العواقب والمآلات ،وليس كل ما نفكر فيه وإن كان صحيحا في نفسه يطرح أمام العدو والصديق بدون حسابات دقيقة للمكاسب والخسائر والمآلات المتوقعة . هنا قد يقال أن الإستاذ سيد قال ما لا يجب أن يقال في الظرف والسياق التاريخي الغير مناسبين ،العمل الإسلامي في ظل سيطرة الدولة الحديثة على مفاصل المجتمع لا يملك القدرة التي تمكنه من الخروج بهذا الطرح بشكل علني صريح لأنه يشكل نوعا من التهديد و التحدي المباشرين ، وسوف لن يتم التعامل مع مثل هذا الكلام إلا على أنه يمثل تهديد صريح للوضع القائم يستوجب الرد المباشر وسف يرصدك ويحاصرك العدو في الوقت الذي أنت لاتملك فيه ما تدافع به عن نفسك ولذلك يحتاج الأمر إلى نوع من البصيرة المتأنية . إن إنتماء الأستاذ سيد للفكرة الإسلامية كان شيئا أسطوريا إلى أبعد الحدود ، وكان يخاطب بهذا الفكر جميع المسلمين على أساس إن يتحمل كل مسلم مسؤوليته أمام المولى عز وجل ولم يكن ينظر لجماعة أو فئة يمكن أن تتلقف مثل الفكر وتشتغل عليه من أجل تغيير الواقع ، فقد كان هذا الخطاب المفتوح يعبرعن رؤيته وفكره نتيجة تعمقه في تأمل ودراسة الإسلام بشكل كلي وشامل وعلى مسؤوليته الشخصية كأى كاتب محترم وصاحب قلم حر يطرح على الناس ما يراه معبرا عن الإسلام بشكل واضح و في سياق تاريخي مفتوح.
محمد الشرقي
الأربعاء، 08-01-2020 04:31 ص
الشهيد سيد قطب ... مازال يسطع في سماءنا المظلمة . ( 3 ) مثل كل الشخصيات العظيمة والواعدة أصبح الشهيد سيد قطب مركز إستقطاب شديد الجاذبية لكل من له علاقة من قريب أو من بعيد بالفكر الإسلامي ، وكل من حاولوا الاقتراب من فكرة وتلمس جوانب شخصيته بالتحليل والنظر والتقييم من أجل تحصيل المزيد من المعرفة بتجلياته الفكرية عرفوا مكانة الرجل ، ومن ثم الكشف عن أبعاد هذه الشخصية الفذة التي مازالت تعكس سطوتها على واقع الفكر الإسلامي ، وفي نفس الوقت وجد طابور طويل من المعادين الذين حاولوا الاقتراب منه من أجل تشويه شخصيته والنيل منها وقطع الطريق على أفكاره الشديدة التأثير على الناس. والغريب والعجيب أن نجد في قلب الصف الإسلامي من يحاول النيل من فكر الإستاذ سيد بشكل يتجاوز ويتعدى نطاق وحدود النقد العلمي المقبول عبر إتهامات هلامية مضخمة لا وزن علمي لها . هناك من يجيدون الصيد في المياه العكرة ويتبنون مواقف سلبية مضطربة تجاه فكر الشهيد لمجرد أن له مواقف ومبادرات حرة ومتميزة قد لا تتفق ولا تنسجم مع اجتهادهم ومع الاتجاه العام السائد في واقعنا المضطرب والمرتبك الذي يعاني من الفراغ السكوني حول كل قضايانا الكبرى منها والصغرى . تناول البعض فكر الأستاذ سيد قطب الذي يجسد مدرسة فريدة تميزت بالإقدام والشجاعة والتفرد والثبات والقدرة على التحدي ومواجهة المخاطر والتهديدات والتمسك بالحقيقة مهما كانت العواقب والتبعات والإستحقاقات وفي أحلك الظروف والأحوال على مستوى الفكر أو الموقف أو السلوك بالرفض والنكير ، وقد عمد هؤلاء إلى تشويه فكر الرجل وتحميله أكثر مما يحتمل في بعض ما طرح ، وقد إعتبروا مثل هذا الطرح نوعا من الشطحات المغرقة في الذاتية والوهم والخيال ، وأنا أزعم هنا أن أحد الأسباب الرئيسة الخفية التي تفسر مثل تلك المواقف الحادة التي كانت تهدف إلى اغتيال الرجل معنويا وتدميره أدبيا ن تفريغ هذا النموذج الفذ من شحنته المعنوية الهائلة وتأثيره الذي لايضاهى على الأفكار ، فالرجل كان سابقا لعصره ، وكان ذا قامة مستطالة قل نظيرها وكان لا يجارى في الإفصاح عن ما يؤمن به مهما كانت النتائج العواقب ، لذا فالرجل أتعب وأرهق وأحرج من يدعون انتمائهم لتيار الاعتدال زعموا ، سواء من المشتغلين بالفكر الإسلامي أو غيرهم من المحسوبين على الطابور الخامس من تكتل الضلال ومن الأعداء الدائمين للفكر الإسلامي ، والتهمة الرئيسة التي يلوح بها هؤلاء في مواجهة فكر الشهيد تهمة التكفير الجماعي والخروج على المجتمع ، وتلكم في الأخير إتهامات متعجلة وانتقائية وغير صحيحة وغير دقيقة وغير أخلاقية ، وقد سأل البعض شقيقة الكاتب والمفكر الكبير ( الأستاذ محمد قطب رحمه الله) حول هذه المسألة فكان رده واضحا وقاطعا ، وقد قال ( أن الاستاذ سيد لم يقصد بالتكفير أحاد الناس أوكل أفراد المجتمع ، فلا يملك أحد أن يكفر الناس بالجملة هكذا بدون دليل يقيني قاطع ، إنما كان يقصد النظام الذي يعلوا المجتمع ويحتكم إليه في ترتيب وتنظيم أموره ، ويعيش الناس في ظله راضين مطمئنين ، فالنظام العام الذي تحتكم إليه مجتمعاتنا المعاصرة واضح وظاهر وجلى والحكم عليه لايحتاج إلى إجتهاد معقد وخاص ، فاذا كان هذا النظام الذي يحتكم إليه المجتمع يتنكرللمرجعية الإسلامية ويتخذ منها موقفا عدائيا رافضا ، ويقوم بذلك مختارا وبدون وجود أسباب حقيقية قاهرة وبدون وجود سوابق تظهر تمسكه بالإسلام كنظام حياة ، إن مثل هذا النظام لايمكن أن يكون نظاما إسلاميا في الحقيقة ، فالنظام يعبر عن نفسه من خلال ما يحتويه من أحكام وتشريعات وقيم والحكم على مثل هذا النظام مستمد من محتواه . أما الحكم على أفراد المجتمع وعناصره فكل حسب موقفه ونيته واختياره الذي يمليه عليه دينه وعقيدته وضميره واجتهاده الشخصي ، فمن رضى بمثل هذا النظام يعد جزءا منه و ينطبق عليه نفس الحكم ومن كره وأنكر ورفض ذلك ولو في قرارة نفسه فلا يمكن أن يحسب على هذا النظام ، وهذا الموقف واضح وتؤيده الأدلة ويقول به العلماء العدول المحققين . والحقيقة لم تكن المشكلة والمعضلة التي كان سيد قطب ينظر لها مجرد التراخي والوهن وضعف الإهتمام الفردي من قبل الناس بالأحكام والتشريعات والقيم ، ولم يكن ضعف الأداء وهم يمارسون شيئا من العبادة على عجل وبأقل درجات التركيز والحضور، فقد كانت المشكلة أكبر وأكثر تعقيدا من ذلك ، فعندما تصبح مرآة المجمع محدبة أو مقعرة فإنها تعكس الحقائق مختزلة ومشوهة ويمضى الناس معها إلى مصيرهم المجهول حيث لايعرف أى أحد إلى أين تبحر السفينة ، ومن هنا كانت المشكلة الرئيسة هى غياب أحكام الإسلام وتشريعاته عن واقع الناس بالشكل الذي يرضى عنها المولى عز وجل ، وعلى الرغم من أن المسلم يفرح ويسعد عندما يرى إخوانه المسلمين وهم يمارسون العبادات والقربات بشكل فردي ، إلا أنه من جانب آخر يشعر بالحزن ويتذوق المرارة عندما يجد أن أحكام الإسلام بشكلها الشامل تغيب عن رقعة كبيرة ومساحة واسعة من حياتنا ومجتمعاتنا ، فأقل ما يمكن أن يقال في هذا المقام بأننا نعيش مرحلة التدين الفردي المضطرب المتأرجح بسبب غياب النظام الحاكم والفضاء الحاضن الذان يشكلان الضامن الأكبر الذي يدعم عمل الأفراد وتوجهاتهم وثباتهم ، وإذا لم يتحقق هذا الهدف على مستوى المجتمع والنظام العام فلن نشعر بوجود الإسلام إلا بشكل رمزي باهت وخافت وخفي . كان للشهيد سيد قطب بطبيعة الحال وقفات و اجتهادات وخيارات ورؤى شرعية منطقية لتحقيق التغيير المنشود ، فقد كان يرى أن رحلة التغيير سواء في النفس أو المجتمع تبدأ من معرفة الإسلام معرفة حقيقية أصيلة وصحيحة تسمح بالبناء عليها في الإتجاه الصحيح ، ومن ثم التأسيس للعمل المناسب وتحديد الحراك المطلوب وتلمس واجبات الوقت التي يمكن أن تساهم بقوة وإقتدار في إعادة الإسلام بكل مكوناته إلى الواقع وإلى الحياة ، وقد كان من الطبيعي أن يؤدي هذا البحث وهذه الإطلالة في الوسائل والطرق إلى تبني المناهج والأساليب التي تساهم في الاحتشاد الجمعي من أجل أداء تلك الواجبات بكل الوسائل والأساليب المتاحة والممكنة . لقد كان الرجل يرى أن رحلة التغيير الطويلة الشاقة تبدأ بفهم الأوضاع القائمة في ضوء التشريع الرباني كمدخل للتعامل معها ، ثم الاستعانة بالوسائل والأدوات القريبة المتاحة أمام كل مسلم ، وأن يتم التعامل والتعاطي مع هذه الأوضاع القائمة التي تناقض الإسلام بالكلية قولا وعملا بالبغض والرفض والكراهية ، وقد أطلق الشهيد على هذا الإتجاه ( العزلة الشعورية ) والتي تعد مقدمة ضرورية ومفصلية لها ما بعدها من المهام والواجبات ، وكما هو واضح ومعلوم أن عمليات التغيير تبدأ في النفس ومن هناك يحدث الحراك الذي يتسع وتتعقد مساراته وهو يتحرك في إتجاه الخلاص .
محمد الشرقي
الإثنين، 06-01-2020 03:17 م
الشهيد سيد قطب ... مازال يسطع في سماءنا المظلمة . ( 2 ) لقد كان الشهيد سيد قطب رحمه الله يرى بأن هذه الأوضاع الجامدة الخامدة الساكنة الميتة والمميتة والشديدة البؤس على مستوى إنساننا الذي يعيش خارج حدود الفكر والنظر والفعل والواقع ، سبب رئيس شرط أساسي لاستمرار تلكم الأوضاع والأحوال الحارقة التي كانت تعكس كل صور وأشكال التحلل والموات والدونية على الواقع الذي نعيشه ، ومن هنا كان الإهتمام والتركيز من قبل الشهيد على إحداث الإفاقة والصحوة على مستوى الفكر والشعور في الأجيال المسلمة الصاعدة كمرحلة أولى ، ومن هنا كانت فكرته وطرحة الصادم العبقري لإحداث صدمة منشطة تساهم في إعادة الوعى بالواقع للفرد المسلم كى تضعه أمام الحقيقة المرة الصادمة على المستوى الفكري والشعوري لديه ليعيده إلى المسار الصحيح ، ولذلك لم يتردد في مصارحته بحقيقة واقعه الذي يتعارض مع الإسلام بشكل قاطع ، فصدمه حين طرح تصوره المتكامل العالي التكلفة لعملية التغيير وإعادة الحياة للواقع من خلال رؤية إسلامية صحيحة ، قد أحدث كل ذلك في أعماق أهل النظر والرأى من المتميزين هزة عنيفة على المستوى الفكري والنفسي والشعوري من أجل العمل على إعادة إستئناف الحياة عبر مسارات جديدة تربط بين الإسلام والواقع بشكل تكاملي . الامر الذي كان يتألم منه الشهيد الحى أشد الألم وحق له ذلك ، تمثل في ذلك التغييب القسري للإسلام عن الواقع والحياة ، وهذا النهج كان يجب أن يكون خيار كل مسلم مخلص يرى ويدرك ويحس بتلكم الهوة السحيقة و المسافة الواسعة بين مرجعية الإسلام وأفعال المسلمين ، تلك المساحات الشاسعة التي كانت تخلوا من كل مظاهر الإسلام كانت تدمي قلبه وتشقي روحه ، وفي ظل هذا (الفصام النكد ) كما كان وصف الشهيد للواقع ، فقد كان هذا الواقع يحدث في المسلمين إنتكاسات وانقلابات وانهيارات هنا وهناك على مستوى الفكر والنفس والسلوك ، فالمجتمع الذي كانوا يعيشون في ظله كان في الحقيقية خارج دائرة الإسلام في ثقافته ومبادئه وقيمه وسلوكه وقد إنعكس كل ذلك على مخرجاته الباهتة التي قد لحقت بها إصابات مؤلمة وبالغة من جراء هذا الانفصال والانفصام . نأتي هنا الى (بيت القصيد ) وإلى النقطة المحورية الأهم في فكر سيد قطب والتي يجب الوقوف عندها طويلا ومن ثم رصدها في سياق المسار والحراك الفكري للشهيد ، فالأستاذ سيد يصنف من قبل الكثيرين ، حتى في داخل الأروقة الإسلامية ومن قبل الدائرة الإسلامية الخاصة على أنه شكل حالة خاصة تميل وتجنح إلى التطرف والشدة والعنف والرؤية الحدية في فهم الأحكام والتشريعات ، ولذلك أصبح يشكل في رؤية هؤلاء حالة شديدة الثورية وشديدة العنف و شديدة الحدة ، بل قد عده البعض فتنة كبرى بسبب بعض الآثار في الواقع ألا إسلامي التي ارتبطت بآرائه وفكره واجتهاداته لدى بعض شباب الجماعات الإسلامية هنا أو هناك ، وقد تعرض فكر الرجل ليس للنقد فقط بل للنقض بشكل عنيف ومتعسف بسبب الرؤية الجديدة التي طرحها وتبناها حول طبيعة المجتمعات التي نعيش فيها الآن وحول ضرورة مواجهتها بلا تردد بالشكل والمستوى الذي يمكن من تغييرها وإعادة تأسيسها من جديد وفق الرؤية الإسلامية ، وقد زعم هذا البعض أن الاستاذ تورط بشكل لم يسبق له مثيل في فهم وتنزيل الأحكام الشرعية على المجتمعات المسلمة مما أدى إلى وصف الأنظمة التي تعلوها بالكفر والردة جملة واحدة . وذلك بالرغم من أن الأوضاع القائمة والمستقرة في الواقع العملي لم تكن تحتمل غير تلك الأوصاف التي توصل إليها الشهيد بشكل مباشر وبدون جهد كبير، فلم يكن هناك غموض يحول دون تلك النتيجة التي توصل إليها . الكثير مما قيل حول الرجل يتجاهل الحقائق وفيه تجنى كبير على فهمه وفكره ، والنصوص التي كان يستشهد بها ويبني عليها آراؤه كانت أقرب إلى فهمه بشكل حاسم وقاطع أكثر مما يطرحه الآخرون من أفهام مغايرة من أجل الطعن فيما يطرحه ألاستاذ ، والذين قرأوا فكر سيد قطب بدقة وموضوعية وعلى مهل وبدون تجني لم يصلوا الى نفس النتيجة ( تكفير المجتمعات المسلمة ) التى يحاول البعض أن يجعلها متلازمة من متلازمات فكره ، وقد تورط البعض من داخل المدرسة الإسلامية بشكل متعسف وهو يتناول فكر الرجل بشكل قريب من ادعاءات خصومه وقد أدى ذلك في النهاية إلى نوع الظلم والتجني على مدرسته ومن التنفير من فكره ومواقفه .
محمد الشرقي
الإثنين، 06-01-2020 06:52 ص
الشهيد سيد قطب ... مازال يسطع في سماءنا المظلمة . الشهيد سيد قطب الذي وصل في إجتهاده في ضؤ المرجعية الإسلامية إلى مناطق شديدة الوعورة لم يصل إليها أحد قبله ، ولذلك حاز مرتبة التفرد ، ويبدوا لي في ظل الأوضاع القائمة في واقعنا إلا طريق غير هذا الطريق الذي حاول أن يشقه ويرشد إليه الشهيد العزيز ، والحقيقة لن ولم يكن هذا المفكر العظيم ظاهرة عابرة في سماء الفكر الإسلامي الأصيل الذي حاول أن يعي ويبني رؤية شديدة التماسك لإنزال تشريعات الإسلام على الواقع ، وأن يعايش الإسلام حقيقة وواقعا ويعبر عنه بأوضح الكلمات وأقوى العبارات وأكثر الأساليب دقة وتأثيرا وفعالية ومضاءا. والشهيد المتفرد الذي تجاوز عصره بخطوات تميز بفكره الثوري الأصيل الذي شكل ومازال رأس الحربة في التعبير القوي الواضح الصريح عن حقيقة وطبيعة الإسلام والدفاع عن قضاياه ضد خصومه بكل قوة وصلابة وإقتداربصرف النظر عن الأوضاع التي كانت تسير عكس الإتجاه في واقعنا المعاصر ، و قد ساهم هذا الفكر الذي تعالى على إستحكامات الواقع بقوة في تشكيل الظاهرة الإسلامية على المستوى الفكري تشكيلا متميزا يعكس حقيقة وطبيعة الإسلام ، ويتفاعل وينفعل بقوة مع المنتمين إليه من الذين لم تفعل فيهم قوانين التدجين فعلها المدمر . لقد كان الشهيد الكبير دائما وأبدا في الصدارة ، من وقت أن إستشعر بعظم المسؤولية وثقل الأمانة في الدفاع عن عقيدته ، ومن ثم قال كلمته ولم يمض ، وظل حتى النهاية في ميدان المعركة وقلب المعمعة ، ومازالت صدى مواقفه يدوي في سمائنا ، ومازال الرجل حتى الآن يشغل مقعد الحاضر الغائب ، ومازال يسجل حضورا قويا ومتميزا وحاسما على كل خطوط التماس الأمامية على مستوى الفكر الحركي الذي يجمع بين شمول الفكرة وعنفوان الحركة في عمق المحيط الإسلامي الواسع الممتد هنا وهناك . كانت همة الإستاذ الكبير ، همة هائلة وعميقة الجذور بكل المقاييس ، ومن وقت أن إشتعلت الشرارة في أعماقه بسبب الإنفصال النكد بين الإسلام والواقع في مجتمعاتنا الإسلامية بدأ رحلة البحث والتنقيب حول طبيعة الإسلام وحقيقة المجتمع وميكانزمات العلاقة بينها ، وكان كلما نظر ودقق وحلل وشخص الواقع أصابته الصدمة القاتلة ، ومن ثم يرتد إليه فكره و نظره فتغمره الدهشة المؤلمة وتعلوه علامات الإستفهام والتعجب ، فتنبعث في أعماقه الصرخات مدوية ، أين الإسلام في واقع المسلمين ؟ ! الشهيد البارز من الشخصيات النادرة التي لاتظهرفي الواقع إلا على فترات متباعدة ، لتؤدي دورا مهما ومحوريا يساهم بقوة وإقتدار في إعادة قراءة وتجديد الواقع من خلال النصوص المحكمة في معانيها وأبعادها ودلالاتها وأهدافها ، ومن ثم تعمل تلك الخلاصات على توصيل رسائل تنبيه وتحذير تترك آثارها البعيدة والعميقة على الأجيال ، فقد كان الرجل فلته من فلتات الزمان ، سطع فجأة سطوعا مدويا واسطوريا فبدد كثيرا من الأوهام وحرك الغيوم وهز الأوضاع الساكنة من زواياها الأربع وشغل الناس ولازال . الرجل الذي كان ألمعيا وذكيا وشديد الحصافة و ذونظرة ثاقبة ، سبق عصره بخطوات واسعة ، وكان يرى الأشياء التي لايراها غيره من وراء الحجب الكثيفة والإنحرافات المتراكمة ومن ثم يدرك الامور على حقيقتها من قريب ومن بعيد ويلمس المظاهر والأشكال الخادعة وكأنها تحادثه وتحاوره ، وقد إستطاع أن يستجمع مقدمات وشروط التغيير الحقيقي التي لايراها الناس أو لايريدون أن يروها بسبب قسوة التكاليف و كثافة الإستحقاقات ، فطرحها في وجه الجميع قوية مدوية مزلزلة كاشفة للحقائق .