كتاب عربي 21

الجاهل إذا ترافع (إلى الرئيس- 3)

جمال الجمل
1300x600
1300x600
(1)
السيسي عاوز يبيع كهربا لأفريقيا!!

هكذا قال حامد جرسون مقهى "أولاد البلد".

رد عليه شحاتة وهو يشد نفس النرجيلة: ما يقدرش.

- ليه يا شحاته ما يقدرش؟ ده الريس وبيعمل المعجزات.

- عشان الأهلي اشتراه ومرتضى ماقدرش يعمل حاجة، الخطيب معلم وخلص الصفقة بحرفنة.. كهربا خلاص للأهلي وسيبك من أي كلام فاضي يتقال.

(2)
لا تغضب من مواطنيك يا فخامة الرئيس، فبعد دهشة لم تستمر طويلاً اكتشفت أن الحوار الشعبي على المقهى مرتبط بما جاء في كلمتك الافتتاحية لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة. ولأن الناس على دين تلفزيوناتها وإعلامها، فإن "كهربا" الذي يشغل الناس في مصر ليس الكهرباء "الذي والتي" تسعى لتسويقها، لكنه اللاعب محل الصراع والتنافس بين الأهلي والزمالك، ولذلك يهتم الناس بما يكرسه إعلامك البعيد عن أسلوب وقضايا الخطب المناسباتية المكتوبة بجهل، بحيث نتحدث عن ندرة المياه والموارد الطبيعية في قارة غنية بالموارد يتجه إليها الغرب في أكبر حملة نهب منظم لمواردها.

(3)
عذرا يا فخامة الرئيس على استخدام التورية في "حكاية كهربا"، برغم أنني لم أستخدم المثال للسخرية، ولا لاصطياد مفارقة هزلية خارج السياق، لكنني قصدت اختيار عينة من الكلام الذي ترعاه وتروجه الدولة عبر مؤسساتها المحتكرة، بعد أن عجز الخطاب الرسمي عن ملء دماغ الناس بحديثه غير المقنع عن تحديات الإرهاب ووعود الرخاء، وضرورة حماية وبناء الدولة، وحجم المعجزات "الذي والتي" تحققت في زمن قياسي يتفوق على ما حققه المغني تامر حسني من أرقام قياسية لم يعترف بها غيره!

والمؤسف فخامتك أن تتجه الدولة تحت تأثير أعراض الفصام التي تعاني منها إلى إغراق المجتمع بخطاب ملائم، لحشو أدمغة الناس بما يلائم ثقافة توفيق عكاشة وإعلام الزمارين والجعارين.

ولأن العينة بينة كما نقول في مصر، أكتب هذه الرسالة بخفة ظاهرة وعمق كامن، واثقا من أنك لن تحبها في ظاهرها ولا كوامنها، لكنها تبقى شاهدا على ما فعله إعلامك من تلويث لصورة وسيرة مصر بين ناسها وبين العالمين.

(4)
فخامة الرئيس العادل أشكرك على الإجراءات القانونية العادلة والرحيمة التي اتخذتها أجهزتك بشأن قضية الراقصة جوهرة. فمصر وروسيا حاجة واحد، والقضية لم تتعد الخلاف في مقاييس بدلة الرقصة، والعقوبة لم تصل إلى حبس احتياطي مفتوح ولا إخفاء قسري ولا غيره مما تثيره تقارير المنظمات الحقوقية المشبوهة في أنحاء العالم. مصر في عهدك بخير عدل وأمان وحرية واستقرار يا فخامة الرئيس، ومن يقول غير ذلك نرده على الوقائع والحالات الناصعة التي يتداولها الإعلام بكل شفافية. مثلا هل يذكر الناس المتهمة "منى فاروق"؟ تلك "التي والذي" استخدمها الإعلام طويلا كـ"قًلة" يكسرونها بعد طرد المخرج المعارض خالد يوسف من مصر، وتم حبسها وإظهارها بكثافة في مشاهد فيديو تبكي من وراء حجاب لطيف، وتتحدث بالدموع عن إيمانها بعدل الدولة وثقتها في الأجهزة الأمنية والقضاء الشامخ!

لقد ظهرت براءة منى وأترابها، وعادت (غير مكسورة ولا حاجة) إلى حياتها الحرة الملونة.. حياة ما قبل "الإيشارب الراكور" وميلودراما الدعاء وفيديوهات البكاء، حياة "الظهور الاستثماري" في العناوين التي يفضلها إعلامك الملتزم يا فخامة الرئيس:

"شاهد فيديو جديد لمنى فاروق مع السبكي"

ربما لا تعرف بحكم أدبك الجم وترتبيتك الفاضلة يا فخامة الرئيس ما تعنيه كلمة "فيديو جديد لمنى فاروق" عند "جمهور المناظر"، لكن العنوان التالي يوضح أكثر:

"ميس حمدان تشعل إنستجرام بوصلة رقص"

سيقول أحد أنصارك "المتلبرلين": عادي.. هي حرة، ميس حرة ومنى حرة.

نسأله: هل كل منى حرة؟

يستدرك فيقول: كل منى حرة، لكن في الرقص فقط.

نسأله: حتى "منى برنس"؟

يقول وهو يلمس أرنبة أنفه: للضرورة أحكام.

(5)
إلياذة "الدولة الراقصة" لم تنته عند هذا "الهز الإنستجرامي" يا فخامة الرئيس، فللخبر توابع أكثر إثارة، ودلالات أعمق تعكس العلاقات الحميمية بين مصر والسعودية:

حيث يقول الخبر التالي على المواقع المملوكة للإعلام "أبو دبورة":

"بعد فيديو الرقص.. ميس حمدان مطلوبة في السعودية"

...وتستمر العناوين "الذي والتي" توحي أن مصر صارت موطنا لجنس المحارم والخيانات الزوجية والانتحار والتحرش وإلقاء الأبناء على الأرصفة، في مقابل مناقسات الجواري في المخادع المخملية، حيث تنتشر أخبار رانيا يوسف و"جيبونتها"، وبنطلون نيرمين ماهر السافل النمام الذي كشف وزنها الحقيقي، واقتحام سما المصري مرجان القاهرة السينمائي بمؤخرتها، بينما تلجأ لقاء الخميسي إلى "الترتر" لتشعل انستجرامها، وتشهر زوجة مصطفى فهمي أنوثتها لإشعال المسكين المحترق (إنستجرام).

(5)
لا أريد أن أهبط بالرسائل التي أخصك بها إلى مستوى من التفاهة والانشغال بالفرعيات، لكنني لا أريد أيضا أن أكون ثقيل الظل، وأواصل تنظير المثقفين الذي أعلنت كراهيتك له، شأنك شأن كثيرين ممن يركبون الحكم وأدمغة الناس في كل مجالات الحياة، لذلك كان رحيل المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم حدثا إعلاميا وفنيا بارزا، بينما رحل في الأسبوع ذاته علماء ومترجمون ومخرجون وقانونيون لم يشغل إعلام مصر الرسمي "طبلته" بوداعهم.

لذلك، سأؤجل حديثي عن "سياسة تامر حسني" إلى مقال لاحق، وأركز على كلمتك في منتدى أسوان وما أثارته من حراك شعبي وسياسي، ليس بخصوص "أزمة كهربا" وفقط، ولكن بخصوص القضايا التي تضمنتها الكلمة، وهي قضايا جوهرية (نسبة إلى قضية الراقصة جوهرة) وعميكة (من العمق الذي تتمتع به خلفيتك الاستراتيجية)، وأتوقف بالتحية لالتزامك بالمبدأ الأفريقي الراسخ: "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية"، وهو المبدأ "الذي والتي" سارعت بتطبيقه باللجوء إلى واشنطن لإدارة مفاوضات سد النهضة. فلم نكن نعلم قبل تصرفك أن أمريكا بلد أفريقي عريق، وأن البنك الدولي من المنظمات الوطنية في القارة السمراء. كما أحيي حديثك الموثوق عن إيمان مصر بأن السبيل الأمثل لإقرار السلام والاستقرار في القارة الأفريقية، وفي العالم، هو العمل على معالجة الأسباب الجذرية للمشكلات التي تهدد السلم والأمن، ومنع نشوب النزاعات والأزمات في المقام الأول، لا سيما من خلال وسائل الدبلوماسية الوقائية والوساطة لتسوية الخلافات التي قد تنشأ "بين الدول". وقد أذهلتني دقتك في التعبير الأخير (بين الدول)؛ لأن السلام وتسوية الخلافات لا يصح في "داخل الدول"، لأن الدول تنهار بسبب سكانها، وبسبب أهل الشر من المواطنين الذين يرغبون في الحرية والعدل والكرامة والاستقرار!

(6)
أعجبني صدقك يا فخامة الرئيس في الفقرة التي تحدثت فيها عن تمكين المرأة وتحقيق الآمال العريضة التي يتطلع إليها الشباب، ورأيت في خبر زيارة منى فاروق لدبي وانطلاقتها الحرة ومجاملتها للسبكي "خير تمكين"، وخير تصحيح للمسار، وخير فرصة لتحقيق تطلعات الشباب وفتح أبواب الأمل أمامهم لتحقيق منجزات يشيد بها "إعلام الترتر" ومواعظ "سوسو الجعارة".

وبكل صراحة يا فخامة الرئيس لا أعرف لماذا خطرت على بالي وأنا أستمع إليك؛ المرافعة الرفيعة التي ألقاها عبد الفتاح آخر (عبد الفتاح القصري في فيلم "الأستاذة فاطمة") فأحتفظ بها التاريخ، ويسعدني أن أنشر نصها في ختام رسالتي هذه، مع تعديل بسيط (فللضرورة أحكام)، وهو أن أخلط الحقائق (كما يفعل إعلامك النزيه) وأن أجعل مرافعة عبد الفتاح القصري عريضة اتهام واضحة وصريحة للمتهم عبد الفتاح السيسي. فقد عشنا ورأينا الهزل يتحول إلى سياسات وخطب رسمية، وها هي مرافعة الجاهل المدعي عبد العزيز الشرقاوي تتحول إلى خطبة عظيمة من أجل الحرية والمدنية والمعطاء (وإن كنت لا أعرف معنى المعطاء في هذا السياق):

(7)
نص المرافعة الاتهام:

قضية اليوم هي قضية الحق، ولقد ظهر الحق وزِهِق الباطل، إن المتهم الواقف أمامكم خلف القضبان الحديدية (لا توجد قضبان ولا متهم) مجرم أثيم وقاتل زنيم، اعتدى على الشرف والفضيلة الذي والتي يحميهن القانون، قتل حقوق الإنسان التي تكفل بها مجلس الأمن، وقتل الحرية الشخصية والحرية العمومية، وقتل الأخلاق، وقتل الشرف، وقتل المدنية والمعطاء، وقتل أولئك وهؤلاء عامدا مستعمدا. فلذلك ولكل هاتيك المجالي، أطلب من المحكمة أن تحكم على المتهم السيد عمر كامل بالإعدام شنقا مع سبق الإصرار والترصد.

(بعد المقال)

لما وجه القاضي سؤاله المتعجب إلى الحاج عبد العزيز الشرقاوي الذي يطلب الموت لجاره المتعلم:

ليه عاوز تشنق السيد عمر؟

يقول الجار الجاهل: للضرورة أحكام.

واستنكارا من القاضي لاستخدام الجاهل لمبدأ الضرورة، يزجره بقوله:

لما انت يا أخي مش عارف تتكلم، مش كنت توكل واحد محامي عنك؟

يرد الجاهل: والمحامي هيقول إيه أكتر من اللي أنا قلته؟.. أنا راجل متعلم.

يقول القاضي ما يقوله كثير من الناس في هذه الأيام يا فخامة الرئيس:

الكلام اللي قلته يدل على أنك راجل جاهل.

...والرسائل مستمرة

[email protected]
التعليقات (2)
Dr. Walid Khier
الجمعة، 13-12-2019 03:38 م
لقد أسمعت لو ناديت حيا, ولكن لا حياة لمن تنادي.... لا من توجه له الكلام مهتم بما تقول، فهو إغتصب السلطة وأحكم قبضته عليها، ولا الشعب الغافل مهتم بما تقول، فكل ما يعنيه غرائزه واحتياجاته الأساسية
ظبيه الهاشمي
الخميس، 12-12-2019 11:28 ص
استاذي.. فيسك المغظوب عليه قد حرمنا منك.. فجعلونا ايتام كلمتك.. الله يقطع صوتهم .. اما مقالتك الاخيره فهي لاذعه بمراره.. اقرأ مقالاتك دا ئما.... مشتاقين لفيسك وتعليقاتك بلوعه... دمت لنا مع كل الاحترام والموده