ملفات وتقارير

الكهرباء أزمة الأزمات في لبنان.. ما سببها ومن المتسبب؟

نكثت الحكومات المتعاقبة بوعودها في المعالجة بعد الحرب الأهلية منذ عام 1992- جيتي
نكثت الحكومات المتعاقبة بوعودها في المعالجة بعد الحرب الأهلية منذ عام 1992- جيتي

خرج الشارع اللبناني يعبر عن غضبه بفعل تردي الأوضاع المعيشية الى حد خانق ضغط على المواطنين في لقمة عيشهم، وسط حرمان شرائح واسعة منهم من أبسط مقومات العيش الكريم.

 

ومع تعدد الأسباب والمسببات تبدو معضلة "مؤسسة كهرباء لبنان" الحكومية محور الأزمات بفعل ضعف إنتاجية الطاقة لدى معاملها والتقنين الذي بلغ عمره عشرات السنين منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، إضافة إلى الفساد الذي ينخرها كسائر قطاعات الدولة.


ونكثت الحكومات المتعاقبة بوعودها في المعالجة بعد الحرب الأهلية منذ عام 1992، فلم يفلح وزراء الطاقة في تنفيذ خطط علاجية وبقيت المولدات العشوائية هي الحل البديل وهي التابعة لأحزاب سياسية تقاسمت غنائمها وفق قاعدة توزيع المناطق.

 

فلا يحق لأي صاحب مولد أن يمتد الى منطقة الآخر ولو حصل ذلك لاستحال الأمر صداما سرعان ما أخذ وجها مذهبيا وحزبيا.


وبدت خطط الوزراء "هشة" في التطبيق ومقاربة الأمور وسط صراع بين الأقطاب السياسية على منع أي طرف من تحقيق إنجاز ولو ضئيل يقضي على أزمة ترهق الخزينة اللبنانية بحسب أرقام الموازنة الحكومية بأكثر من ملياري دولار، علما بأن الوزارة تعاقب عليها وزراء ينتمون إلى حركة أمل وحزب الله والاشتراكي والتيار الوطني الحر وغيرهم.

 

وجميعهم فشلوا في حل مشكلة تبدو في ظاهرها بسيطة حيث تتكفل معامل جديدة في حل الأزمة جذريا بحسب ما أشارت مؤسسات طاقة عالمية وما أيده أيضا البنك الدولي، لكن مضمونها تفوح منها رائحة فساد ونكايات سياسية وعراقيل يرد عليها بعد حين بعراقيل أخرى، فاستعيض بالمعامل ببواخر إنتاجية مؤقتة لم تؤمن الكهرباء كليا وأبقت العجز قائما فيما تم التجاذب في الحل والعقدة على مائدة مشاورات عقيمة في مجلس الوزراء واللجان النيابية.


وتأثر قطاع الكهرباء بتذبذب أسعار النفط العالمي، وتعاظمت خسائر مؤسسة كهرباء لبنان لأنها تعتمد بنسبة 85% في إنتاج الطاقة على النفط، وجاءت حكومة سعد الحريري في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون تعد بالحل الدائم.

 

اقرأ أيضا : السندات الدولارية للبنان تهوي مع تصاعد الاحتجاجات

 

لكن المعضلة بقيت على حالها، وسط مناكفات وتراشق الاتهامات بالفساد والهدر؛ وبرزت الكارثة في الموازنة بشكل فادح وسط أرقام العجز المخيفة في قطاع الكهرباء.


ومع خروج التظاهرات الحاشدة تطالب بسقوط الحكومة والنظام أدخل الحريري حكومته والأطراف السياسية المشاركة بها في مهلة انتظار مدتها ثلاثة أيام انتهت الاثنين، لايجاد الحل لكل المعضلات السياسية والاقتصادية ومنها الكهرباء وهو أعد ورقة سيتم تبنيها على ما يبدو في جلسة الحكومة القادمة تتضمن بنودا تلزم "مساهمة المصارف لإنشاء معامل كهرباء ومعامل فرز النفايات والمحارق الصحية مع خفض الضريبة على المبالغ المساهمة بها"، إضافة إلى "تحويل معامل الكهرباء إلى غاز خلال شهر".


وكان الخبير الاقتصادي والمالي غازي وزني قال في تصريح سابق لـ"عربي 21" إن "ملف الكهرباء يجب أن يكون في أولوية إنجازات لبنان بناء على توصيات البنك الدولي وصندوق النقد والدول المناحة والتقارير المالية ذات الصلة.

 

ويأتي ذلك من خلال بناء معامل لزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية بمعدل 400 ميغاواط بحيث تؤمن الكهرباء في كل لبنان بشكل دائم ومن دون تقنين"، معتبرا أن المشكلة السياسية هي العائق وأن التظاهرات وجهت رسالة شديدة اللهجة إلى الأطراف السياسية التي عليها العمل بناء على رؤية واضحة وإلا عليها أن تتحمل عبء ردود فعل الشارع الغاضب".


واستغرب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عماد شمعون "عجز الدولة اللبنانية عن إيجاد حل لمعضلة الكهرباء لعشرات السنين، علما بأن سوريا المجاورة للبنان لم تتأثر رغم الحروب والدمار التي شهدتها أراضيها بأزمة الكهرباء كما حصل في بلدنا"، مشيرا في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "مرض لبنان يكمن في تعدديته والحكومات الميثاقية التي تعرقل الانفتاح نحو المعالجات الشفافة والجذرية".


واعتبر أن "المناكفات السياسية والعراقيل المتبادلة في الملفات الحياتية المنوط بها الوزراء المعنيون هي المسبب في المراوحة ومنع إيجاد الحلول"، مبينا أن "الورقة التي أعدها الحريري تتضمن حلولا متدرجة قد وافقت عليها الأطراف لشعورها بالقلق من غليان الشارع، لكنها في الوقت نفسه لن تعالج الأزمة في عمقها، لأن ذلك يتطلب آليات تنفيذ وخطوات متتالية ومن بينها محاربة الفساد وإيقاف الهدر".


وأوضح أن "شريحة من المتظاهرين ستقبل بمضمون الورقة بانتظار وضوح النتائج"، مشددا على أن "القوى اليسارية لن تقبل بالورقة الاصلاحية لغايات خاصة وطموحها بأن يكون لها دور سياسي قادم".


ورأى الكاتب والمحلل السياسي جورج علم أن "المحرك الفعلي للتظاهرات في لبنان هي من تدبير خارجي بهدف دفع النظام الى إيجاد اصلاحات حقيقية من خلال صدمة للحكومة تعيد بفعلها النظر في أولوياتها وتلبي المطالب الإصلاحية التي أوصى بها البنك الدولي وصندوق النقد ووكالات التصنيف إضافة الى المشاركين في مؤتمر سيدر الداعم للبنان".

 

وقال في تصريحات لـ"عربي21" إن "خلع اللبنانيين لعباءتهم الطائفية وارتدائهم الثوب الوطني من خلال مظاهرات حضارية ووطنية يدلل أن من يقود الحراك في غرفة العمليات محنك وصاحب خبرة وهو ما يؤشر الى دور فاعل لدول وجهات دولية".


وعن معالجة أزمة الكهرباء، قال: "خطط معالجة الكهرباء واضحة ولا تحتاج إلى مشاورات في خصوصها وما أعاقها سابقا هو الواقع السياسي في لبنان وتصارع المصالح، ولا بد من اتخاذ قرار بتنفيذ الخطة الكهربائية، وإلا فإن لبنان سيدخل في فوضى عارمة".

0
التعليقات (0)