كتاب عربي 21

"اسمي خان": قراءة في اسم عبد الفتاح اللمبي

أحمد عمر
1300x600
1300x600
ما تزال حملة حكاية اسمي السردية مستمرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي حملة لدفعهم للاعتراف أمام الكاهن الأعظم مارك في غرفة الاعتراف الزرقاء، فلكل اسم حكاية. اعترف أيها الكائن المكون من خمس علامات، هي: قلب أحمر، وجه غاضب، وجه حزين، وجه باك، وجه متعجب.. اعترف من غير تعذيب بكل أسرارك. سيجري مارك مجرى الدم من الإنسان.

زعم الروائي البريطاني الهندوسي الحائز على نوبل، فيديادر نيبول، أن كل إنسان يستطيع أن يكون روائياً لمرة واحدة، يروي فيها حكاية اسمه. يروي كتاب "نهاية الأرب في فنون العرب" أن شُريك بن الأعور دخل على معاوية وهو يختال في مشيته، فقال له معاوية: والله إنك لشريك وليس لله من شريك، وإنك ابن الأعور والصحيح خير من الأعور، وإنك لدميم والوسيم خير من الدميم، فبمَ سوّدك قومك؟! فقال له شريك: والله إنك لمعاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت فسُمّيت معاوية، وإنك ابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك ابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك ابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت فسُمّيت أمية، فكيف صرت أمير المؤمنين؟! فقال معاوية (مقرا بالهزيمة): أقسمت عليك إلا ما خرجت عني. ويمكن المقارنة بين هذه الواقعة وواقعة شبيهة من العصر الأمريكي بين ترامب وبين روبرت دينيرو الذي شتم ترامب بكلمة واحدة هي: فوك، ولكم المقارنة بين الديمقراطيتين الأموية والأمريكية مع فارق الزمن!

وقد فضّلت أن أكتب بعض الملاحظات على هامش حكاية فلم "اسمي خان"، بدلا من حكاية اسمي، وهو فيلم هندي من تمثيل شاروخان وكاجول وإخراج كاران جوهر، وقد مضى عليه عقد تقريباً. فذرائع الفيلم باقية، وفوبيا الإسلام تزداد، ولم يفعل الفيلم فعله لأنَّ بطله خائن. الحضارة الغربية تحب المسلمين مخصيين، بل تحب الجميع مخصيين، مسلمين ومسيحيين.

يروي الفيلم بالصور حكاية رضوان خان، وهو مسلم هندي يعاني من مرض التوحد "متلازمة أسبرجر". ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد وفاة أمه للإقامة عند أخيه زاكر، فيقع في غرام سيدة هندوسية مطلّقة تدعى مانديرا، لها ابن من طليقها. تحتبك حكاية الفيلم بعد انهيار برجي التجارة العالمي، ويعاني المسلمون من فوبيا الإرهاب، ويصير ابن مانديرا أحد ضحايا الكراهية الدينية، فيقتله أصحابه في الملعب. والطفل هو صديق رضوان، فالمتوحدان (الطفل الكبير والطفل الصغير) يتشابهان.. تطلب منه مانديرا مقابلة الرئيس الأمريكي وإخباره بأنه ليس إرهابياً. والفيلم يبدأ به وهو يحمل حقيبته على باب المطار، ويتعرض لتفتيش مهين.

يقول المثل: لكل امرئ من اسمه نصيب، وكان هذا قديماً، فلم يعد الأمر كذلك.. الناس تسمي أبناءها أسماء ليس لتعتز بها، وإنما لتحمي نفسها في صندوق الاسم مثل السلاحف والحلزونات، أسماء مثل باسل وبشار ووسيم في سوريا..

قيل لأبي الدقيش الأعرابي: لمَ تسمّون أبناءكم بشرِّ الأسماء، نحو كلب وذئب وليث؟ وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟ فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. وقد وقع العكس، فنحن نسمي أبناءنا لأنفسنا، ونصفُ المعارضين الذين يعارضون العدو بالإرهاب. قد عشت إلى اليوم الذي صار لي أصدقاء (في فيسبوك) ليس لهم صور سوى صور باقات الورد أو العمارات القديمة، وأسماؤهم مثل أسماء الهنود الحمر الذين انقرضوا بالسيف والمدافع وبطانيات الجدري.

يصحح بطل الفيلم اسمه للذين ينادونه "كان"، فيعلمهم نطق حرف الخاء، من الحلق.. اسمه خان، لكنه لا يصحح لهم نظرتهم عن دينه، ولا يذكر لهم أعداد العمليات الإرهابية في الغرب أو في الشرق التي يرتكبها غير مسلمين. لا يذكر لهم أن ثمة آية في القرآن تجعل قتل النفس من غير نفس أو فساد في الأرض كقتل الناس جميعا. هو يدافع عن نفسه فقط، يتزوج من هندوسية.. ويتغاضى الفيلم عن فوارق الدين، فكلاهما مرجعية ذاته.. الأخ يعارض، وخان يصرّ على الزواج منها، وهذه الفكرة هي فكرة فيلم "المغولي الأعظم"، ملك المغول الذي يصرّ على الزواج من هندوسية أيضا، ولا مشاحة في ذلك أيضاً، لكن الفيلم يقترح الزواج حلاً لمشكلة دينية. وكان بشار الأسد قد تزوج من سنية وبقيت المشكلة الطائفية!

مرجعية خان ليس دينه إنما هي أمه، مثل عبد الفتاح السيسي الذي استشهد بأمه ولم يستشهد بالدستور، أمه التي علمته الأمانة، ونعرف كيف حافظ عليها بالإيمان والحلفانات. قالت له أمه: الحاجة التي ليست لك أعدها إلى أهلها، فأعاد الجزيرتين إلى أهلها، وسرق كل ما في جيوب المصريين، سرق أمنهم، سرق ماضيهم وسرق حاضرهم ومستقبلهم.

قالت أم رضوان هذه الحكمة التي تتكرر في الفيلم: ليس هناك أديان وإنما هناك أخيار وأشرار، وهو قول شديد الرومانسية، وفي الوقت الذي يذبح الهندوس المسلمين في الشوارع في هذه اللحظة.

خان وعبد الفتاح خائنان، كلاهما ذائبان في الحضارة الحديثة والحداثة الغربية، وكلاهما يتبع أمه، أو يختفي خلف طيبتها، كلاهما يعانيان من إعاقة، إعاقة عبد الفتاح غير ظاهرة مثل خان فهو يعاني من مرض اسمه اللمبي. الغرب يريدون المسلم معوقاً، وكانت بريطانيا قد رفضت استقبال ذاكر نايك، من غير إبداء الأسباب، ووضعت شروطاً لقبول لجوء السوريين، منها أن يكون صاحب إعاقة، وأن يكون قد تعرض إلى اغتصاب، ووضعت شروطاً أخرى.

خان في الفيلم شديد الرِقة، هو فقط يدافع عن نفسه، يقول إنه ليس إرهابياً، ولا يجاوز ذلك بالتعريف بحضارته أو بدينه، بل إنه وشى بمسلم ، ولا بأس في الوشاية بإرهابي، بل هي في سوريا ومصر طريقة وحيدة للبرهان على الوطنية، ولا يجاوز ذلك بالبحث عن مشتركات إنسانية أو دينية بين حضارة الإسلام وبين حضارة الغرب، كعيسى المسيح أو أمه مريم أو الأنبياء الذين يؤمن به المسلمون والمسيحيون.. هو فقط يريد الوصول إلى الرئيس، وقد وصل إليه بتضحيتين هما الإعاقة وابنه، وصافح الرئيس، وطلب منه الرئيس أن يلقي خطابه، وكان خطاباً شديد الضعف والركاكة.. الخطاب يجمع بين ركاكة الأفلام الهندية وركاكة الأفلام الأمريكية. ركاكة خان تشبه ركاكة عبد الفتاح السيسي الذي يقف معتوهاً أمام طلب ترامب ببيع الأرض بمليار و800 مليون، فحار في الجواب، أو أمام الرئيس الفرنسي الذي سأله عن زوجته، ما شأن السياسة بزوجة الرئيس؟ فأجاب السيسي بعد تفكر طويل ومساعدة من المترجم: المرة الجاية.

المصريون عندما يغضبون من شخص يقولون: أنا مالي ومال أمك!

أعلن نيتشه قبل قرن أو يزيد موت الإله، وكان الإله الغربي قد صُلب قبل ألفي سنة، وأحبّوا الإله بعد الصلب، فهم يحبون الآلهة الضعفاء المصلوبين. أهلاً بك في الغرب بعد أن تغيّر دينك، وبعد أن تكون ضعيفاً ومعوقاً، ومتوحداً، من غير جماعتك، ومتزوجاً من غير دينك. أهلاً بك في بلاد العلمانية الشاملة.

أردت القول: إن البطولة هي أن نحترم بعضنا كبشر، وليس بعد صهر الأديان، والتجرد منها وتذويبها في دين محي الدين بن عربي، والحلاج، ودين الحب، ودين خان الذي خان، حقاً خان.

الحب يقلّ أو يزيد أو يتحول إلى بغضاء، أما الإنسانية فهي قدر دائم.
التعليقات (0)