مقالات مختارة

ربيع السودان.. توازن اليأس

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

كلا طرفي الأزمة السياسية في السودان، المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، وصل إلى مرحلة اليأس؛ فأقصى درجات اليأس التي بلغها المجلس العسكري فض الاعتصام الشهير من أمام القيادة العامة للجيش بالقوة المفرطة، فسقطت الكثير من الأرواح وسالت دماؤها سيلا عرما.

 

أما أقصى درجات اليأس التي وصلتها قوى الحرية والتغيير أنها أعلنت عصيانا مدنيا شاملا ومفتوحا قبل أن تتراجع عنه، ففارقت شعار السلمية حين وضعت المتاريس في كل الطرقات لإجبار الناس على تنفيذ العصيان بل تحدت هذه المتاريس حتى سيارات إسعاف المرضى فمنهم نساء قضين نحبهن وهن يصارعن أوجاع الولادة المتعسرة.

وقبل اعتراف المجلس العسكري بمسؤوليته عن إصدار قرار فض الاعتصام بالقوة سادت حالة من المداراة ومحاولة الهروب من المسؤولية بعد أن ظل المجلس يؤكد في كل مناسبة وبغير مناسبة أنه لن يفض الاعتصام بالقوة. في ذات الوقت كان تعليق قوى الحرية والتغيير للعصيان المدني الذي دعت إليه ولم يلق الاستجابة المرجوة، بسبب محاولتها تفادي خطأ قاتل وقعت فيه، وهو أن العصيان كان مفتوحا ولم تحدد له مدة معينة، كما أن توقيت تعليقه ارتبط بمحاولة حفظ ماء الوجه، ولربما كان التوقيت كذلك مرتبطا بمدى تقييمها لنجاح العصيان في أول ثلاثة أيام.

ولاشك أن العصيان المدني إن كتب له النجاح يعتبر وسيلة مؤثرة ويمثل بعبعا لأي سلطة حاكمة، لأن نجاح العصيان يعتبر كارثة سياسية، لكن إلى أي مدى نجح العصيان ومدى تأثيره، فتلكم مسألة اعتراها جدل كبير، لكنه لم يكن ناجحاً 100% على أي حال، بيد أن مجرد التلويح به شكّل هاجساً للمجلس العسكري.

ومع تبخر تأثير الاعتصام بعد فضه واضطراب الاستجابة الجماهيرية لدعوة العصيان المدني بدأ المجلس العسكري متنمرا؛ فقام باعتقال وترحيل نائب رئيس الحركة الشعبية وقياديين آخرين بالحركة إلى دولة جنوب السودان بعد أن كانوا قد عادوا طوعيا من المنفى عقب الإطاحة بالنظام السابق في 11 أبريل الماضي. وتبع ذلك تصريحات شديدة اللهجة للناطق الرسمي باسم المجلس العسكري قال فيها: «لا الولايات المتحدة ولا أي جهة أخرى كانت تملي علينا شروطا أو مطالب». وأكد أن المجلس العسكري «لن يقبل بلجنة تحقيق دولية بشأن فض الاعتصام لأننا دولة لها سيادتها ولها مؤسساتها العدلية المستقلة ذات الكفاءة المهنية ونحن نرفض ونقولها بملء الفم». وزاد أن المجلس لن يسمح بالاعتصام مرة أخرى أمام مقار الجيش.

إن توازن اليأس الذي استقر بين أيدي الطرفين الفاعلين حاليا في المسرح السياسي السوداني نتجت عنه حالة عدم مبالاة وسخط بين الشارع السوداني الذي صبر كثيرا وضحى بدماء أبنائه في سبيل عيش كريم. وهذا ما يفسر ضعف التجاوب مع قوى الحرية والتغيير والتوجس من سياسات المجلس العسكري التي أكثر ما يزعجه فيها الارتباطات الإقليمية المريبة.

ولعل تفاعلات الداخل السوداني لا تنبئ بانفراج قريب بل كل المؤشرات تشير إلى حالة من اللا استقرار تجد فيها الأصابع الأجنبية مرتعا خصبا لتنفيذ الأجندات الخارجية التي تصطدم بالضرورة مع الأجندة الوطنية. لقد أصبح الوضع اليوم في السودان مهترئا ويموج بالاستقطاب الحاد، وإن استمر على هذه الحالة فلن يؤدي إلى حلول وسط أو حلول سياسية، ولن يؤدي إلى الاستقرار. فلابد لجميع القوى السياسية والمجلس العسكري أن يلتقوا في منطقة وسط لتجنيب البلاد الفوضى ومآلات ما حدث في سوريا واليمن وليبيا، فالبلاد اليوم تنادي العقلاء من الجانبين.

فمتى يتصاعد الدخان الأبيض من قبة كرادلة السياسة السودانية وتتشكل حكومة تسد الفراغ الذي حدث منذ 11 أبريل الماضي؟ يبدو أن الاتفاق على حكومة انتقالية مخاضه عسير وأعقد من عملية اختيار بابا الفاتيكان، حيث لا يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستينا كدليل على الاتفاق على البابا الجديد إلا بعد اجتماعات مضنية ومعقدة لأكثر من مائة من الكرادلة جاءوا من كل بقاع العالم.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)