رغم الركود التجاري النسبي في أسواق العاصمة التونسية ليلا في شهر رمضان هذا العام مقارنة بالعادة، تكثفت المسامرات الثقافية والدينية والسياسية والنقابية.

ومع الانطلاقة الفعلية للحملة الانتخابية غير الرسمية تمهيدا لانتخابات الخريف المقبل، أصبحت مقرات النقابات والأحزاب وقاعات الأفراح والفنادق ساحة جديدة للمناظرات الفكرية والسياسية خلال المسامرات الرمضانية.

واحتلت الملفات الاقتصادية الاجتماعية الحارقة الصدارة، بما يكشف تخوفات من استفحال الصعوبات ومن انفجارات جديدة في الأحياء الفقيرة والجهات الداخلية المهمشة.

في المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل أشرف الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي ورفاقه في المركزية النقابية وفي مكتب الدراسات التابع لها على سلسلة من المسامرات التي أطلقت فيها صيحات فزع حول الصعوبات الظرفية والهيكلية التي يمر بها اقتصاد البلاد وميزانية الدولة والصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية المفلسة.

وتطورت بعض المسامرات الفكرية النخبوية في مقرات نقابات الفلاحين والتجار والصناعيين بدورها إلى اجتماعات موسعة أجمع خلالها النشطاء السياسيون والنقابيون على انتقاد السلطات وعلى مطالبتها بتعطيل مشروع "اتفاق التحرير التجاري المعمق والشامل مع الاتحاد الأوربي" (أليكا ALECA) المثير للجدل، محذرين من اإمكانية تسببه في انهيار شامل لقطاعات الزراعة والخدمات والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.

انفتاح على كبار الخبراء

ولعل من بين ما ميز هذه المسامرات الرمضانية السياسية النقابية هذا العام انفتاحها على كبار الخبراء والجامعيين الذين كانوا يتهمون سابقا بالدفاع عن وجهات نظر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي مثل محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي ووزير المالية السابق حكيم حمودة.

وقد نظمت لكل منهما مسامرة لعرض كتاب جديد تقييمي استشرافي حول المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في تونس وفي العالم، بحضور نخبة من الجامعيين والخبراء والاعلاميين، بما أوحى أن الكتابين صدرا الآن في سياق حملة انتخابية سابقة لأوانها للرئاسيات القادمة.

وكان ملفتا للنظر أن أمين عام نقابات العمال نور الدين الطبوبي ورموزا من اليسار النقابي مثل سامي العوادي ومحمد علي بوغديري وسامي الطاهري وسمير الشفي انفتحوا على مثل هذه المسامرات التي أطلقت صيحات فزع حول المؤشرات التنموية في البلاد.

ملايين في المقاهي والجوامع ليلا

وتتزامن هذه المسامرات مع أنشطة ثقافية وفنية متنوعة في قاعات التنشيط في مدينة الثقافة في العاصمة وفي عدد كبير من قاعات السينما والأفراح ومقرات الأحزاب، رغم تشكيات الشباب والمثقفين من غلق نحو 700 دار ثقافة وشباب ليلا بسبب البيروقراطية والتمسك بالإجراءات الإدارية التقليدية.

لكن الجمهور الكبير تتقاسمه وجهتان: المساجد والمقاهي.

وقُدّر عدد الملتزمين بأداء صلاة العشاء والتراويح في الـ5 آلاف مسجد تونسي بما لايقل عن 3 ملايين يلتحق أغلبهم بعد ذلك بجمهور المقاهي وصالونات الشاي التي يفوق عددها المائة ألف حسب بعض المصادر، بما يعني أن حوالي نصف التونسيين والتونسيات يقضون جانبا من ليالي رمضان خارج بيوتهم.

مسامرات علمية ودينية

في المقابل نظمت بعض الجمعيات سلسلة من المسامرات والأنشطة الثقافية العلمية والفكرية والدينية شملت حوارات حول الاجتهاد والتجديد في الإسلام والجدل الذي وقع تفجيره منذ عام في تونس حول المساواة في الإرث بين الجنسين بين النص القرآني والتشريعات العلمانية الجديدة.

في هذا السياق نظمت "رابطة تونس للثقافة والتعدد" التي يترأسها المفكر احميدة النيفر مسامرات فكرية دينية كثيرة في مقرها المجاور لجامع صاحب الطابع في قلب حي الحلفاوين التاريخي.

وقد كان هذا الجامع والمساجد القريبة منه في منطقة باب سويقة وسط العاصمة تونس مركزا لحركية ثقافية علمية دينية وسياسية في مرحلة الكفاح الوطني ضد الاحتلال الفرنسي ثم عند بروز الاتجاه الإسلامي الشبابي التونسي الجديد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.