مقالات مختارة

انحسار مساحة مناورة النظام العراقي في صراع أمريكا وإيران

أمير المفرجي
1300x600
1300x600

يتصاعد اهتمام الشارع العراقي بتداعيات تطور الأزمة الإيرانية بين إدارة الرئيس الأمريكي ونظام الولي الفقيه، نتيجة إرسال الولايات المتحدة للمزيد من التعزيزات العسكرية إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث ترجم عبور حاملة الطائرات «يو أس أس لينكولن» قناة السويس ووصولها إلى مياه الخليج العربي، عن تطور واضح في الاستراتيجية الأمريكية، واحتمال تحولها إلى صراع عسكري، يضمن للولايات المتحدة الدفاع عن مصالحها الإمبريالية، ردا على ما وصفته الإدارة الأمريكية بتهديدات من «وكلاء» إيران في العراق.

في الوقت الذي تفاجأ العديد من العراقيين، بوصول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في رحلة غير معلنة إلى بغـداد، كان غرضها على ما يبدو، الضغط على النظام العراقي، بحسب تصريحات الوزير الأمريكي في ما يتعلق «بمخاطر متزايدة على الأمريكيين قد يقوم بها حلفاء إيران في العراق».

وعلى الرغم من التباين الواضح في طبيعة توقعات الشارع العراقي المُنقسم طائفيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم استغلال الإيرانيين للفوضى التي أحدثتها عملية غزو العراق، لإرساء المشروع القومي الفارسي، بعد تغليفه بعباءة مذهبية كاذبة، قسمت العراقيين، وأعاقت استمرار وحدتهم في عراق عابر للطوائف والقوميات.

بيد أن طبيعة هذا الصراع الاستعماري الخطير على المصالح بين أمريكا وإيران، قد يحوله سريعا إلى مواجهة عسكرية مباشرة على التراب العراقي، في حالة فشل الجانبين في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث عززت التطورات الأخيرة التي وقعت على بعض السفن في مياه الخليج، بالقرب من مضيق هرمز، وتحذير الولايات المتحدة الأمريكية لرعاياها بعدم السفر إلى العراق، احتمال نقل هذا الصراع إلى العراق من خلال مهاجمة وكلاء إيران للتواجد الأمريكي، وهذا ما قد يُفسر قيام البنتاغون بإرسال مجموعة من حاملات الطائرات، وقاذفات سلاح الجو إلى الخليج العربي كتحذير لطهران، وإلغاء زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى ألمانيا، وقيامه برحلة غير معلنة إلى العراق ولقائه برئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح، للضغط على النظام العراقي، حول ما سماه بالمخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الأمريكيون من القوات الإيرانية، عن طريق ميلشياتها في العراق، حين قال «تحدثنا إليهم حول أهمية العراق لضمان قدرته على توفير الحماية الكافية للأمريكيين في بلادهم»، مضيفا «لقد قدم العراقيون تأكيدات بأنهم فهموا أن هذه هي مسؤوليتهم»، حيث عززت تصريحات رئيس الوزراء العراقي المتمثلة في مسؤولية الحكومة العراقية في حماية القوات الأجنبية المتواجدة في العراق.

من الجدير بالذكر أن وزير الخارجية مايك بومبيو، هو الذي أدرج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، نتيجة لتقرير من المخابرات الأمريكية والبنتاغون، اللذين حذرا من قدرة إيران في استعمال ميليشياتها المتواجدة في العراق، حيث عززت تصريحات المسؤولين الأمريكيين لصحيفة «نيويورك تايمز»، المخاوف من تأثير دور فيلق «الحرس الثوري الإيراني» من خلال علاقاته بالعديد من الميليشيات المسلحة.

في المقابل، أصبح من الصعوبة على الحكومة العراقية، التوفيق في مسؤوليتها المعلنة أمام الوزير الأمريكي في حماية القوات الأجنبية المتواجدة في العراق، نظرا لارتباط مليشيات «الحشد الشعبي»، مع أسس تنظيم الدولة العراقية الجديدة، والإشكالية القائمة جراء توظيفها للدفاع عن طبيعة النظام العراقي بشكله الطائفي، وعلاقته الحيوية المرتبطة مع مصالح إيران.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك ما يقارب من ثلاثين تنظيما من الميليشيات المسلحة، مع ما لا يقل عن 125 ألف مقاتل في الخدمة الفعلية، على الرغم من زوال تنظيم «الدولة» (داعش) حيث يخشى عامة العراقيين من نفوذ هذه المليشيات وخروجها في النهاية عن خط السيطرة، بعد فشل الجهود المبذولة لإخضاعهم لسيطرة الحكومة. وعلى الرغم من أن هذه المليشيات تم استيعابها في قوات الأمن العراقية، إلا أن قادة هذه المجاميع المسلحة تتمتع بوضع خاص ومستقل، لا يخضع فعليا لقيادة وزارتي الدفاع والداخلية، ولديها العديد من الممثلين في البرلمان العراقي، وكما أن لهم القدرة في تعيين الوزراء واختيار الحقائب الوزارية المهمة، لتقديمها إلى رئيس الوزراء، بالإضافة إلى انتساب العديد من كوادرها في الحمايات الخاصة للشخصيات القيادية البارزة في الحكومة العراقية ومن خلال ارتباطهم الخاص برئيس مجلس الوزراء.

من هنا يُترجم الموقف الرسمي لرئيس الحكومة العراقية في الدفاع عن تنظيمات الحشد المسلحة، عن حقيقة ضيق مساحة مناورة النظام العراقي في الحرب المقبلة على إيران. حين قال: «يمكن للأمريكيين اتخاذ القرارات التي يريدونها، لكن الأمريكيين يرون الأمور بطريقة مختلفة عن الطريقة التي نقوم بها، وموقفنا من الحشد الشعبي معروف وواضح». «نحن نحترم جميع مجموعات الحشد التي قدمت التضحيات». وهنا لابد من التذكير بتصريحات الرفض الرسمية للنظام العراقي لإدراج ميليشيات «حزب الله» و»النجباء» التابعتين للحشد الشعبي من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في مارس/ آذار في لائحة المنظمات الإرهابية.

وهذا ما يُفسر في النهاية، أسباب تعمد المسؤولين العراقيين، والتزامهم الحذر والمناورة، في وصفهم لأسباب زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة المرتبطة في موضوع تهديدات «وكلاء» إيران في العراق، التي هي في الحقيقة، المليشيات المسلحة المعترف بها من الحكومة العراقية، إذ اكتفى الجانب العراقي في التعليق على أسباب زيارة الوزير الأمريكي بهذه العبارة المُبهمة «ناقش الجانبان العلاقات الثنائية والتحديثات الأخيرة في أمن المنطقة وجهود مكافحة الإرهاب»، وتذويبها بالتالي مع المطالب الأمريكية، بالتوقف عن الاعتماد على إمدادات الطاقة الإيرانية المستوردة، وقبول منح إدارة ترامب للعراق تنازلا لشراء الكهرباء الإيرانية، ينتهي في شهر يونيو/حزيران المقبل.

لقد أصبح من الواضح من خلال قراءة موضوعية للمشهد السياسي العراقي، التنبؤ بالتداعيات المقبلة للمشهد العراقي، نتيجة التنافس الأمريكي ـ الإيراني، والإشكالية الناتجة من تأثير قوى الضغط الإيرانية داخل مؤسسات الدولة السياسية العراقية، من خلال دور المليشيات المسلحة كعامل ضغط للمصالح الإيرانية في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير هذه الإشكالية على النظام العراقي، بعد انحسار مساحة المناورة وضيقها وانتهاء اللعب على الحبلين في حالة إعلان الولايات المتحدة الحرب على إيران.

لا شك بأن تداعيات الصراع الأمريكي ـ الإيراني المقبل، ستضع لا محالة النظام العراقي أمام خيارين.. فإسناد إيران يعني تخلي واشنطن عن النظام العراقي، أما الوقوف ضدها فيعني إنهاء الدور الإيراني الطائفي، وهذا في كلا الحالتين إشارة إلى التغير المقبل في العراق.

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)