ملفات وتقارير

ما حقيقة انتشار التطرف بالسجون المصرية.. شهادات من الداخل

مختصون قالوا إن السلطات الأمنية تتحمل المسؤولية في انتشار الأفكار المتطرفة داخل السجون- أرشيفية
مختصون قالوا إن السلطات الأمنية تتحمل المسؤولية في انتشار الأفكار المتطرفة داخل السجون- أرشيفية

أكد معتقلون سابقون وحقوقيون معنيون بملف الاعتقال السياسي بمصر، أن ما كشفه تقرير منظمة هيومن رايتس فيرست، عن انتشار التطرف داخل السجون المصرية، يمثل جانبا ضيقا من الصورة الكاملة لما يحدث بالسجون المصرية.

وحسب شهادات الذين تحدثوا لـ "عربي21" فإن الأمن المصري، يتحمل المسئولية الأولي في انتشار الأفكار المتطرفة داخل السجون، بسبب الإجراءات القمعية التي يقوم بها ضد المعتقلين، والتعذيب الذي يصل حد القتل، والاهمال الطبي المتعمد، وفبركة القضايا والأحكام القضائية.

ويؤكد مختصون أن سياسة التسكين التي يعتمدها جهاز الأمن الوطني بالسجون، تعد سببا بارزا في انتشار هذه الظاهرة، بالإضافة لضعف الوعاظ والشيوخ الذين يتم استقدامهم من الأزهر الشريف، لمعالجة الجانب الديني لدى السجناء.

وكان مركز القاهرة لحقوق الإنسان، أصدر ترجمة كاملة لتقرير منظمة هيومن رايتس فيرست، عن انتشار ظاهرة التطرف بالسجون المصرية تحت عنوان "كالنار في الهشيم: نمو التطرف العنيف داخل السجون المصرية"، وقد ذهبت المنظمة الأمريكية إلي أن ضحايا حرب الحكومة المصرية على الإرهاب يتحولون لمقاتلين لدى الجماعات المتطرفة داخل السجون.

واستدل التقرير بحالة لأحد معتقلي سيناء، قُتلت أسرته ودُمر منزله في تفجير عسكري، وشاب آخر ابن ضابط بالجيش، تم اعتقاله وتعذيبه لمجرد وجوده صدفة في المكان الخاطئ، وقد طور كلاهما داخل السجن علاقاته مع أعضاء بتنظيم الدولة، انتهت بقيامهما بالهجوم الذي تبناه التنظيم عام 2016 على إحدي الكنائس بالقاهرة.

تكفير واشتباك


وفي شهادته لـ "عربي21" يستعرض الصحفي المصري حسن القباني، الذي أفرجت السلطات المصرية عنه، بعد اعتقال استمر عامين ونصف، بسجن العقرب بالقاهرة، حيث يؤكد القباني، أنه بعد اعتقاله من منزله تم إيداعه بعنبر الدواعي بسجن العقرب، وهو العنبر المخصص للمحكوم عليهم بالإعدام، ولقيادات تنظيمات الدولة، وأنصار بيت المقدس وأجناد مصر وغيرهم.

 

اقرأ أيضا: لهذه الأسباب يفضل السيسي السجون على المستشفيات والجامعات

ويضيف القباني: "بعد أقل من ساعتين، قام أحد القيادات البارزة في تنظيم بيت المقدس بتكفيري، بعد أن استمع لرأيي في كيفية الخروج من الأزمة الراهنة بمصر، وأن الحل فيها يجب أن يكون سياسيا، وليس عن طريق العنف المتبادل".


ويشير القباني إلى أنه ظل في صدام كلامي لمدة تجاوزت أربعة أشهر مع عدد من هذه القيادات، وفي أول مرة تم فتح باب الزنزانة عليه منذ اعتقاله، كاد أن يتعرض للقتل على يد أحدهم نتيجة مواقفه وآرائه المخالفة، لولا تدخل بعض المعتقلين الآخرين.


ويرى الصحفي المصري أن زيادة معدلات التطرف داخل السجن، الذي ظل به لأكثر من عامين ونصف، يعكس الحالة العامة لباقي السجون المصرية، وهي نتيجة طبيعية للظروف التي يعيش فيها المعتقلون من جانب، ولحالة الاستقطاب بين الجماعات المختلفة للشباب غير المصنفين، وهو ما قد يصل لحد الاشتباك فيما بينهم بالآلات الحادة المتاحة.


التصنيف الخاطئ

 
ويعدد المحامي والحقوقي المهتم بقضايا المعتقلين أسامة عاصي لـ "عربي21" أبرز الأسباب التي تساعد على زيادة التطرف داخل السجون، موضحا أن الظاهرة تبدأ قبل السجن وبداية الاعتقال، وتحديدا من مقار الأمن الوطني التي تتحول إلى سلخانات تعذيب لإجبار المعتقلين على الاعتراف بالتهم التي يريدها الجهاز الأمني، وفي أحيان كثيرة يموت المعتقلون نتيجة التعذيب، وهو ما يولد حالة عداء وثأر لدى المعتقلين الآخرين تجاه النظام الحاكم.


ويؤكد عاصي، أن سياسة التسكين التي يعتمدها الأمن الوطني، تمثل سببا آخر في انتشار هذه الظاهرة، ففي بعض السجون يتم توزيع المعتقلين وفقا للتصنيف العشوائي الذي يقوم به الأمن الوطني عن انتماءات المعتقلين، ما يجعل كثيرين من الشباب غير المنتمين بالفعل للتنظيمات المتشددة، في حضن هذه القيادات لفترات تمتد لشهور وربما سنوات، وبالتالي يكونون عجينة مناسبة يتم تشكيلها بأفكارهم الخاصة.


ويشير المحامي والحقوقي إلى "نقطة أخري غاية في الخطورة، وهي أن الجهاز الأمني في إطار تحجيم المنتمين للإخوان المسلمين وعزلهم عن باقي المعتقلين، يمنح الفرصة للتنظيمات المتشددة لفرض كلمتها في السجون، وفي حالة الخلاف، تترك إدارة السجون الأمور للاشتعال، ما يؤدي لحدوث اشتباكات عنيفة بين الطرفين، كما جري في سجون العقرب والاستقبال ووادي النطرون".

 

اقرأ أيضا: رسوم سجين سابق تكشف شكل الحياة وراء القضبان بمصر

وعن الجانب الوعظي الذي يقوم به الأزهر الشريف بالسجون، يوضح عاصي، أن السجون تتعامل مع هذا الجانب بطريقة روتينية، حيث تنص لائحة السجون على وجوب وجود وعاظ من الأزهر بصفة مستمرة، وتنظيم حلقات للعلم والفتاوى في السجون، في إطار خطة التهذيب والإصلاح.


ويضيف عاصي:"إذا كان ذلك يتناسب مع المساجين الجنائيين، فهو لا يتماشي على الإطلاق مع المعتقليين السياسيين، وخاصة مع الجماعات المتشددة التي لا تعترف بالأزهر ولا شيوخه من الأساس، ويتم تكفيرهم".


ويؤكد عاصي أن النظام الحاكم لم يترك شيئا يساعد في انتشار التطرف داخل السجون إلا وفعله، سواء كان بقصد أو غير قصد، وفي النهاية يدفع المجتمع ضريبة هذا الخطأ الفادح.

التعليقات (0)