مقالات مختارة

لعنة التعديلات (1-2)

أسامة عجاج
1300x600
1300x600

لم يكن إعلان مجلس النواب المصري بدء عملية تعديلات في دستور 2012، الذي صوّت عليه 38 بالمئة من الناخبين المصريين وحاز موافقة 98 بالمئة من هذه النسبة، مفاجأة لأي من المراقبين السياسيين في الداخل والخارج.. فقط المفاجأة في التوقيت، فالأمر معروف منذ سنوات، والنية مبيتة، وقد تكون منذ الانتخابات الرئاسية الأولى عام 2014، فالإشارات كانت عديدة وبعضها كان على استحياء.


ومنها التصريح الشهير للرئيس المصري في سبتمبر 2017، عندما قال إن "دستور مصر الحالي كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط"، وكأن النوايا الحسنة تهمة! رغم أنه سبق أن تحفّظ على مبدأ تعديل الدستور في حديث مع إحدى القنوات الأمريكية، والغريب أن الخطوة الحقيقية الأولى على طريق التعديل كانت في اللجوء إلى القضاء، في خلط للأوراق والتداخل بين السلطات، عندما تقدّم أحد المحامين بدعوى نيابة عن 350 مواطناً مصريا (لاحظ الرقم) أمام محكمة الأمور المستعجلة، وهي المحكمة نفسها التي قضت بسعودية جزيرتي تيران وصنافير، رغم أن محكمة القضاء الإداري هي المختصة بذلك، والدعوى الجديدة تطالب بإلزام رئيس مجلس النواب بدعوة المجلس إلى الانعقاد لتعديل المادة 140، التي تمنع إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لمرة واحدة، لتسمح بإعادة انتخاب الرئيس لمدد مماثلة؛ نظراً للمخاطر والأضرار الاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد.. ولم يصدر الحكم فيها، واستبقها بعض الإعلاميين القريبين من النظام، بالحديث عن حوالي 15 بالمئة من مواد الدستور تحتاج إلى تعديل، وبعدها دارت عجلة التعديل بعد دعوة مجلس النواب المصري إلى لجنته العامة لمناقشة الأمر.


وقد مثّلت الفترة الماضية، وفي أعقاب انتخاب الرئيس السيسي لفترة رئاسة ثانية، بداية التفكير في سيناريوهات تضمن رئاسات متعددة للرئيس السيسي، بعد انتهاء ولايته الثانية في العام 2022. وتمت مناقشتها جميعاً، ومن بينها "النموذج الروسي" في التغيير، والذي قضى بالدفع برئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف إلى منصب الرئاسة، بدعم من بوتين لفترة رئاسية واحدة، عاد بعدها كل منهما إلى موقعه (بوتين رئيسا، وميدفيديف إلى موقعه السابق)، ويبدو أن المخاوف من عدم التزام "ميدفيديف المصري" -رغم كثرة الطامحين إلى المنصب ولو مؤقتا- كانت وراء استبعاد هذا السيناريو.


وقريب منه ما حدث مؤخرا في موريتانيا؛ حيث أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أنه لن يترشح مجددا للانتخابات الرئاسية، معبّرا عن احترامه للدستور الذي حدد مدتين للرئاسة، وأقسم على ذلك، وكشف المقربون منه أنه سيدعم ترشيح وزير الدفاع ولد الغزواني، حيث تربطهما علاقة وثيقة، ورفض الأخير الانقلاب على الرئيس في أكثر من مناسبة عندما كان يتلقى العلاج في الخارج، مما يجعل محمد ولد عبد العزيز -على الأقل- شريكا من خلف ستار في الحكم في المرحلة القادمة؛ ولكن غياب الثقة كان أيضا وراء استبعاد هذا النموذج.


وتتضمن الحالة المصرية أن ينهي الرئيس ولايته، وقبلها تتم عن طريق مجلس النواب إضافة مادة للدستور تتضمن إنشاء مجلس حماية الدولة والثورة، يضم في تشكيله عدداً من كبار رجال الدولة، من بينهم الرئيس المنتخب عام 2022، والرئيس السابق عبد الفتاح السيسي وآخرين، والأعجوبة هنا رئاسة السيسي للمجلس، فوق الرئيس المنتخب حالاً من الشعب.. ونظرا لعدم منطقيته وعدم ضمان التزام الرئيس المنتخب وقبوله بوضع كهذا، فتم صرف النظر عن هذا المقترح.


كما كان هناك النموذج الجزائري الذي تمت مناقشته خلال الفترة الماضية، من خلال مدّ رئاسة عبد العزيز بوتفليقة إلى فترة انتقالية، مع تأجيل الانتخابات تتم خلالها تهيئة البحث عن بديل مقبول للرئاسة من جنرالات الجيش الجزائري، إلى أن تم السير مؤخرا في الالتزام بموعد الاستحقاق الانتخابي، وعلى أن يتم ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.


وفي النهاية تم الاستقرار على خوض معركة التعديلات بكل صعوباتها، وهو ما تمت الموافقة عليه، خاصة أنه تم تجريب التعديلات أكثر من مرة منذ ثورة 1952، وصل عددها إلى 8 مرات، وهي كالتالي: عام 1953، وعام 1956، وعام 1958، والإعلان الدستوري عام 1962، الدستور المؤقت عام 1964، والدائم 1971، وفي عام 2005، وتم إدخال تعديلات عليه بعد ثورة يناير 2011، وصدر دستور 2012، وبعدها دستور 2014.

 

عن صحيفة العرب القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل