قضايا وآراء

الثورة باقية.. والشعب سيد الموقف؟

خالد الشريف
1300x600
1300x600
كثير من الإحباط.. قليل من الأمل.. هذا هو العنوان الرئيس للمشهد بمصر اليوم، في ظل تصاعد القمع وانسداد الأفق السياسي، والحديث عن التعديلات الدستورية المرتقبة ليصبح السيسي حاكما مدى الحياة، فضلا عن الاعتقالات والقتل خارج القانون، حتى أصبحت مصر في سجن كبير تفوح منه رائحة الدماء.

وبعد مرور ثماني سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير، نتساءل: ماذا بقي من ثورة 25 يناير؟ حيث الثوار في السجون، ورؤوس الاستبداد تحكم وتنتقم، ولم يبق للمصريين من خيار سوى العيش تحت حكم نظام دكتاتوري غاشم أو الاكتواء بنار الفوضى.

لذلك لا تسمع للمصريين صوتا رغم الأزمات الاقتصادية الخانقة والارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور الخدمات بكل القطاعات في الوقت الذي تتصاعد التظاهرات في السودان وتونس والمغرب وأصحاب السترات الصفراء في فرنسا.. فهل ماتت الثورة في مصر؟ أم أن القمع والدماء والظلم شيّدوا حاجزا كبيرا من الخوف لدى المصريين؟ أم أن النار لا تزال تحت الرماد ونبض الثورة كامن في قلوب المصريين ستنطلق بميقات معلوم لا يعلمه أحد سوى الشعب الصابر المحتسب؟!

منذ أسابيع، أطل علينا من غياهب النسيان الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ الذي ظهر كشاهد ادعاء في محاكمة الرئيس المنتخب محمد مرسي وقادة الإخوان المسلمين، في مشهد هزلي زاعما أن الثورة فوضى وتآمر على نظامه القديم مع أن الثورة المصرية كانت من أرقى الثورات قاطبة، وأبهرت العالم خلال 18 يوما في ميدان التحرير؛ تجلت فيها روح الترابط والتكاتف بين المصريين.. لم تحدث فيها حالة سرقة أو اغتصاب أو سطو، رغم الانفلات والانسحاب الأمني المتعمد من قبل النظام الاستبدادي الذي جثم على صدور المصريين ثلاثة عقود كاملة.

لقد كانت الثورة المصرية انفجارا بشريا عارما انطلق من أجل كرامة وحرية الإنسان والحصول على احتياجاته الأساسية: "عيش.. حرية.. كرامة إنسانية"، بالإضافة لمظاهر الفشل في كل المجالات وقطاع الدولة، والتي حركت الجماهير.

لذلك، أعتقد أن الخداع والتزييف والكلمات المعسولة لا يمكن أن تنسي الشعوب احتياجاتها للحرية والعيش الكريم، وأن جدار الخوف سينهار قطعا مع أي عاصفة جماهيرية تهب على المحروسة، وهو ما يؤكد أن ثورات الشعوب لا تموت.. قد تضعف حينا، وقد تمرض بعض الأوقات، لكنها لا تموت أبدا.

ولعل القضية المصرية تصدرت المشهد مرة أخرى مع حديث السيسي مع قناة CBS الأمريكية، والذي بدا مرتبكا غارقا في عرقه، نافيا وجود معتقلين سياسيين في سجونه، ومستغربا الحديث عن مذبحة رابعة، رغم أن جرائم السيسي موثقة بالصوت والصورة ولا تحتاج إلى دليل أو إثبات، فالمعتقلون، وعلى رأسهم الرئيس المنتخب، تزدحم به السجون، ويواجهون الموت البطيء نتيجة للإهمال الطبي.

لكن الأمر يثير السخرية مع ارتباك السيسي ومحاولة تبريره الانقلاب، رغم مرور خمس سنوات، ونفيه المستمر لانتهاكات حقوق الإنسان، وهي أمور تدفع للتساؤل عن ملايين الدولارات التي تنفقها السلطة خلال السنوات الماضية لتجميل صورة السيسي في الإعلام الغربي، وعدم اقتناع المجتمع الأمريكي ومؤسساته بجدوى استمرار المعونة الأمريكية مع فشل السيسي في محاربة الإرهاب بسيناء، رغم تماهيه مع السياسات الأمريكية، وتنسيقه مع جيش الاحتلال الصهيوني الذي يمرح في سماء سيناء؛ مستبيحا السيادة الوطنية المصرية.

الفضيحة الأكبر في الحوار ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية؛ عن طلب السلطات المصرية منع بث مقابلة السيسي مع قناة CBS، خشية الرأي العام، وهو يؤشر صراحة على عداء المصريين لـلتحالف الوثيق بين نظام السيسي ودولة الاحتلال، حيث لا يوجد بيت مصري إلا فيه شهيد خلال الحروب التي خاضها المصريون ضد الصهاينة، بل إن الثورة المصرية جزء من تكوينها رفضُ التطبيع والتبعية للاحتلال الذي يدنس أرض فلسطين، فضلا عن أن محاولة منع بث حوار السيسي مع قناة cbs عمل بائس، لمنع تذكير العالم بجرائم السيسي، حتى لا يقع تحت طائلة المحاكمة الدولية، بعد المطالبة الدولية بمحاكمة محمد بن سلمان لتورطه في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وهذا وهم كبير، فالشعوب لا تنسى طغاتها الذين ارتكبوا جرائم بشعة بحقها وستحاسبهم طال الزمن أو قصر.

الغريب وسط هذه الكوارث التي تعيشها مصر في عهد السيسي يخرج علينا من ينادي أن يكون عام 2019 بداية إصلاح سياسي، وهو يقصد زيادة سنوات المدة الرئاسية الحالية للسيسي إلى ست سنوات، وإضافة مادة للدستور تنص على إنشاء مجلس انتقالي برئاسة السيسي لمدة خمس سنوات تبدأ مع انتهاء فترته الحالية، بهدف حماية الدولة وأهداف الثورة!

ولو سألت الأجنة في بطون أمهاتها عن الواقع المرير الذي يعيشه المصريون، لقالت لك على الفور إن سبب خراب البلاد وإفساد العباد هو السيسي؛ الذي حطم التجربة الديمقراطية الوليدة، وزج برئيس منتخب في غياهب السجون دون جريرة، وحطّم حلم المصريين في النهضة، والأخطر هو منع التداول الآمن للسلطة والاحتكام لقوة السلاح في التغيير.

الغريب أن السيسي يريد أن يجدد انقلابه على الإرادة الشعبية عبر تعديله للدستور، لضمان استمراره في كرسي السلطة لأجل غير مسمى، في ظل محاولات مستعرة لتعديل وترقيع الدستور الذي طالما انتقده السيسي بدعوى أنه "كُتب بنوايا حسنة". وليس الغرض التربع الدائم على كرسي السلطة فقط، بل بغرض السيطرة التامة على الدولة، لتجتمع بيديه كل السلطات والصلاحيات بلا رقيب ولا شريك، رغم أنه فاشل خارجيا وداخليا، حيث تقزمت مصر في عهده، وانفرط عقد الدولة المصرية، فضاعت تيران وصنافير، وفرط في حقوقنا المائية بالموافقة على بناء سد النهضة الأثيوبي وضياع سيناء التي يرتع فيها الإرهاب وتمرح في سمائها إسرائيل.

الأغرب، أن السيسي يخنق مصر، وزبانيته يطالبون باستمراره حاكما مدى الحياة. لكن دعك من زبانيته، فالشعب لا يزال سيد الموقف الشعب، وهو صاحب القوة والسيادة ولا وصاية عليه من أحد.

ونعتقد اعتقادا جازما أن البداية الحقيقية للإصلاح تكون بفتح نوافذ الحرية، وترسيخ العدالة، ومحاسبة المجرمين في عدالة انتقالية، مع احترام كامل لإرادة الجماهير في اختيار حاكمها الذي يقودها للنهضة والتقدم.
التعليقات (1)
مصري جدا
الثلاثاء، 15-01-2019 06:21 م
مازلت أظن وليس كل الظن إثم ،، أن الإشكالية ليست في السيسي وفرق المولاة المتنوعة رغبا ورهبا من حوله فمن المتوقع لنظام انقلابي ان تكون ممارساته كما هي الان ،،، الإشكالية الاهم هي في مربع المعارضة الذي لا يملك أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع من جهة وغياب الرؤية لنرحلة ما بعد السيسي من جهة أخرى ،، هذا يجب ما يشغل المعارضة ،،، هذه هي الفروض وغيرها نوافل ،،