كتاب عربي 21

من تونس.. الأمل لا يزال قائما

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

استقبل التونسيون السنة الإدارية الجديدة بنسبة عالية من القلق والحيرة. ومن بين العوامل التي تقف وراء ذلك أن رئيس الحكومةK يوسف الشاهد، عندما تحمل المسؤولية، وعد التونسيين بأن تكون سنة 2018 نهاية السنوات العجاف، وستبدأ بعدها مباشرة صفحة جديدة تهيئ لمرحلة سيشهد خلالها الاقتصاد صعودا تدريجيا في اتجاه تجاوز الأزمة. لكن اليوم اختلف الأمر، وكشفت الأرقام عن معطيات أخرى ليست مطمئنة، وهو ما جعل الشاهد يرحّل تفاؤله السابق إلى العام الموالي، أي 2020!!

رغم هذه النبرة التشاؤمية والسوداوية التي تسود مواقف الكثير من التونسيين، إلا أن الأمل في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا يزال قائما. وليس هذا مجرد خطاب لاستدرار العواطف ومحاولة لطمأنة الذات، ولكن هناك عوامل موضوعية تجعل كل مراقب نزيه للحالة التونسية يتعامل معها وفق نظرة شمولية؛ تأخذ بعين الاعتبار جوانب القوة والضعف فيها.

 

الأمل في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا يزال قائما. وليس هذا مجرد خطاب لاستدرار العواطف ومحاولة لطمأنة الذات، ولكن هناك عوامل موضوعية تجعل كل مراقب نزيه للحالة التونسية


لم يتوقف الانتقال الديمقراطي. صحيح هو بطيء أحيانا، ومحتقن في أحيان أخرى، وقد يتراجع في بعض الأوقات، ولا يفي بجميع مطالب المواطنين، لكنه في الآن نفسه مسار متواصل، لم يتوقف رغم أن أطرافا عديدة تعمل بكل قوتها من أجل أن ينتكس ويندثر نهائيا.

إن استمرار عملية الانتقال السياسي في ظروف غير مواتية يعتبر في حد ذاته إنجاز هام يجب أن يحسب لصالح هذا الشعب المتمسك بديمقراطيته الناشئة والهشة. لم يستجب هذا الشعب لتلك الدعوات التي أطلقها البعض من أجل العودة إلى ما قبل الثورة. قد يرفض الشعب المشاركة في إحياء ذكرى الرابع عشر من يناير، أو تكون مشاركته ضعيفة وفاترة، لكن غالبية مكوناته لا تُقدم على ذلك لكونها تحن إلى الاستبداد، وتريد أن تُسحب منها حرية التعبير والتنظيم مقابل توفير الغذاء. إن عدم المشاركة في احتفالات الثورة مؤشر احتجاج وغضب وعدم رضى عن أداء النخبة السياسية، وليس إعلانا نهائيا عن فقدان الأمل في المستقبل، ولا هو مؤشر عن استعداد واع من قبل الجماهير للعودة إلى الماضي بكل سيئاته، والخضوع لمستبد يزعم بكونه عادلا وحنونا وغير فاسد.

في هذا الشهر الذي تفتتح به السنة الجديدة، هناك ثلاث محطات هامة؛ أولها الذكرى الثامنة للثورة، وهي محطة أساسية لتقييم الحصيلة. ولا يختلف اثنان في أن الحصيلة تعتبر هزيلة إذا ما تم الاعتماد في ذلك على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. لم تأت الثورة بجديد في مستوى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين الناس. فعلى العكس من أهداف الثورة، استمرت البلاد خاضعة لهيمنة الاقتصاد الدولي ولمصالح الممولين الكبار، حيث بقيت الحكومات الثماني أسيرة اختيارات الرأسمالية المتوحشة، وهو ما زاد في إرهاق التونسيين، وعمّق الفوارق الاجتماعية بينهم، وقلّص من حجم الطبقة الوسطى إلى حدود 50 في المئة، بعد أن كانت قبل الثورة في حدود السبعين، كما تعمقت المسافة بين النخب السياسية وبين عموم المواطنين. لكن لا يعني ذلك موت الثورة كما يحلو للبعض أن يصف الحالة بهذه القتامة.

 

على العكس من أهداف الثورة، استمرت البلاد خاضعة لهيمنة الاقتصاد الدولي ولمصالح الممولين الكبار، حيث بقيت الحكومات الثماني أسيرة اختيارات الرأسمالية المتوحشة، وهو ما زاد في إرهاق التونسيين

المحطة الثانية هي 17 كانون الثاني/ يناير، وهو الموعد الذي حدده الاتحاد العام التونسي للشغل لتنظيم الإضراب العام في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة حول الزيادة في رواتب الوظيفة العمومية. وهو موعد ينتظره كل الساعين لإسقاط الحكومة، بل هناك من أعلن عن رغبته في إسقاط النظام برمته. وهؤلاء صنفان؛ صنف يعتبر ذلك مقدمة ضرورية لاستئناف الثورة وتصحيح مسارها مثل الجبهة الشعبية اليسارية، وصنف آخر يتمنى إسقاط النظام للعودة إلى المنظومة القديمة بآلياتها ورموزها ومضامينها الرجعية. لكن الحكمة لا تزال ضالة الكثير من القيادات السياسية والنقابية، حيث تبذل الحكومة، وكذلك قيادة الاتحاد، جهودا ملموسة من أجل التوصل إلى اتفاق يُخرج البلاد من حالة الاحتقان، ويسحب البساط من الذين يتحينون الفرصة لإشاعة الفوضى. 

أما المحطة الأخيرة فهي 26 كانون الثاني/ يناير التي تحيل إلى المواجهة الكبرى التي حصلت في عام 1978، بين النقابيين وحكومة الهادي نويرة في عهد الرئيس بورقيبة. كان ذلك اليوم أسود، نظرا لعدد القتلى الذين سقطوا برصاص الجيش، بعد أن لجأت السلطة إلى العسكر ليضع حدا للاحتجاج الشعبي. وقد كانت لذلك الحدث تداعيات ضخمة على النظام وعلى المجتمع، وهناك اليوم بعض الأطراف التي تتمنى تورط الحكومة في سيناريو من ذلك القبيل؛ حتى تحشرها في الزاوية، وتوفر بذلك مناخا سياسيا للانقلاب على المسار برمته.

نعم، هناك نفس ثوري لا يزال قائما في تونس. وتعتبر بعض الحركات الاجتماعية حاملة من الحوامل التي لم تستسلم بعد، وتعمل على ممارسة الاحتجاج السلمي لمنع مزيد من إفراغ السياسة من معانيها، ومن أهداف الثورة ومضامينها. وما دامت هذه النوعية من الحركات قائمة وصامدة ومستمرة، فإن الثورة التونسية لن تموت. وحتى لا تموت، فعلى القوى الثورية الحقيقية أن تحسس الجماهير بأن هناك حلما كبيرا، وأن تساعدهم حتى يلمسوا عمليا آثار هذا الحلم في حياتهم اليومية.
التعليقات (1)
متفائل
الأحد، 06-01-2019 06:35 م
ننطلق من أهم نقطة وهي : " تعمقت المسافة بين النخب السياسية وبين عموم المواطنين " هذا هو مربط الفرس كما يقال ، ومن هنا يبدأ المشوار ، فليس أمام نواب البرلمان ، وخصوصا عن حركة النهضة ، و أعضاء حكومة الشاهد ، إلا أن يقرروا خفض رواتبهم ، ولو لفترة ، إلى الحد الذي يحفظ لهم ماء الوجه ، وإلى الحد الذي يشعرون بقيمة ماء وجه المواطن المسحوق ، ويدعوا قوى اليسار التي تعشق الثورة على الحقرة ، أن يرافقوهم في مسعاهم لإنقاذ ثورة الشعب التونسي التي برهن الشعب الثائر من خلالها ، أنها ثورة من دون خلفية أحزاب سياسية ، و يطلبوا من الشعب خلال المواعيد الثلاثة إضرابا عاما ، فيلزم الجميع بيوتهم ليوم كامل ، باستثناء قوى الأمن التي يجب أن تسهر على أمن الجميع ، ليلتحم الشعب بعدها مع حكامه ، إذ يمكن أن يجري الشاهد بعض التغيير الوظيفي ، ويجتهد الجميع من أجل حفظ ماء وجوه التونسيين ، و تخييب ظن أمراء المال الحرام الذين يراهنون اليوم على تساقط التونسيين ، والله ولي التوفيق .