مقالات مختارة

أفغانستان وسوريا.. أمريكا والانسحاب المتردد

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600

تزامن الإعلان عن الانسحاب الأمريكي من سوريا مع مكالمة طويلة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، بينما تزامن الإعلان عن الانسحاب من أفغانستان بلقاءات مباشرة بين ممثلي حركة طالبان الأفغانية والمسؤولين الأمريكيين في دبي، وهي لقاءات جاءت بعد سلسلة اجتماعات ماراثونية في عواصم عدة، ليعقبه توجه وفد الحركة إلى طهران، وبحث الأمن والسلام في أفغانستان، بحسب بيان صادر عن "إمارة أفغانستان الإسلامية".


ثمة فروق بين المنطقتين بلا شك، ففي أفغانستان يوجد عنوان واحد للاحتلال والغزو على مدى 18 عاما، حروب تعد اليوم أطول حروب أمريكا خارج أراضيها، أما في الحالة السورية فثمة عناوين بريد متعددة، بينها روسية، وإيرانية، وأمريكية، وغربية، وتركية ووو... ولكن يظل الدور الباكستاني الأقوى عمليا وفعليا في أفغانستان.

 

ولكن هناك دور يعمل بصمت رهيب دون ضجيج، استطاع خلال سنوات طويلة الانقلاب على طالبان، والتحالف مع 49 دولة، ثم دار مائة وثمانين درجة فدعم بصمت حركة طالبان الأفغانية، وقاوم كل الضغوط الدولية الرهيبة عليه، مستغلا حاجة أمنه القومي إن كان بوجود حركة بشتونية على حدوده تتشاطر عرقية واثنية واحدة مع شعبها الذين يصل عددهم إلى 40 مليون بشتوني باكستاني، بالإضافة إلى استخدام هذه الورقة في مواجهة تحركات عنصرية انفصالية بلوشية مدعومة من قبل خصوم باكستان الأميركيين، والهنود، والروس، والإيرانيين، وهو ما يتشابه إلى حد كبير مع الحالة التركية في الملف الكردي.


وفي الوقت الذي لم تلتفت باكستان وطالبان للإعلان الأمريكي عن الانسحاب ولم تتعاط معه بجدية، ولا على أنه حقيقة مسلمة، فراحت طالبان -وقد تكون بدعم باكستاني- تواصل عملياتها العسكرية ضد الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيا.

 

وتداولت وسائل إعلام أمريكية معروفة النجاحات الطالبانية العسكرية في أفغانستان، إذ بلغت نسبة المديريات الأفغانية التي تسيطر عليها الحركة أكثر من 61%.

 

جدير بالذكر أن عدد المديريات الأفغانية يصل إلى 387 مديرية، منتشرين في 34 ولاية أفغانية، بينما في المقابل كان تعامل الطرف الآخر في سوريا مع الإعلان الأمريكي بجدية، فتم وقف العمليات العسكرية التركية المخططة لمهاجمة منبج، لينتظر المزيد من التفاصيل، بينما أي خطة لأي مشروع يخلق فراغات وفرصاً كان ينبغي الاستفادة العاجلة منها قبل أن يعاود استقراره مجددا.

 

الأمر حصل بالفعل، حين غير الرئيس الأمريكي موقفه، وبدأ يتحدث عن انسحاب بطيء ومتدرج، قد يصل إلى أربعة أشهر، بل وتتحدث التقارير عن انتشار مستشارين إماراتيين ومصريين في منبج، وإحلال قوات عربية فاصلة وحاجزة بين العصابات الكردية والحدود التركية.


الانتشار الأمريكي شرق الفرات واتخاذ الفرات حدودا طبيعية، ثم حجم الإنفاق الرهيب على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة لا يشي أبدا بأن واشنطن ستنسحب في المستقبل المتوسط منها، ولعل شخصية مثل ترامب تتخذ قرارات سريعة، وربما اعتباطية ثم تتراجع عنها، تخدم الاستراتيجية الأمريكية في إرباك الخصوم بالمنطقة.

 

الأمر حصل أيضا بالفعل، في الإعلان عن الانسحاب من سوريا، بينما لم يحقق أهدافه في أفغانستان، نظرا لخبرة الأفغان والباكستانيين في دهاليز السياسة الأمريكية ومطباتها، ومن جلس في أفغانستان لـ 18 عاما قدم فيها آلاف القتلى ومليارات الدولارات، كيف له أن يتخلى عن منطقة مثل سوريا بهذه السرعة وبهذه السهولة، متخليا عن حلفائه ليس لخنق الثورة السورية، وإنما لخنق تركيا معها.

 

في هذا العالم الذي تتكاثر فيها الذئاب والضباع، لا بد من ردّ الحجر من الحجر الذي انطلق منه، كما قال السيد المسيح عليه السلام، وتكتيكات العالم كله اليوم تستند إلى استخدام ممثلين غير حكوميين كالمليشيات المسلحة، لا سيما إن كان الأمر هجينا بين دعم مليشيات وتوفير الدعم الحكومي لها، كما يحصل في مليشيات طائفية أو عرقية كالعصابات الكردية مدعومة من أمريكا وغيرها.

 

وهي حرب أقل كلفة وقد ثبتت فاعليتها، لنتذكر كيف استطاعت باكستان -ولا تزال- تجنب مواجهة مع دول كبرى وإقليمية لاعتمادها على جماعات إسلامية مثل طالبان، وغيرها في مواجهة جماعات انفصالية مدعومة من قوى كبرى وإقليمية.

 

(عن صحيفة العرب القطرية)

التعليقات (2)
متفائل
الجمعة، 04-01-2019 05:41 م
ننطلق من الحجر الأساس و هو قول الكاتب : "كيف له أن يتخلى عن منطقة مثل سوريا بهذه السرعة وبهذه السهولة، متخليا عن حلفائه ليس لخنق الثورة السورية، وإنما لخنق تركيا معها." . ليس لخلق الثورة السورية فحسب ، و قد أغلق في و جهها كل الأبواب ، بداية بمنع دخول صواريخ و أسلحة مضادة للطيران ، حفاظا على بقاء النظام ، و من أجل استنزاف قوى الثوار ، و كان يريد توريط تركيا و جرها للمستنقع الآسن الذي زوده بفرق الموت ابتداء من " داعش " . الانسحاب من سوريا هو بمثابة إعادة تموقع وانتشار ، كل ذلك لفسح المجال لتهيئة المشهد من جديد ، و هو ما سارع السفير الروسي في لبنان إلى التبشير به تحت ما سماه بنظام دولي أو عالمي جديد ، حيث سارع حكام أبو ظبي بتقديم هدية رأس السنة الميلادية للزعيم السوري الذي قبل الهدية و التهاني ، و يداه ترتجفان من شدة الفاجعة التي ألحقها بشعبه العزيز ، و لعله سيستعير العبارة في مخاطبة الشعب المكلوم و ينبهه إلى القادم إن هو رجع إلى ذاكرته من جديد ، أمريكا و إسرائيل و حكام أبو ظبي والرياض " منسجمون " كثيرا و يعولون على روسيا التي استهواها ثناء ابن زايد وابن سلمان ، و الأموال التي يمكن أن تجنيها شركاتها من برنامج إعمار سوريا الذي بشر به الرئيس ترامب ، لكن من بعد الاستجابة لوضع حجر أساس " صفقة القرن " من خلال حصار قطاع غزة وإرغامهم على القبول بدولة فلسطينية تشمل قطاع غزة و جزءا من أرض سيناء ، تفرغ المصريون من تحضيرها من بعد التجريف و هدم المنازل و عمليات الترحيل ، و ليكن ذلك من دون و جود سلطة محمود عباس ، لتنفق الرياض و أبو ظبي الأموال في سبيل إعمار " دولة الفلسطينيين " ، أما تركيا فهم يخططون لاستقدام قوات عربية و مرتزقة و ما تبقى من مجموعات داعش الباقية تحت السيطرة ، كل ذلك لخلط أوراق تركيا و الإمعان في زعزعتها في انتظار الجديد ، لعلكم لاحظتم انقياد النظام السوري لأوامر روسيا بعدم دخول منبج . يمكن أن يتنبه الأتراك للمكيدة ، فيسارعوا إلى دخول منبج و اجتثاث المؤامرة من جذورها في الوقت المطلوب ، كما يجب الحذر من تحركات الإماراتيين أينما و جدوا و شغلهم عن إلحاق الأذى بالآخرين .
ابو العبد الحلبي
الأربعاء، 02-01-2019 07:43 م
الإعلان عن انسحاب أمريكا من سوريا هو خدعة من صناع القرار الأمريكي . سيطرت أمريكا بقوة على سوريا منذ آذار (مارس) المشئوم عام 1963 و حتى هذا اليوم و بذلت في سوريا جهوداً لم تبذل مثلها في أي بلد يقع تحت هيمنتها من بلدان العالم الثالث. بمجرد خروجها من عزلتها عقب الحرب العالمية الثانية ، دبَرت أمريكا انقلاب صبيها "حسني الزعيم" عام 1949 أي كانت سوريا أول بلد عربي سعت للسيطرة عليه . لم يدم الأمر لها طويلاً و حصلت سلسلة من الانقلابات ، و في نهاية الأمر أوصلت حزب البعث العلماني للسلطة عام 1963 ، و كان هذا الحزب حصان طروادة الذي اختبأ فيه النصيريون للتسلل إلى الحكم "ليس بتخطيطهم و لكن بتخطيط الأمريكان". في عام 1967 أثبت النصيري حافظ الأسد كفاءة عالية ببيعه هضبة الجولان ، فقام هنري كيسنجر بترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية و بالفعل نال ذلك نهاية عام 1970 و لقد لاحظنا أن الانقلابات الحقيقية انتهت و بقي في الحكم 30 عاماً خدم الأمريكان فيها إلى أبعد الحدود سواء في سوريا أو خارج سوريا "لبنان مثلاً". عندما مات حافظ ، كان من المفروض أن يتولى منصبه إما زهير مشارقة "النصيري" أو عبد الحليم خدام "المنسوب للمسلمين" فأتت مادلين أولبرايت لتحسم الموقف بتعيين بشار رئيساً. لم تنظر أمريكا لثورة شعب سوريا نفس نظرتها للثورات التي سبقتها ، و قررت قمعها بمنتهى القسوة و الوحشية منذ اليوم الأول . ثم معروفة بقية القصة من حيث الأمر الأمريكي للحكام الفرس بإرسال مليشيات طائفية متعددة الجنسيات ليمارسوا مع عصابة بشار كافة أشكال القتل و التدمير و الحصار و التجويع و التهجير من دون أي ردود فعل منظمات دولية ، فقد شلتها أمريكا و شلت أيضاً الدول و جماعات التهريب من أن يمرروا أي سلاح مضاد للطائرات. راقبت أمريكا جميع حدود سوريا ، و كان مجلس الأمن القومي الأمريكي في حالة انعقاد شبه مستمر من أجل سوريا فقط لا غير. مخطئ من يظن أن جيش روسيا تدخل نتيجة طلب بشار (بوتين لا يقيم وزناً لما وصفه مسئول روسي بذيل الكلب) ، و الحقيقة أن أوباما و كيري طلبا من بوتين التدخل مع تعهد بتمويل كافة نفقات الجيش الروسي من الإمارات. في جزء كبير من العمل الذي جرى و يجري في سوريا ، تريد أميركا استدراج و توريط تركيا لتكون كمن صاد عصفورين بحجر واحد. في بداية الثورة ، كتبت عن ضرورة تدخلها و انتقدت تردد قيادتها لكن الحمد لله أن القيادة لم تأخذ قرار التدخل لأن الجيش التركي كان مخترقاً بضباط خونة قادوا فيما بعد الانقلاب الفاشل. في الوضع الحالي ، تركيا "ترقص مع الثعابين في سوريا" . أرجو الله أن يحميها و يحمي جميع بلاد المسلمين.