مقالات مختارة

سألت بعض الناس في السعودية عن ولي عهدهم المجنون والقاتل

نيكولاس كريستوف
1300x600
1300x600

ليس من اليسير أن تجد نفسك في دولة بوليسية وأنت تجري لقاءات مع الناس حول ولع زعيمهم بتجويع الأطفال وتعذيب النساء أو تقطيع أوصال الناقدين. 

المحصلة عبارة عن ابتسامات قلقة، وفترات سكوت طويلة أثناء الحوار. 

الأمر محزن لأنني في هذه الزيارة وجدت المملكة العربية السعودية تتغير بالفعل في ظل حكم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. تشعر بحراك نشط على الأرض في الرياض، والشباب السعودي يملأه الحبور وتغمره السعادة لأن بلده استلم زمام الأمور فيها أخيراً قائد جريء يسعى إلى تحديث الاقتصاد. 

أخبرتني إحدى سيدات الأعمال، واسمها نها سعيد قطان، بأنها ممتنة للأمير محمد لأنه بات بإمكانها الآن أن تقود السيارة بنفسها لتجيء إلى حيث أجريت معها المقابلة. أخبرتها بأنني سعيد بذلك، ولكن من الصعب على المرء أن يحتفل بينما يقوم الأمير أيضاً بسجن نساء رائدات في الدفاع عن حقوق النساء، ويقال بأنه أمر بجلد أربع منهن، تعرضن أيضاً للتعذيب والإيذاء الجنسي، ما دفع إحداهن لمحاولة الانتحار. 

وهنا يصبح الصمت المحرج سيد الموقف. 

نظراً لأنني من أشد المنتقدين للأمير المجنون فقد استغربت أن أحصل على تأشيرة دخول سعودية، ولعلها منحت لي لأنني مسافر برفقة بعثة تابعة للأمم المتحدة في طريق العودة من اليمن. بالنظر إلى المزاج السائد اليوم، بدا الأصدقاء الأمريكيون أقل اهتماماً بسلامتي في اليمن الذي يسيطر عليه المتمردون مقارنة بخشيتهم علي في الرياض. 

والحقيقة أنني شعرت بالأمان، نسبياً، في المملكة العربية السعودية. كان المسؤولون يعاملونني باحترام وكياسة، حتى عندما كنت أتحدث معهم بصراحة مضنية. إلا أن الناس بدوا أكثر خشية من التحدث مع صحفي مقارنة بما كان عليه الحال من قبل، وإذا ما أضفنا إلى ذلك حالة القهر السائدة، فلم يكن عجباً أن يسود الأجواء إحساس بالقومية المغبونة.  

يصعب قياس الرأي العام في أي دولة بوليسية يخضع فيها الصحفيون للمراقبة الشديدة. ولكني مع ذلك أميل إلى التخمين بأن الأمير يتمتع هنا بدعم حقيقي، حيث يرحب الناس بقيادته الشابة ويستبشرون بها خيراً، لدرجة أن كثيرين منهم باتوا يطلقون عليه نفس الأحرف الأولى من اسمه بالإنجليزية MBS حباً فيه، مع أنني صرت بعد تقطيع أوصال الصحفي جمال خاشقجي أطلق عليه نفس الأحرف على اعتبار أنها بالإنجليزية أيضاً الأحرف الأولى من كلمات عبارة "السيد منشار العظم". 

أشيد بهذه المناسبة بالتصويت التاريخي لمجلس الشيوخ الأمريكي بتحميل محمد بن سلمان المسؤولية عن جريمة قتل خاشقجي ووقف الدعم الأمريكي للحرب التي يشنها السعوديون في اليمن. من الواضح أن المسؤولين السعوديين مهتمون جداً بما جرى ويراقبون عن كثب. 

يقر كبار المسؤولين السعوديين في المجالس الخاصة بأن محمد بن سلمان هو الذي أمر بقتل خاشقجي ولكنهم يصرون على أن العلاقات السعودية الأمريكية أهم من حياة رجل واحد. ويقولون إنه يتوجب على الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية. 

جوابي على ذلك هو الآتي: لا تقتصر المشكلة على أن محمد بن سلمان قاتل، ولكنه تسبب أيضاً في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وجوع أطفال اليمن وقوض مصالح المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في نفس الوقت. إنه يكسر كل ما تلمسه يده.  

يراهن الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر على الأمير، ولربما كانا من وجهة نظر ضيقة على صواب. صحيح أن الملك فيصل تمكن من الإطاحة بسلفه الضعيف الملك سعود في عام 1964، ولكني لا أرى ما يدل على أن محمد بن سلمان يواجه خطراً يمكن أن يفقده السلطة. 

أكثر ما أثار اهتمامي كان اللقاء الذي جمعني بثلة من المحترفين الشباب الذين يعتقدون بأنني أخطأت في فهمي للأمور. 

أحدهم، واسمه طارق بوحليجة ويعمل مستشاراً في الرياض، احتج علي قائلاً: "لا أدري لماذا تركز وسائل الإعلام على الجانب الرديء. صحيح أن ثمة عثرات، ولكن أهم الأمور التي تحدث هي تحديث البلاد وتنويع موارد الاقتصاد بعيداً عن النفط". 

وأما فلوى البزعي، والتي تستعد للحصول على رخصة القيادة، فقالت إنها لا تعرف لماذا تعتقل الناشطات في مجال حقوق المرأة، ولكنها أضافت: "الصورة الكبيرة التي أراها تتمثل في أن كل واحدة من النساء في الحياة تستفيد من قيادة السيارة، كما أن النساء والرجال يستفيدون من التقدم الاجتماعي".

إلا أن الحداثة لا تتعلق فقط باحتساء الكابتشينو واستخدام تطبيقات الهواتف الذكية، وإنما تتعلق أيضاً بكرامة الإنسان وسيادة القانون. بينما يجلب محمد بن سلمان التقدم الاجتماعي، فإنه أيضاً طائش وقاهر ووحشي، وتنتابني شكوك بشأن قدراته في المجال الاقتصادي، فهو لم يتمكن حتى من تنظيم طرح مبدئي لأسهم أرامكو للاكتتاب العام. 

يعكس دفاع ترامب الغريب عن ولي العهد ما يشوب العلاقة الأمريكية السعودية من خلل. فقد أصبحت هذه العلاقة بأسرها قائمة على التعاملات التجارية، لا غير. يعاملنا السعوديون كما لو كنا حراساً شخصيين لهم ونحن نعاملهم كما لو كانوا موظفين في محطة للوقود. 

إضافة إلى ما يحدوهما من أمل في أن يدعم خطتهما للسلام في الشرق الأوسط، يراودني شك في أن السبب الحقيقي من وراء احتضان ترامب وكوشنر لمحمد بن سلمان هو البيزنس: أي الاعتقاد بأن السعوديين سيستثمرون في مشاريعهما الخاصة في سوق العقارات لعقود قادمة. 

والحقيقة هي أنه مع تقلص أهمية المملكة العربية السعودية كمنتج للنفط فإن حاجتنا إليها تتراجع، وقد لا نحتاج إليها مطلقاً بعد خمسة وعشرين عاماً إذا ما تحررنا تماماً من طغيان النفط المستورد. 

استمر بعض السعوديين في محاولة إقناعي بأننا إذا ما حظرنا بيع الأسلحة إلى الرياض فإن المملكة ستتجه نحو موسكو. وذلك كلام فارغ. فهم بحاجة إلى قطع الغيار التي ننتجها، والأهم من ذلك أنهم إنما يشترون أسلحتنا لأنها تأتي مع ضمانة ضمنية بأننا سننجد السعوديين وسنتدخل عسكرياً لصالحهم فيما لو تورطوا في مشكلة مع إيران. 

إذا كانت القوات المسلحة السعودية لم تتمكن حتى من إلحاق الهزيمة بمليشيا مسلحة في اليمن، فأنى لها أن تتصدى لإيران؟ وهذا ما يجعلنا نحظى بسطوة على المملكة العربية السعودية وليس العكس. 

دعونا إذن نستخدم هذه السطوة. ينبغي أن تكون الخطوة القادمة هي تعليق مبيعات الأسلحة إلى أن توقف المملكة العربية السعودية حربها في اليمن، وذلك أن تلك الحرب حولتنا إلى متواطئين في التجويع الجماعي لليمنيين.

 

(نيويورك تايمز)

0
التعليقات (0)