كتاب عربي 21

التقارب التونسي السعودي على ضوء قضية خاشقجي

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
في الوقت الذي كان فيه جمال خاشقجي يخطو إلى داخل القنصلية السعودية، كانت الطائرات العسكرية السعودية تقوم بمناورات جوية مشتركة غير مسبوقة مع الطائرات التونسية في الأجواء التونسية. كان المشهد مسيئا، خاصة أن عددا من عناصر "فريق الموت" المتهم بإعدام خاشقجي من عناصر القوات الجوية السعودية (الملازم مشعل البستاني والرائد وليد الشهري والضابط سيف القحطاني)، ذات القوات التي كانت تتمرن في سماء تونس، لأول مرة في تاريخ البلاد، حيث لم يسبق أن وصل التعاون العسكري التونسي إلى هذا المستوى.

المنعرج الأهم في العلاقات بين تونس والمملكة كان في أيلول/ سبتمبر 2015، عندما زار الرئيس التونسي قائد السبسي، الذي يشرف على السياسة الخارجية، الرياض، وتم حينها إعلان انضمام تونس إلى "حلف عسكري" يضم 34 دولة "لمحاربة الارهاب". حينها كان الإعلان يستهدف بوضوح إيران. وأثارت الزيارة موجة من السخرية، تحديدا بسبب تقديم السعودية "هبة" للقوات الجوية التونسية؛ متمثلة في مجموعة طائرات "F5" شبهها الكثيرون بـ"الخردة" لأنها مصنعة في الستينيات، وتذمر البعض الآخر بأن ما ستنفقه الحكومة التونسية على صيانتها بما يفوق ثمنها الفعلي.

تم الإعلان في بيان الرئاسة التونسية إثر الزيارة عن "توقيع عدد من اتفاقيات التعاون في المجال الدفاعي، ومجال الحماية المدنية والدفاع المدني، والنقل البري للبضائع والأشخاص، إضافة إلى اتفاقيتي قرض مالي مع كل من الصندوق السعودي للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية، دون الكشف عن قيمة القرض".

وزير الخارجية التونسي الجهيناوي، المقرب من السبسي، صرح حينها أن هذا الانضمام للحلف العسكري "لا يعني قيام تونس بتدخل عسكري في دول أخرى، مثل ليبيا والعراق وسوريا، لدحر خطر تنظيم داعش". واعتبر أن الانضمام "هو دعم سياسي ومبدئي لمبادرة المملكة العربية السعودية في إطار علاقاتها الدبلوماسية مع هذا البلد، وكذلك باعتبار تونس ضحية للإرهاب مثل العديد من الدول".

وعلقت مصادر تونسية رسمية لصحف خليجية آنذاك بالقول: "إن الرغبة في إعادة التوازن لعلاقات تونس الخارجية، وإيجاد مُمولين ومستثمرين لإعادة تنشيط وتفعيل الوضع الاقتصادي التونسي، الذي يعاني الانكماش، تُعد واحدة من أبرز العوامل التي دفعت الرئيس السبسي إلى زيارة السعودية في هذا التوقيت الذي تشابكت فيه الأجندات الإقليمية والدولية، ارتباطاً بتداعيات الحرب المفتوحة على الإرهاب".

كانت تلك إشارة إلى توجه السبسي للتقرب من الرياض وأبو ظبي عوض الدوحة التي كانت حليف الترويكا قبل مجيئه إلى السلطة.

التزام تونس بالتحالف الجديد تجسد إثر ذلك بأشهر قليلة، وتحديدا في شباط/ فبراير 2016، بمشاركتها في مناورات "رعد الشمال" التي ضمت دول "التحالف الإسلامي" شمال السعودية.

غير أن الزيارة الأهم على المستوى الأمني قام بها وزير الداخلية لطفي براهم في آذار/ مارس 2018، المقال لاحقا في شهر حزيران/ يونيو على خلفية اتهامات بتنسيق انقلاب مع الإماراتيين، والتي قضى فيها حوالي الأسبوع في المملكة وتم استقباله بشكل مثير للانتباه من الملك وولي عهده. وبدا أنه قام بها بالتنسيق حصرا مع السبسي دون رئيس الحكومة الشاهد؛ الذي يعتقد الكثيرون أن مستشارين مقربين منه قاموا بتنسيق حملة ضد براهم آنذاك، لإزاحته عن المشهد السياسي مع تزايد طموحاته.

المناورات تمت أيضا على خلفية امتناع تونس عن التصويت على تمديد عمل لجنة الخبراء الأممين المكلفين بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ليصطف الموقف التونسي مع موقفي الرياض وأبو ظبي، رغم أن اللجنة يقودها الحقوقي التونس كمال الجندوبي، والذي سبق أن كان مقربا من السبسي وعمل في أول حكومة شكلها بعد انتخابات 2014.

الجيش السعودي المتورط في جرائم حقيقية في اليمن؛ أتى للتدرب في الأجواء التونسية ويداه ملطخة بدماء عديدة. البعض يشير إضافة إلى ذلك؛ إلى أن هذا الاهتمام السعودي بالأجواء التونسية ربما يعكس توجها سعوديا للتركيز على ليبيا المجاورة، خاصة مع اقتراب قوات حفتر من الجانب الغربي، حيث الحدود التونسية الليبية. في كل الحالات، أثارت المناورات على ما يبدو "انزعاجا" جزائريا، مثلما نقل موقع "كابيتاليس" التونسي نقلا عن مراسلها في الجزائر، حيث لا ينظر الجار الغربي لتونس عادة بعين الرضى لأي توغل سعودي- إماراتي على حدودها.

المناورات وصلت حدا أعلى من الإحراج والاستفزاز عندما نشر ضابط سعودي فيديو لصلاة الجمعة في قاعدة سيدي أحمد في بنزرت أثناء المناورات؛ قائلا إن "إقامة الصلاة تحدث لأول مرة" منذ إنشائها زمن الاستعمار الفرنسي، مع تعليقات سعودية تحيل على أن القوات السعودية قامت بفتح إسلامي جديد لتونس، وهو ما استدعى تعليقات تونسية معاكسة تندد بـ"الاختراق الوهابي" لتونس.

ليس واضحا إن كان اصطفاف السبسي مع محور الرياض- أبو ظبي سياسة عامة للدولة يشترك فيها رئيس الحكومة الشاهد وحليفته النهضة، لكن المؤكد أن تزامن المناورات المشتركة في الأجواء التونسية مع جريمة تصفية الصحفي والمعارض جمال خاشقجي؛ رسالة مناقضة تماما لما تمثله تونس من أفق ديمقراطي عربي حقيقي؛ سانده خاشقجي مع سياسيين وإعلاميين عرب آخرين في تصريحات متتالية في السنين الأخيرة.

لا يمكن أن تكون في مقدمة مسار الانتقال الديمقراطي العربي، وأن تكون مستغرقا في الاصطفاف الإقليمي مع مشروع سياسي من أهدافه المعلنة تقويض الانتقال الديمقراطي ذاته، ومن ممارساته تقتيل الأبرياء في بلد عربي شقيق، هذا إضافة إلى أن التوازنات الخاصة في المغرب العربي، خاصة في ما يتعلق بتصور الحل في ليبيا، تفرض درجة من التحفظ تجاه أي تقارب مع محور الرياض- أبو ظبي.

ستكون لجريمة قتل خاشقجي تأثيرات بالضرورة، حتى في واشنطن، على درجة الحظوة التي يتمتع بها ولي العهد الجامح للسلطة والتجبر. وسيشمل ذلك على الأرجح دولا غربية أخرى أوروبية، إذ لا يمكن لها أن تطمئن لشخصية منفلتة وتحمل أعراضا أقرب لـ"الجنون"؛ على رأس دولة حساسة مثل المملكة، إذ من أسوأ الحلفاء هو الحليف غير العقلاني، والذي لا يمكن توقع أفعاله. وذلك عامل إضافي يفرض على الدبلوماسية التونسية أن تخطو خطوة إلى الوراء في التقارب مع الرياض.
التعليقات (0)