أفكَار

الريسوني: المداخِلة دعاة تقديس ولاة الخمور كما ولاة الأمور

أحمد الريسوني
أحمد الريسوني
دخل نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد الريسوني، على خط النقاش مع القيادي في ما يُعرف بـ "التيار المدخلي"، الشيخ عبد العزيز الريس، الذي أفتى بتحريم نقد ولاة الأمور أو الإنكار عليهم، حتى ولو قاموا بشرب الخمر وبالفاحشة على الملأ، وحتى ولو فعلوا على التلفزيون".
ورأى الريسوني في مقال نشره اليوم "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، أن "المداخلة أصبحوا جديرين بلقب جديد، هو أنهم دعاة تقديس ولاة الخمور، وليس فقط تقديس ولاة الأمور".

أداة دعائية

ووصف الريسوني "المداخلة، أو التيار المدخلي"، المنسوب إلى شيخه وزعيمه الأبرز ربيع بن هادي المدخلي، بأنه "تنظيم ديني/سياسي مُوازٍ، أنشأته وزارة الداخلية السعودية ومخابراتها، ليكون أداة دعوية دعائية في مواجهة ما عرف سعوديا بتيار الصحوة، أو التيار الصحوي، الذي ظهر وازدهر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين المنصرم، وتميز بدعوته إلى الإصلاح السياسي، وبنقده أو "نصحه" للحكام في السعودية."
وأشار الريسوني، وهو عالم مقاصدي مغربي، إلى أن "أكثر ما عُرف به وتميز به هذا التيار هو قيامه بمهمة مزدوجة، تتمثل أولا في إلحاحه الدائم على الطاعة المطلقة العمياء لولاة الأمور، وخاصةً في حال كونهم ظالمين وفاسدين وخائنين... وتتمثل ثانيا في حربه الشعواء ضد الحركات الإسلامية، والشخصيات الإسلامية، ذات الاستقلالية الفكرية والسياسية".

منطلق المداخلة

وعاد الريسوني إلى الأساس الفقهي الذي يستند إليه المداخلة، والحديث النبوي المنقول عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا كنا بِشرٍّ، فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: "نعم"، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم"، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم"، قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولايستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قال: قلت: كيف أصنع يارسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع."
وأكد الريسوني أن "الشطر الأخير من هذا الحديث: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع" هو عمدةُ المداخلة وشعارُهم في دعوتهم إلى ما وصفه بـ "الطاعة البدعية للظالمين المعتدين، من ولاة الأمور ومن ولاة الخمور والفجور".

فريقان 

وذكر الريسوني، أن الناس في هذا الحديث فريقان:  الفريق الأول: يفهم من الحديث أن من ابتُلي بأمير أو إمام ظالم، يأخذ ماله ظلما، ويضرب ظهره ظلما، فالواجب هو أن يستسلم لذلك ويصبر عليه، وأن يبقى على طاعته لذلك الأمير.
والفريق الثاني: يفهم من الحديث أن الأمير إذا أوقع على أحد عقوبة عادلة مستحقة، أو أخذ شيئا من ماله، بوجه من الوجوه المشروعة أو المحتملة في الشرع، فعليه أن يذعن لذلك ويصبر عليه، وألا يتمرد أو يقطع طاعته لولي الأمر. وأما في حال الظلم الصريح فلا طاعة، بل الواجب إنكار المنكر وتغييره بقدر الاستطاعة.

قطعيات الشرع

وأكد الريسوني أنه مع القول الثاني، على اعتبار أنه "الموافق لعدد لا يحصى من قطعيات الشرع: من الآيات والأحاديث والقواعد والمقاصد، بينما القول الأول يُلجئ أصحابه إلى إهدار كل تلك النصوص والمقاصد والقواعد الشرعية". 

وأضاف: "النصوص الآمرة بالعدل والإحسان والحق والبر والرحمة، الآمرةُ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذِ على يد الظالم، وكذلك النصوص المحرِّمة للظلم عامة، والمحرمة لدمائنا وأموالنا وأعراضنا، وكذلك النصوص القاضية بالقصاص في الأبدان وبالضمان في الأموال... كل هذه القطعيات وغيرها، توضع في مهب الريح، أو في سلة المهملات عند أصحاب الرأي الأول، بناء على خبر آحاد أولا، وبنا على مجرد فهمٍ يلوح لهم ببادئ الرأي ثانيا. بينما القول الثاني يوافقها ويحفظها، ولا يهدر هذا الحديث، بل يفسره في ضوئها وفي وئام معها. وهذا هو منهج الرشاد والسداد، ومسلك الراسخين في العلم، أعني الجمعَ بين الأدلة الشرعية ما وُجد له سبيل، بدل ضرب بعضها ببعض، وبدل نقض جموعها بأحدها".

ووفق الريسوني، فإن "القول الأول فيه سوء ظن بالشرع وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإساءة بالغة إليهما"، وقال: "نحن مأمورون بحسن الظن واجتناب سوء الظن ببعضنا وبعامة الناس، فكيف بالظن بالله ورسوله وشرعه؟ كيف استساغ هؤلاء واستسهلوا الظن بأن الشرع الذي نعرفه، يأتي بإهدار كرامتنا وأبداننا وأموالنا، ويأمرنا أن نقبل ذلك ونساعد عليه، وأن نمكِّن للظلم والظالمين؟".

واستدل الريسوني بقول أبو العباس القرطبي في شرحه لحديث: "على المرء المسلم السمع والطاعة"، الذي قال: "ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة. ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية. فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولا واحدا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرا: وجب خلعه على المسلمين كلهم. وكذلك: لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين؛ كإقام الصلاة، وصوم رمضان، وإقامة الحدود، ومنعَ من ذلك. وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنى، ولم يمنع منهما، لايُختلف في وجوب خلعه. فأما لو ابتدع بدعة، ودعا الناس إليها؛ فالجمهور على أنه يخلع". 

وردا على من يأخذون بظاهر الحديث، أورد الريسوني قول ابن حزم رحمه الله: "... أما أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصبرِ على أَخذ المَال وَضرب الظّهْر، فَإِنَّمَا ذَلِك بِلَا شكّ إِذا تولى الإِمَامُ ذَلِك بِحَق. وَهَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ أَنه فرض علينا الصَّبْر لَهُ. وَإِن امْتنع من ذَلِك، بل من ضرب رقبته إِن وَجب عَلَيْهِ، فَهُوَ فَاسق عَاص لله تَعَالَى. وَأِمَّا إِن كَانَ ذَلِك بباطل، فمَعاذَ الله أَن يَأْمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصبرِ على ذَلِك". 

وأضاف الريسوني: "حتى إذا أردنا أن نكون ظاهريين، دون أن نظن بالله ظن السوء وننسب إليه شرعنة الظلم والفساد، فالحديث فيه وجه آخر من وجوه الظاهر، وهو قراءته بالبناء للمجهول، أي: "تَسمعُ وتطيع للأمير، وإن ضُرب ظهرُك، وأُخذ مالُك"، وهي قراءة معتمَدة للحديث. فعلى هذه القراءة: لا يكون الأمير المطاع هو نفسه الذي يضرب الظهر ويأخذ المال أو يأمر بذلك أو يوافق عليه، وإنما غيره من رعيته أو من بعض المحسوبين عليه. وكل ما هنالك أنه لم يتمكن من القيام بواجبه في منع هذا الظلم عن بعض أفراد رعيته، أو لم يعلم به. وهذا معناه: أنه حتى في مثل هذه الظروف وما فيها من فتن وتعديات، يجب الإبقاء على طاعة الأمير، ففيها بقيةٌ من خير ومصلحة، هي أهون من الفوضى والاقتتال".

وتابع الريسوني: "هذا أيضا أولى من أن نُسارع إلى قول يفسد الأمير، أو يزيده فسادا وغيا، ويجعلُ منه "حاميها حراميها"، ثم نقول للناس: أطيعوه وأسلموه ظهوركم وأموالكم، فهو "مجرم شرعي على سنة الله ورسوله".

وحول ورود هذا الحديث في صحيح مسلم، فقد أكد الريسوني أنه في ذات الكتاب هناك "حديثٌ آخرُ يُبطل قول القائلين بقبول ضرب الظهر وأخذ المال". 

وقال: "عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب؛ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلُف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

وتساءل الريسوني: "كيف يَلزمنا مجاهدةُ منكراتهم الواقعةِ على غيرنا، باليد واللسان، ثم يَلزَمنا الاستسلامُ لها، إذا وقعت في ظهورنا وأموالنا؟ فما لكم كيف تحكمون؟"، على حد تعبيره.

وكان السلفي السعودي البارز عبد العزيز الريس قد أثار جدلا واسعا بحديثه عن "زنا الحاكم"، والواجب على الشعب في حال رآه على التلفاز يزني لمدة نصف ساعة بحسب قوله.

وقال الريس، "إنه لو قام الحاكم بالزنا لمدة نصف ساعة، وشرب الخمر على التلفزيون الرسمي، فإنه لا يصح الخروج عليه، أو انتقاده على العلن". 

وفي درس له في أحد مساجد المدينة المنورة كما ذكر ناشطون، قال الريس إنه في حال أراد أحد نصح ولي الأمر، فلا يذكره بالاسم، فعلى سبيل المثال: "يقول اشتهر الزنا والزنا محرم، ثم تدعو لولي الأمر حتى تجتمع قلوب الناس عليه".

وحذر الريس من أي نصيحة قد تدفع الناس للخروج على الحاكم.

يشار إلى أن عبد العزيز الريس هو أشهر سلفيي "الجامية" في السعودية، وسبق لأعضاء في هيئة كبار العلماء التحذير منه.
التعليقات (5)
متفائل
الإثنين، 08-10-2018 07:53 م
إطلالة حسنة من الأستاذ الريسوني ، إذا كانت رابطة العالم الإسلامي قد غلقت الأبواب عساها تتفرغ لتبييض وجه " صفقة القرن " وتتعاون مع المهتمين بالتقارب بين أتباع الديانات بمدينة القدس ، من بعد ما صمت أسماعنا بحديثها عن المحرقة في حق اليهود ، وإذا كان الأزهر الشريف يعاني اليوم وأكثر من أي وقت مضى من التضييق على يدي عصابة السيسي ، فإن المسئولية باتت أثقل على كاهل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم النخبة المتبقية على طريق أمة التوحيد ، وليعلم أستاذنا الريسوني أن اعتلاء حلبة التاريخ التي صرنا ننتظر خارجها لا يتحقق إلا من خلال مشروع النهضة الحضاري ، وإني أرى أماراته تلوح من التجربة التركية المنبعثة من تاريخ أمة الشهادة ، فماذا أنتم فاعلون ؟
متفائل
الإثنين، 08-10-2018 07:39 م
وماذا يمكن أن يفيدنا به السيد الريسوني بخصوص فصول الصراع الفكري مع بدايات القرن الواحد والعشرين ، ومجهود الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بخصوص مشروع النهضة الذي يتطلع إليه المغلوبون والمسحوقون والمظلومون ؟
عبدالله محمد علي
الإثنين، 17-09-2018 09:32 ص
هذا شرح وافي ورد حسن يتوافق مع العقل اما دعاة التيار المدخلي ير يدون منا ان نلغي عقولنا ونتبعهم و ديننا لم يامرنا بالغا عقولنا لكنه يحثنا علي استعمال عقولنا ولم يخالف ديننا العقل في كل ما امر به وما نهي عنه وتحيتنا لعلماء المسلمين الصادقين والله حافظ لدينه
عبد الصمد
الجمعة، 14-09-2018 02:12 ص
بارك الله في شيخنا احمد الريسوني
موسى حرب
الخميس، 13-09-2018 06:01 م
هؤلاء خلف وليسوا بسلف . غلاة الطاعة . علماء السلاطين المستبدين . من تبعهم ضل . ومن سلك طريقهم شقي . فالحذر كل الحذر من سدنة الطغاة والواجب مقارعتهم بالحجة وتفشيل مذهبهم الضال والسلف منهم براء .