مقالات مختارة

عالم بلا بيت أبيض

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600

قلت في مقال سابق، إن ترمب جعل العالم يخوض دورة تدريبية شاقة استعدادا لعالم ما بعد الهيمنة الأمريكية، بعد الانسحاب الأمريكي الدبلوماسي في فترتي أوباما وتصرفات ترمب غير المتوقعة تجاه حلفائه وأعدائه، بدأت تظهر معالم سياسة دولية لا تهيمن عليها واشنطن بالضرورة، لا شك أن الولايات المتحدة تبقى القوة الكبرى عسكريا وذات التأثير الأكبر في المجتمع الدولي، ولكن لا شك أن وضعها وتأثيرها اليوم لا يشبه ذاك الذي كان عليه في تسعينيات القرن الماضي، حين كان لا حل لأي أزمة في العالم إلا عبر بوابة البيت الأبيض.


في اتصال هاتفي بين ماكرون وأردوغان، أعرب الرئيس الفرنسي عن استمرار الدعم الفرنسي لتركيا واهتمامه باستقرار تركيا، بطبيعة الحال ليس ذلك إلا استغلالا للأزمة بين أنقرة وواشنطن التي افتعلها ترمب دون سبب واضح، فرنسا التي تطمح أن تسترجع موقعها العالمي، لا تمانع في إظهار موقف مناقض لواشنطن في هذه القضية وغيرها لتعزيز صورتها كحليف صلب، من ناحية أخرى ترتفع وتيرة التنسيق بين تركيا وروسيا في مختلف الملفات، وتتقدم قطر التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع واشنطن بدعم مباشر للاقتصاد التركي، تأكيدا للعلاقة الاستراتيجية بين الطرفين، في ظل هذا كله يبدو البيت الأبيض غير آبه، أو على الأقل صامتا جزئيا؛ لأن واشنطن لم تعد برشاقتها الدبلوماسية السابقة بعد تعرض وزارة الخارجية لضربات متتالية، ولكن الأهم هو جهل إدارة ترمب بما تعنيه ممارساتهم على الأرض بالنسبة للوجود الأمريكي الدولي.


حلفاء واشنطن التقليديون في أوروبا وآسيا، هم اليوم بين من أصبح يصمم مشاريع بديلة للتحالف مع واشنطن، وبين من يحاول أن ينحني للعاصفة بانتظار إدارة أكثر تعقلا، ولكن ما يكمن في العمق هو أخطر مما يبدو على السطح، فهناك تراجع أمريكي مستمر في الساحة الدولية منذ عقد تقريبا، وعلى الرغم من أن زوال الهيمنة الأمريكية له إيجابياته، إلا أنه يستلزم نظرة عميقة فيما ستفرزه مرحلة إعادة تشكل النظام الدولي، القوى الجديدة، والتحالفات المتحولة، والأزمات المتتابعة سيكون لها أثر مشابه لتحرك الأسطح التكتونية في قشرة الأرض، زلازل دبلوماسية وسياسية وصراعات عسكرية محدودة وكبيرة، يحتاج أن يمر فيها العالم في طريق الانحسار الأمريكي.


بطبيعة الحال لن يحدث ذلك في أيام قليلة، لكنه بات واضحا أن الانحسار الأمريكي وصل لمرحلة لا يمكن معها إيقافه، فحتى إن نجحت إدارة قادمة في تأخير التراجع الأمريكي، فلن تتمكن من عكس التيار الهادر، ولذلك نجد اليوم محاولات التمدد في مناطق النفوذ الأمريكي في ازدياد، فالصين وروسيا وفرنسا وغيرها من القوى، لا يألون جهدا في تقديم أنفسهم كبدائل استراتيجية لدى مختلف القوى الإقليمية والدول المنخرطة في أزمات، وتصرفات إدارة ترمب غير المحسوبة توفر وقودا وافرا لهذه الجهود، اليوم دول كانت تعتمد بشكل كبير على دعم واشنطن، مثل كوريا الجنوبية بدأت تعمل لتوفير بدائل سواء من خلال تشكيل تحالفات جديدة مع قوى أخرى، أو الإمساك بزمام المبادرة والتعامل الداني مع الأزمات المختلفة.


حلفاء واشنطن اليوم يعانون عبر العالم، هذه المعاناة ستفرز عالما جديدا حين يقرر العالم أن بإمكانه تجاهل البيت الأبيض في تشكيل الموقف دوليا، مازالت موافقة واشنطن أساسية للتعامل مع كثير من الأزمات دوليا، ولكن العالم اليوم بات أقرب من أي وقت مضى لتجاهل واشنطن في ظل إدارة لا تعرف كيف تحافظ على مكتسباتها الاستراتيجية، ساكن البيت الأبيض يسمى عرفا "قائد العالم الحر"، فهل سيتحرر العالم من قائده؟

 

عن صحيفة الشرق القطرية

1
التعليقات (1)
اينشتاين
الإثنين، 20-08-2018 01:13 م
بكل تأكيد القرار الأمريكي لم يعد امريكيا بحتا ، القرار بات متلونا بالمسار الصهيوني ، لذلك فإن التحول على مستوى إدارة مشكلات عالمنا اليوم تؤطره الفلسفة المنغلقة ( فلسفة يهودية بامتياز ) ، الإدارة الأمريكية سيصيبها جنون إذا صح التعبير ، ومصدر مثل هذا الجنون هو الفلسفة المنغلقة ، الثمن سيدفعه الأمريكيون والعرب والأوربيون ، لا أتصور انفراجا دوليا قريبا في ظل التحديات التي توجه تركيا الجديدة كبديل على خط التحول الحضاري ، أما ما أقدمت عليه قطر مؤخرا بخصوص مساعدة تركيا فهو عظيم ، فقط وجب الصبر .

خبر عاجل