كتاب عربي 21

عن الخسة والفذلكة في التعقيب على اعتقال الحوالي

ساري عرابي
1300x600
1300x600
حينما يُعتقل أحد بسبب كلمة قالها أو كتبها، وما لم تكن إثما ولا عدوانا، ولا سيما إن كان السجّان طاغية ظالما، فإنه لا يسعك إلا أن تناصر صاحب تلك الكلمة مهما اختلفت مع خطّه الفكري، أو مع كثير من مضامين تلك الكلمة. والحال هذه، فإنّ الخِسّة كلّها أن يتحول الاختلاف الفكري مع الرجل إلى وسيلة لتغطية اعتقاله، وعندئذ لا يغني الاستنكار اللفظي لاعتقاله، فلسان الحال يغني عن لسان المقال، إذ لسان الحال بناء شاهق من النقد تُطمر فيه كلمة الاستنكار تلك.

الأكثر خسّة في التعامل مع حالة الشيخ سفر الحوالي؛ ما فعله بعض المشايخ المشتغلين بالعلم الشرعي، كاستخدامهم مصطلحات المحدّثين المتقدمين، في اتهام الشيخ بالاختلاط والتغير (أي في عقله) في آخر عمره. وإذا كان بعضهم لم يسمّه، فالسياق واضح وكذلك المناسبة والتوقيت، مستحضرا - أي ذلك البعض - ما كان يفعله أبناء المحدّثين من الحجر على آبائهم في أخريات أيامهم خوفا من تلقينهم أو الدسّ عليهم أو أن تخونهم قواهم العقلية في استحضار المحفوظ أو تفسير معانيه.

الخسّة بادية هنا، ليس لأن الشيخ سفر لم يتغير فحسب، فما هو مسطور في الكتاب المنسوب إليه يمثّل امتدادا لخطّة الفكري القديم الذي عُرّف به واستمرّ عليه، وإن كان الكتاب لا يخلو من ركاكة النسبة لأسلوبه المعروف، ويتضمن معلومات قيل إنها مغلوطة، بيد أن ذلك - لو صحّت نسبة الكتاب إليه - متعلق لا بقواه العقلية، وإنما بقواه الجسدية والظروف الفيزيائية التي سُطر فيها الكتاب أو أمليت فيها مادته، ومتعلق بتسريب الكتاب قبل مراجعته كما قيل، بيد أن المضمون هو عينه ذلك الذي عُرف به الشيخ.

إنّما الخسّة هنا من وجهين، الأول منهما أن المشكلة فيما وقع على الشيخ من ظلم، لا فيما قاله الشيخ إن كان صحيحا أم لا، ولو سلّمنا جدلا أن الشيخ "اختلط"، فإنّ الدولة التي تعتقل "مخرّفا يهذي" وهو على فراش مرضه خائر القوى؛ دولة مجنونة في الغاية القصوى مما يمكن أن يصله الهذيان والخرف مهما امتلك من أسباب البطش الظاهرة، ولوم الرجل على أنه أهلك نفسه بيده هو لوم للرجل على شجاعته، ومن كانت له خيارات أخرى فهذا شأنه، ولكنه شأن لا يمتد إلى غيره بلومهم على خياراتهم.

وطالما الأمر كذلك، فإنه لا يُتوقع من الجبان، أو من بدت له الحكمة في خلاف الشجاعة، لا يتوقع منه نقد دولة باطشة طاغية بهذا الشكل، وإنما المروءة تقتضي، والحال هذه، السكوت، لا التبرع لرمي الرجل بالخرف والهذيان، وأمّا العدول عن السكوت لمثل هذا، فهو من الجور ومشاركة الدولة في ظلمها، وهو أيضا من تغطية الباطل بغطاء من الشريعة أو من مسالك الفقهاء والمحدثين المتقدمين، وهذه جريمة شنعاء مركّبة.

ومن صور الخسّة في التعامل مع حالة الشيخ سفر، استخدامها لتصفية الحسابات الفكرية، سواء معه أم مع غيره. فمع أن الشيخ سفر ظلّ مخلصا لخطّه الوهابي التيمي المطعّم بالقطبية والتجربة الصحويّة، فإنّ البعض، حتى من التيميين أو الوهابيين، رأى في اعتقاله فرصة لتصفية الحساب معه، بتصفية الحساب مع الإخوان، على اعتبار أن مشروع الشيخ في مآلاته هو مشروع إخوانيّ حتى وإن اختلف تيار الشيخ مع الإخوان في مراحل متعددة اختلافا بدا حادّا في بعض الأوقات، هذا والكثير من الأفكار التي تضمّنها الكتاب المنسوب للشيخ سفر ليست إخوانية يقينا.

نقد الإخوان، وحتى نقد الشيخ نفسه وتياره وأفكاره، مفتوح ومتصل، ولا يحتاج لظرف اعتقاله كي يبدأ - أي النقد - أو يتكثف فيه، على نحو يقارب القول "يستحق ما جرى له"، ولا يغني حينئذ القول: "مع أننا ضد اعتقاله"، فالجرم الأكبر هو اعتقاله والمنطق الذي تتحرك فيه الدولة، والذي وبقدر بطشه لا ينمّ عن ثقة، أما انتقاد أفكاره (الحوالي)، بما فيها تلك التي في الكتاب الأخير، فلا يحتاج مناسبة، وهي ليست أفكارا جديدة على أي حال، ولطالما صُفّي الحساب الفكري معها.

ثمّة الكثير للاختلاف معه في الكتاب، بما في ذلك الملاحق الأخيرة التي أثارت الضجّة كلّها، إلا أنّ البعض يصرّ على تناول المسألة كلّها من جهة القيمة المعرفية للكتاب، على اعتبار أنّه كتاب خطابي متمركز حول الذات ضدّ الغرب ويتطلع لتغيير العالم بتصورات رومانسية حالمة تفتقر إلى الإدراك العميق بتعقيد العالم، هذا فضلا عن اختيارات فقهية بالغة الضيق، ومواقف طائفية متصلّبة..

هنا وبصرف النظر عن المصادرة التي لا تخلو من هوس ثقافوي يُغفل أن العالم لا تغيّره الصالونات الثقافية، وإنما وإضافة إلى ذلك وإلى غيره، تحتاج عملية التغيير إلى خطاب بسيط غير مركب، فإنّه وإلى جانب مظلومية الشيخ ومستوى الطغيان الذي وصل حدّ اعتقاله؛ لا تتمثل قيمة الكتاب في مضمونه المعرفي، وإنما في خطابه المعارض، في دولة فيها كل شيء إلا السياسة وحرّية الكلمة.
التعليقات (2)
الكاتب
الأربعاء، 18-07-2018 02:12 م
للأخ عبدو.. قوله المنسوب إليه، هو قول احترازي، لا يتضمن نفي صلة الكتاب للشيخ، لكنه يبقي احتمالا لأن لا يكون إليه، أما الركاكة فلا يُتوقع من الكاتب أن يأتي عليها بأمثلة في مقالة قصيرة، لاسيما وأنها ليست موضوع المقالة!
عبدو
الأربعاء، 18-07-2018 08:06 ص
ا هو مسطور في الكتاب المنسوب إليه يمثّل امتدادا لخطّة الفكري القديم الذي عُرّف به واستمرّ عليه، وإن كان الكتاب لا يخلو من ركاكة النسبة لأسلوبه المعروف، ويتضمن معلومات قيل إنها مغلوطة، بيد أن ذلك - لو صحّت نسبة الكتاب إليه - متعلق لا بقواه "العقلية، وإنما بقواه الجسدية والظروف الفيزيائية التي سُطر فيها الكتاب أو أمليت فيها مادته، ومتعلق بتسريب الكتاب قبل مراجعته كما قيل، بيد أن المضمون هو عينه ذلك الذي عُرف به الشيخ." عزيزي انت هنا تتبنى رأيهم ، اي رأي السلطات السعودية ، أين الركاكة والاختلاط وتقول المنسوب اليه، ؟!!!