أفكَار

الوهابية.. ظاهرة دينية مصنوعة أم امتداد لنسق الحنابلة؟

الشعيبي: الوهابية وُجدت بقرار سياسي وسوف يتم التخلص منها بقرار سياسي - أرشيفية
الشعيبي: الوهابية وُجدت بقرار سياسي وسوف يتم التخلص منها بقرار سياسي - أرشيفية

كان شائعا ومتداولا في تحليل ظاهرة تمدد الدعوة الوهابية وانتشارها خارج المملكة العربية السعودية، التركيز على عامل الدعم المادي الضخم الذي أغدقته السعودية على الاتجاهات والقوى والشخصيات الإسلامية المتوافقة مع توجهاتها الدينية وسياساتها الإقليمية في المنطقة. 


ووفقا لمراقبين فإن تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان التي قال فيها إن بلاده دعمت الوهابية بطلب من حلفائها الغربيين لمواجهة الخطر الشيوعي في المنطقة، كشفت عن عمق التوظيف السياسي للوهابية منذ قيامها وإلى يومنا هذا، وأكدّت وجاهة تلك التحليلات.


وتوضيحا لتاريخية العلاقة بين الوهابية والدولة السعودية قال الباحث الشرعي اليمني، عادل الشعيبي: "عند قيام الدولة السعودية الأولى، كان الأمير محمد بن سعود بحاجة إلى دعوة دينية، يستند إليها في دعوته للملك، لأن العربي - كما قال ابن خلدون في مقدمته – لا يحركه شيء كالدين، فوجد ابن سعود ضالته في الشيخ محمد بن عبد الوهاب".


وأضاف لـ"عربي21": "وهذا يعني أن ظاهرة انتشار الدعوة الوهابية مصنوعة حتى قبل اكتشاف البترول وتدفقه"، لافتا إلى أن "طبيعة نشأة هذا التيار الديني جعلت من استخدامه كأداة أمرا ميسورا، إذ إنه كان في ظهوره ونشأته أداة لبسط الحكم والنفوذ في الجزيرة العربية". 


وتابع الباحث اليمني قوله: "وظلت هذه الحركة إلى يومنا هذا ظاهرة دينية وظيفية، تستخدم لبسط النفوذ الأجنبي في عالمنا الإسلامي، وكبح جماح أي حركة دينية أخرى تهدف لإعادة الإسلام كموجه للحياة"، واصفا تصريحات ولي العهد السعودي بأنها لم تكشف عن سر، إذ إن ما قاله معروف قبل أن يقوله. 


وأشار الشعيبي إلى أن ما قاله ابن سلمان يؤكد عمق الاستثمار السياسي لهذه الحركة، مضيفا: "الوهابية وُجدت بقرار سياسي، وسوف يتم التخلص منها بقرار سياسي كذلك". 


واستغرب الشعيبي وصف الوهابية بأنها امتداد لمدرسة أهل الحديث، "لأنها تخالف تلك المدرسة في كثير من أصولها ومقولاتها، كما أنها حركة متشددة ومتطرفة، تكفر وتضلل مخالفيها من المسلمين بما يقارب طريقة تعامل طائفة الخوارج مع خصومها"، على قوله. 


من جانبه وبرؤية مغايرة، قال الأكاديمي الشرعي السعودي، سعيد بن ناصر الغامدي: "الوهابية دعوة تجديدية، وحركة تصحيحية، ومنطلقاتها المنهجية مكافئة للعصر الذي نشأت فيه، حيث خيمت الخرافة، وانتشرت البدع، وعم الجمود الفقهي". 


وتابع حديثه لـ"عربي21": "وهي في الحقيقة نوع من الامتداد الطبيعي لحركة التجديد التي قادها ابن تيمية في القرن الثامن، حتى إنه يمكن القول بأن الذي صنع الجسور هو ابن تيمية وتلامذته، والذي ركب بعضها هو محمد بن عبد الوهاب". 


وردا على سؤال: هل الدعوة الوهابية ظاهرة دينية مصنوعة؟ أوضح الغامدي أنه ومن خلال اطلاعه المكثف لا يرى مطلقا أنها كانت صناعة خارجية في ظهورها ونشأتها، لكنه استدرك قائلا: "بيد أنها، وكأي حركة فكرية أو دعوية، تخضع لقوانين التطوير والإضافة، لا سيما إذا ما اشتبكت بالشأن السياسي".


وأضاف: "من المعلوم أن دعوة ابن عبد الوهاب قامت وانتشرت من خلال العلاقة السياسية مع آل سعود الأوائل، بل إن بعضهم كان متضلعا في تلقي العلم عن الشيخ بن عبد الوهاب، ثم سارت الحركة الوهابية فيما بعد في خط متوازٍ مع السلطة السياسية، من غير تساوٍ في الصلاحيات". 


وطبقا للغامدي فإن "الدعوة الوهابية مع مرور الزمن بقيت في مجالها الذي يتيحه السياسي، ويستفيد منه، لكن الدولة لم تعلن تخليها عنها، ولم تكن تسمح بانتقادها علانية إلا في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت الوهابية في نظر السياسي عبئا لا بد من التخلص منه، وهذا وما جرى ويجري هذه الأيام، مع المحافظة على شيء منها لمقتضيات سياسية داخلية بحتة". 


وتوقع الغامدي أنه في حال استمرار الأوضاع على وتيرتها المتصاعدة، فسوف يتم الإجهاز على بقايا الوهابية في البلاط الرسمي، خاصة في جانب القضاء وهو المعقل الأخير بعد هيئة العلماء التي تم قصقصة أجنحتها، ما جعل أحد كبار العلمانيين يعد تقليم أظافر العلماء، والقضاء على نفوذهم السابق من أكبر إنجازات هذا العهد. 


في السياق ذاته رأى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، مروان شحادة أن "الوهابية امتداد لنسق ديني معروف، ألا وهو ما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل، وقرره من بعده ودافع عنه ابن تيمية، واصفا محمد بن عبد الوهاب "بالمجدد الديني الذي جدد دعوة التوحيد، وحارب الشرك والضلال، وأمات البدع والمحدثات". 


وإجابة عن سؤال "عربي21" حول ما يقال عن الوهابية من كونها ظاهرة دينية مصنوعة، اعتبرها شحادة "لونا من ألوان الاتهامات القديمة والحديثة التي تسعى للنيل منها، وتشويه صورتها، مع أنها في حقيقتها دعوة دينية صافية ونقية، تريد أن تعود بالمسلمين إلى الينابيع الصافية، وتحررهم من ظلام الشرك والبدع ومحدثات الأمور، وقد أثرت الوهابية تأثيرا إيجابيا في كثير من الحركات الإسلامية المعاصرة". 


وعن دور السياسة في انتشار الوهابية وتمددها، لم ينفِ شحادة أن يكون للسياسة دور في ذلك، مضيفا: "لكن لولا أن الوهابية كانت دعوة قوية وفاعلة ومؤثرة، لما تحالف معها آل سعود في قيام دولتهم الأولى والثانية، والتي أمدتهم بالشرعية الدينية". 


وختم شحادة حديثة بالإشارة إلى أن تصريح ولي العهد السعودي، يجافي الحقيقة فهو وإن كان يكشف عن دوافع النظام السعودي في دعم الوهابية إلا أنه يتغافل عن كون الوهابية كانت من مكونات الدولة السعودية الأساسية منذ تأسيسها وقيامها، وفي الوقت نفسه يشير بوضوح إلى توجهاته الخطيرة الرامية إلى فك الارتباط التاريخي بين الوهابية والسلطة السياسية.

التعليقات (5)
رمضان مسعود
السبت، 21-07-2018 08:01 ص
قال الشيخ محمد رشيد رضا (رحمه الله): (( الوهابية ليسوا الا حنابلة )).
محمد
الأربعاء، 04-07-2018 08:49 م
لم تكن الدعوة الوهابية نبتا شيطانيا، ولكنها في الوقت ذاته لم تكن تعبر قوة فكرية ذات عمق فكري، ولأن الوهابية خط ديني بدوي قد تقاطع مع خط آل سعود السياسي على قاعدة الاعتماد المتبادل من أجل دعم الدعوة الوهابية من جهة محمد بن عبد الوهاب، ومن أجل دعم المشروعية السياسية من جهة آل سعود في مواجهة الدولة العثمانية التي كانت بيدها زمام قيادة العالم الإسلامي التي كانت تتماهى مع العالم العربي في المذهب السني، ولكنها كانت تختلف معه في اللغة والطريقة الصوفية والتحالفات الخارجية. لقد كان آل سعود حلفاء بريطانيا، وكانت تركيا تشكل شوكة في عصب بعض الدول الأوروبية، وكان لابد من البحث عن بديل ديني يملأ موقع تركيا الذي كان قائما، ويمكن أن يساعد في إعادة استقطاب العالم العربي في مواجهة تركيا عبر التناقض القومي بدلا من التوافق الديني، وقد وجد كل من آل سعود وبريطانيا في الوهابية الضالة التي يمكن من خلالها محاربة النفوذ التركي في المنطقة، تماما كما استخدمت الحركات الإسلامية في مواجهة المد الشيوعي، ولأن مصطلح الوهابية هو مصطلح محلي ويعبر عن شخصية دينية محددة واشكالية كان لابد من تعديل المصطلح إلى السلفية بوصفها امتداد تاريخي وثقافي لاجتهاد علمي معين له في مدرسة الحنابلة وامتدادها التاريخي والثقافي الراسخ بين المذاهب الإسلامية، غير أن الوهابية كانت بحكم البيئة المعرفية والاجتماعية تختلف عن آليات تفكير المدرسة الحنبلية في تناول العلوم والأحكام، وكانت أكثر بداوة وتزمتا وإنكارا للآخر المسلم المختلف معها في المعتقد والمذهب، وقد استخدمت الوهابية بصورة منهجية لمواجهة الدولة العثمانية، وتحطيم المعالم التاريخية والإسلامية في كل مكان وصلت إليه، وبدلا من مواجهة شرك القصور، اقتصرت على مواجهة شرك القبور، وتحت مصطلح القبور كم هائل من الاعتداء على أسس تاريخية وفكرية تشكل تاريخ اية أمة
ولد محمد
الثلاثاء، 05-06-2018 10:42 ص
لو كانوا أتباع الامام احمد ابن حنبل لوجدنا فيهم من يحاكيه عندما رفض خلق القرآن ولكنهم سكتوا صمت القبور عندما قلم ابن سلمان اظافرهم
عبد العزيز
السبت، 02-06-2018 12:11 ص
ابن سلمان كشف المستور، وصار اللعب على المكشوف، خلي اللي ما بيفهم يصير يفهم، فعلا الوهابية كانت بقرار سياسي ونهايتها بقرار سياسي.
مجتهد
الجمعة، 01-06-2018 08:02 م
تسريبات جديده لمجتهد عن الوهابية تنشرها عربي21