كتاب عربي 21

الانتخابات والدولة العميقة

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

تعد الانتخابات البلدية التي ستنظم يوم 6 أيار/ مايو المقبل رابع انتخابات ديمقراطية تشهدها تونس خلال مرحلة ما بعد الثورة.

ونظرا لأهميتها، فإن المراقبين ينتظرون الظروف التي ستجري فيها، وبالأخص النتائج التي ستسفر عنها. 

وفي السياق ذاته، هناك وجهتا نظر حول هذه المسألة. وجهة نظر أولى يؤكد فيها أصحابها أن هذه الانتخابات لا يجوز تحميلها أكثر مما تحتمل، وأن نتائجها النهائية لن تكون مؤشرا حقيقيا حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبرمجة لسنة 2019. إذ لكل انتخابات ملابساتها ورهاناتها.

في مقابل هذه الرؤية، يعتقد آخرون بأن الانتخابات البلدية ليست سوى بروفة سيقع الكشف من خلالها على ملامح موازين القوى التي ستتحكم في البرلمان القادم. وبالتالي يعطون أهمية كبرى لحدث البلديات.

ما يعنينا في هذا السياق هو التوقف عند فكرة أساسية تتعلق بالتأثير المحتمل لهذه الانتخابات على نسيج الطبقة السياسية في تونس، وهل ستكون فرصة لتجديد هذه الطبقة أم أنها ستوفر مؤشرات جدية حول إمكانية عودة واسعة جدا للدولة العميقة من خلال هذه البوابة الانتخابية. وهي مسألة جد هامة نظرا لتداعياتها على مستقبل المسار الانتقالي.

من خلال الأرقام يتبين أن حركة النهضة قد وضعت ثقلها هذه المرة بعد أن قامت بتجنيد قواعدها وعلاقاتها حتى يكون حضورها قويا في المشهد البلدي القادم. ونجحت فعلا في أن تتقدم في جميع الدوائر. وحتى تحقق مزيدا من ضمانات الفوز أقدمت على خطوة نوعية عندما اعتمدت منهج مقاسمة قائماتها مع مستقلين محليين حتى تثبت انفتاحها على المحيط السياسي والاجتماعي.

أما الحزب الثاني الذي نزل بثقله في هذه الانتخابات هو حزب نداء تونس. لقد سجل حضورا لافتا في الأغلبية الساحقة من الدوائر. لكن الجدل لا يزال متواصلا حول هوية الذين أثثوا قاماته في معظم الجهات. لأن الحزب يمر منذ فترة بأزمة هيكلية بعد أن انقسم على نفسه وغادرته قياداته المؤسسة له مما جعله يلجأ إلى أعضاء جدد لا يتمتعون بوزن المؤسسين، وحول الكثير منهم أسئلة وشبها عديدة.

لكن ما يجمع بين معظم هؤلاء هو انتماؤهم السابق لشبكات الدولة العميقة. فهؤلاء كانوا جزء من القاعد الاجتماعية التي كان يستند عليها نظام الرئيس بن علي، والذين اشتغلوا لفترة طويلة في مواقع صغيرة أو متوسطة محليا ومركزيا لتعزيز صفوف حزب التجمع الدستوري الديمقراطي.

 

أي أن العديد منهم كانوا من قبل هم الذين يدافعون عن النظام السابق باستماتة، وكانوا يتوزعون المسؤوليات المحلية، ومنهم من كان المواطنون يتهمونهم بالرشوة والفساد والتعاون مع البوليس السياسي، ويقدمون رخص البلدية لأقربائهم أو لمن يقدمون الولاء للحزب الحاكم.

فإذا بهم بعد مرور سبع سنوات على الثورة يفكرون الآن في العودة إلى الواجهة من خلال ترشيحهم من قبل حزب النداء حتى يقودوا ما يعرف في تونس بالحكم المحلي.

هذا جزء من النقاش الدائر حاليا في تونس، وهذا أحد المبررات التي تطرح حول قدرة الدولة العميقة على تجديد نفسها.

بعد ثورة 14 يناير مباشرة طرحت مسألة مصير " الأزلام " حسب العبارة التي استعملت ولا تزال، وكان توجه الكثيرين هو حرمانهم من العمل السياسي وقطع الطريق أمام عودتهم إلى أجهزة الدولة.

واتخذت إجراءات تصب في هذا الاتجاه مثل حل " التجمع "، ومنع التجمعيين من الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، كما تم اعتقال عدد من المسؤولين السابقين. وخلال أعمال هذا المجلس كان من المفترض أن تتم مناقشة مشروع قانون يقصي نهائيا كل من تحمل مسؤولية سياسية أو إدارية طيلة مرحلة حكم بن علي. وسمي ذلك المشروع ب " قانون تحصين الثورة ".

لكن في الأثناء تحركت مياه كثيرة أدت إلى أن تراجع حركة النهضة بالأساس موقفها، ونجحت في إسقاط هذا القانون وفتحت صفحة جديدة مع الدستوريين والتجمعيين، وكأنها تقول " عفا الله عما سلف "، وهو ما أدى إلى ما عرف فيما بعد بالتوافق بين النهضة والنداء.

هذا المنعرج خلق حالة من الاستقرار السياسي بعد انتخابات 2014، لكن ما يخشاه كثيرون بمن في ذلك نهضويون معروفون، أن جزءا من الكوادر السابقة في حزب بن علي قد تفكر في الشروع في تنفيذ خطة سياسية تهدف إلى سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين، وذلك من خلال المراهنة على الانتخابات البلدية ثم التشريعية القادمة، وبذلك تخلق ميزان قوى جديد في البلاد يضع النهضويين في تسلل، ويعيدون بذلك السلطة إلى من كانوا يصولون في عهد الرئيس بن علي.

هذا السيناريو قد تكذبه الأحداث، ولكنه يبقى احتمالا واردا. وحتى لا تنتكس التجربة فإن التونسيين يتحملون مسؤولية هامة من خلال موقفهم الانتخابي، ومن جهة أخرى على القوى السياسية بما في ذلك حركة النهضة أن تعمل على إفشال هذا الرهان بالطرق الديمقراطية لأنه إن تحقق فإنه سيشكل وبالا على الجميع، وسيكون سبب في إعادة النشاط والفعالية للدولة العميقة بثقافتها وشخوصها وأدواتها المالية والسياسية. وبعد ذلك لن تكون هناك ثورة.

التعليقات (2)
محمد ضيفي
السبت، 21-04-2018 09:25 ص
الاكيد أن بعد كل انتخابات تراجع الأحزاب خططها وتوجهاتها وفق النتائج التي تحصلت عليها لتدارك الأخطاء أو لتعزيز مكامن قوتها. أما في خصوص ظهور الإدارة العميقة فإن سبب ذلك ربما فشل الأحزاب الجديدة في تحقيق نقلة نوعية لتحقيق طموحات المواطنين والاستجابة لانتظاراتهم . ..بل وتراجع المقدرة الشرائية ومزيد تدهور اوضاعهم
اينشتاين
الأحد، 08-04-2018 10:22 م
التونسيون يتحملن المسئولية ، لكن المسئولية الأعظم على المعارضة الحقيقية التي يجب تمليك مشروع الثورة للشعب التونسي والرفع من وعيه قصد منع دوائر الفساد من التحكم مرة أخرى ، وفقكم الله إلى خير تونس وكل العالمين .