مقالات مختارة

من الخاسر ومن المستفيد من نهاية تنظيم «الدولة»؟

مثنى عبد الله
1300x600
1300x600
بسيطرته على أراض واسعة في العراق والشام، شكل تنظيم «الدولة» شبه دولة أمرا واقعا. وقد امتلكت عناصر الدولة حسب (معاهدة ويستفاليا) لكن من دون وجود اعتراف. 

فالأرض التي سيطر عليها كانت بحدود 144 ألف كم، وشعب مجموعه أكثر من 6 ملايين فرد، وقوة عسكرية ذات خبرة، واقتصاد، وسيطرة على مصادر المياه والسدود، وكذلك قيادة مركزية وشبه مؤسسات. يضاف إلى كل هذا أن العناصر الصلبة لديها قوة ناعمة أيضا وهي الدين، على الرغم من أن استخدام هذا النوع من القوة كان على المستوى الأدنى من الأخلاق والقيم المتعارف عليها. وقد أجمعت وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية على أنها دولة صبورة ومنظمة جدا، وقادرة على التعامل السياسي بحرفية عالية لتحقيق أهدافها. 

هذه المواصفات جعلت منها ملاذا آمنا لكل من يريد مقاتلة الأمريكان وحلفائهم، ليس من الأفراد وحسب، بل حتى دول في المنطقة استثمرت في وجود هذا الكيان لتحقيق مصالحها. بعضهم دعم تنظيم «الدولة» بصورة غير مباشرة أو بالخفاء، كي يستدر الدعم المادي والمعنوي من الولايات المتحدة والغرب. وآخرون شاركوا في محاربته بحماسة شديدة، على الرغم من أن قلبهم كان معه، لكن دافعه في ذلك كان الحصول على الرضى والدعم الأمريكي تحديدا. وثالث تغاضى عن تجارة التنظيم والمهاجرين إلى دولته من بقاع العالم، الذين كانوا يمرون عبر أراضيه. على سبيل المثال، إيران استثمرت كثيرا في الحرب على التنظيم، وعوائد هذا الاستثمار كانت شرعنة دخولها إلى سوريا والعراق، وبالتالي فرضت نفسها حتى على الأمريكان، كلاعب مهم في هذا المشهد، ظهر ذلك من خلال قيام الطيران الأمريكي بتوفير غطاء جوي فاعل للحشد الشعبي العراقي، الذي يدين بالولاء لها ولديه مستشارون إيرانيون يقودون معاركه.

 كما حصلت الحكومتان العراقية والسورية من تنظيم «الدولة» على شرعية دولية، غطت على الكثير من الانتهاكات التي جرت من قبلهما بحق مواطنيهم، إلى الحد الذي تنازلت فيه دول كثيرة عن مناداتها السابقة بالإطاحة بالنظام السوري، وجرت التضحية بالمعارضة السورية إكراما له. كما تنادت أصوات دولية كثيرة بضرورة توفير الدعم للنظامين، على اعتبار أن ساحتيهما هما مسرح القتال الدولي ضد التنظيم، فحصلت الحكومة العراقية على الدعم المادي الكبير وتسليح وتدريب قواتها لهذا السبب، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إلى النظام السوري على أنه رابح، لان كل المشاركين في الحرب على أرضه يصطفون اليوم لقبض الثمن، لان كل قوة في سوريا لديها مشروعها الخاص. 

يقينا أن هزيمة التنظيم وزوال دولته سيعني شرق أوسط جديدا، وظهور محاور قوة لم تكن موجودة على الخريطة السياسية للمنطقة، حيث سيكون الفاعل الروسي موجودا وبقوة، وستكون إيران موجودة أيضا أكثر من قبل، وبيدها أوراق ضغط جديدة. لكن من أبرز المواقف المتخوفة من هذا التغيير هو الموقف الإسرائيلي، حيث تعتبر إسرائيل أن زوال دولة التنظيم وتدمير قواه خطأ استراتيجي كبير يهدد مصالحها.

وينطلق هذا الموقف من اعتبارات عدة منها، أن ذلك يعتبر خدمة كبيرة لإيران وأذرعها الممتدة في المنطقة، وستتخلص من المستنقع السوري، ويسلم حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية من حرب الاستنزاف التي يخوضونها في سوريا، والتي كلفتهم آلاف القتلى والجرحى. كما أن المنطقة لن تبقى منطقة قتل لكل أعدائها، ومحور استنزاف كبير لكل الدول المحيطة بها. فإسرائيل تفضل أن لا يكون التنظيم قويا إلى درجة بحيث يشكل وجوده خطرا عليها، وليس ضعيفا إلى درجة تجعل أعداءها ومنافسيها في المنطقة يشعرون بالراحة والاطمئنان. كما أنها تنظر بارتياب شديد إلى شكل النظام الإقليمي الذي سيعقب نهاية التنظيم. فهي تعتقد أن نهايته تعني تسليم العراق إلى إيران بصورة أكبر من السابق، لان الأخيرة أرسلت متطوعيها وأسلحتها وميليشياتها إليه عندما استولى التنظيم على أراضيه، وستبحث عن الثمن. كما ستكون سوريا من حصة روسيا التي هبت للدفاع عن نظامها، حين احتل التنظيم أراضيها وبات يهدد وجود النظام السياسي فيها، وهي كذلك ستبحث عن الثمن. أيضا هي تنظر بارتياب شديد إلى طريق الحرير الإيراني عبر العراق إلى سوريا، فالبحر الأبيض المتوسط، والى الفضاء الجيوسياسي الذي مرت به صواريخ كروز الروسية من بحر قزوين ثم إيران والعراق فسوريا. وهي تعتقد أن هنالك توزيع حصص سيجري في المنطقة بعد زوال تنظيم «الدولة» وانحسار وجوده قد يؤثر على ميزان قوتها في المنطقة.

أما تركيا فقد حاولت الاستثمار في هذا الوضع، خاصة أنها موجودة في شمال دولة التنظيم، ونجحت بعض الشيء في تثبيت وجودها ضمن معادلة اللاعبين الأساسيين في مقاتلة تنظيم «الدولة»، لكن عائداتها من هذا الاستثمار كانت أقل من الطموح. صحيح أنها حصلت على دعم مادي ومعنوي من الغرب وروسيا أيضا، لكنها كانت تأمل أن تكون جائزتها في المشاركة في قتال التنظيم، هي إطلاق يدها في القضاء على الحلم الكردي الذي يقض مضاجعها. لكن ظنها خاب كثيرا بعد الإصرار الأمريكي على دعم الأكراد في سوريا، واعتبارهم رأس الحربة في قتال التنظيم، وتقديم الدعم المادي والعسكري لهم. لذا يمكن اعتبارها أحد الخاسرين من هزيمة التنظيم، حالها حال المملكة الأردنية التي هي موجودة ضمن الاستراتيجية الأمريكية في الجنوب السوري، لكنها على الصعيد الذاتي لم تكن من المستفيدين، على الرغم من مشاركتها في مجال الحرب الجوية والاستخباراتية في الحرب. يجدر الانتباه هنا إلى أن الأردن هو دائما ضمن اللعبة الدولية، لكن وفق الدور المرسوم له، أي ليس باجتهاده الخاص وفق مصالحه الوطنية والقومية. والدول المرسوم دورها مسبقا بالطريقة هذه، غالبا ما ينظر إلى ما تقدمه من أدوار على أنها واجب ليس بالضرورة أن يعود عليها بالفائدة.

أما المملكة العربية السعودية فهي ليست من الرابحين أو الخاسرين بسبب موقعها البعيد جغرافيا عن ساحة الحدث، وكذلك الطبيعة الطبوغرافية الصحراوية، لكنها كانت موجودة بصورة غير مباشرة على المسرح ضمن لعبة التحالفات الدولية. مع ذلك يمكن اعتبارها أحد الخاسرين من ظهور التنظيم وإعلان دولته، إن أخذنا بنظر الاعتبار الحملات الإعلامية التي كانت تشن في الغرب عليها، والتي تتهمها بأنها المصدر الفكري الرئيسي لتنظيم «الدولة».

في النهاية يمكن القول بأن هنالك الكثير من دول المنطقة حرصت على المشاركة، أما في الاستراتيجية الأمريكية أو الاستراتيجية الروسية في الحرب على تنظيم «الدولة»، كلا لها مصالحها الخاصة التي تروم تحقيقها من هذه الحرب. لكن السيئ في ذلك هو أن غالبيتها لم تكن لديها عوامل تحقيق ما تريد. فالنجاح الاستراتيجي يحتم السيطرة على كل مكونات تحقيقه، أي أن عوامل النجاح يجب أن تكون بيدك وليست بيد الآخرين، وتتمنى أن يتصرف الآخرون كما تريد. فلا يمكن تمني النجاح، بل يجب فرضه في العلاقات الدولية، لان ليس فيها من يقدم مكرمة لهذا الطرف وذاك، بل هي تدافع بشراسة لنيل المصالح.

القدس العربي
0
التعليقات (0)

خبر عاجل